لم يكن الغزو العراقي للكويت ولا الحرب الأمريكية علي العراق كارثة علي الخليج فقط، بل دفع آلاف المصريين ثمناً فادحاً لها، عندما عادوا لمصر خالي الوفاض، فراراً من ويلات
الحرب، تاركين خلفهم كل أموالهم وممتلكاتهم، شقاء العمر وثمن سنوات الغربة، في جيب كل منهم ورقة صفراء، مجرد ورقة هي حوالة بنكية تحمل رقماً لمبالغ الأموال التي تركوها خلفهم في البنوك العراقية، وحالت الحرب دون استردادها والعودة بها الي ارض الوطن، قرابة 22 عاماً مضت، والمصريون يطالبون العراق برد أموالهم، دون استجابة، بينما حكومات النظام السابق تلعب دور المتفرج والمستمتع بأنينهم، وعندما قامت الثورة، وجاءت الحكومة الحالية برئاسة شرف، كان نصيب هؤلاء تصريحات براقة بقرب صرف الحوالات، ولكنها للاسف لم تتجاوز كونها وعودا زائفة، فمصرف الرافدين بالقاهرة المخول بصرف الأموال قد أغلق أبوابه، وأمامه يتجمهر المصريون يومياً أملاً في استعادة ما ضاع، «أخبار الغد الجديد بالدقهلية » نقلت الصورة كاملة.
«عندما أطلق عصام شرف تصريحاته بصرف الحوالات الصفراء قبل عيد الفطر، طرنا من السعادة، فأخيراً سيتم إعادة أموالنا الينا، تلك التي جناها المرحوم زوجي بشقاء العمر والعمل اليومي لفترات تزيد علي 15 ساعة، ولكن فوجئنا ان وعود شرف لم يتم تنفيذها حتي الآن، الكلام علي لسان خضرة أحمد، ارملة العامل السابق بالعراق ماضي منصور، والذي توفي قبل ان يسترد أملاكه، وتعيش أرملته مع طفليها علي الكفاف أملاً في استرداد تحويشة عمر زوجها، وتقول: سافر زوجي للعراق بعد أن أعيته فرص الحصول علي عمل ببلدته دسوق في محافظة كفر الشيخ، وبقي هناك 5 اعوام، كان يخبرنا عبر الرسائل بما يلاقيه من تعب وعناء، وساعات عمل طويلة لا راحة فيها، وعندما وقع الغزو العراقي للكويت عام 1990، عاد زوجي لمصر تاركا كل أمواله بالعراق ولم يحمل معه سوي حوالتين صفراء اللون، الاولي رقم 600173 بتاريخ 14 مايو، والثانية رقم 2984 بتاريخ 25 سبتمبر من ذات العام، واجري زوجي بعد عودته مئات الاتصالات، وقدم مات الشكاوي للحكومة لاسترداد أمواله من العراق، ولكن دون جدوي، ومات عام 99 دون ان يستعيد أمواله، تاركا لي طفلين ومعاشاً حكومياً لا يتعدي 250 جنيها لا تكفي شيئاً في ظل تكاليف الحياة الباهظة ولا نفقات المدارس، وتناشد خضرة وزير القوي العاملة ورئيس الحكومة شرف بسرعة صرف الحوالات وتنفيذ الوعود التي تم اطلاقها لمواجهة متطلبات الحياة.
أما رزق محمد شحاتة، أحد العائدين من العراق، فيقول: وعود شرف بصرف الحوالات قبل شهر رمضان اعادت الي الروح، وبادرت باقتراض مبلغ ألفي جنيه، املا في استعادة أموالي التي انتظرتها قرابة 22 عاماً، ولكني فوجئت بالوعود تذهب ادراج الرياح، وانا مهدد الآن بالسجن، بسبب ايصال الأمانة الذي وقعته علي نفسي لصاحب الدين.
ويستيعد رزق ذكريات سنوات الغربة والشقاء بالعراق: سافرت عام 88 كعامل بناء، وطيلة عمله مدة عامين، لم اتقاض اي اجر، وعندما وقع غزو الكويت، لم احصل الا علي الحوالة الصفراء، وتحمل رقم 130053 صادرة من مصرف الرشيد فرع السيادية، وذقت الأمرين ابان ترحيلي من العراق، حيث بقيت 8 ايام في الطريق بدون طعام حتي وصلت لحدود مصر، وكل ما أتمناه أن ينفذ شرف وعوده بحل مشكلة أموالنا المجمدة في العراق، واعادتها إلي، اخشي ان اسجن بسبب ايصال الأمانة، وانا العائل الوحيد لأسرتي.
ولا يختلف حال الحسيني صقر كثيرا عن حال رزق، فقد سافر للعراق عام 86 بحثا عن الرزق، وعمل باحد المطاعم، كان يعمل طيلة النهار من الخامسة صباحا وحتي الحادية عشرة ليلا، وكنت اقوم بتحويل ما اتحصل عليه من أجر أولا بأول لأسرتي، ولكني في عامي 89، 90 ارسلت حوالتين تحمل الاولي رقم 509665، والثانية 830 صادرة من مصرف الرافدين، ولكن لم يتم صرفهما للآن، فمنذ الغزو الكويتي للعراق تم تجميد صرف كل الحوالات لمصر، وتردد ان العراق احتجز أموالنا لأن الرئيس المخلوع مبارك كان مطالبا بدفع ديون للعراق تبلغ ملايين الدولارت قيمة صفقة طائرات، ولا نعرف هل هذا حقيقة ام مجرد أقاويل، كل ما أعرفه أن الحكومة مطالبة باستخلاص حقوقنا من العراق.
فيما يتهم بكر فرج احد اصحاب الحوالات الصفراء حكومة شرف بالوعود الكاذبة، فمنذ شهر رمضان والجميع ينتظرون صرف الحوالات كما وعد شرف، ويقول: احمل حوالة منذ عام 90 تحمل رقم 112/159 بتاريخ 5 يونيو، وكانت الحوالات قبل الغزو العراقي يتم صرفها في نفس اليوم، ويطالب العراق بصرف الحوالات والقيمة المستحقة من فوائد عليها، ويقول: ما سنسترده من حوالات سننفقه علي علاج الأمراض التي أصابتنا نتيجة للعمل الشاق في العراق، فانا مريض «فيروس سي».
ابتزاز مرفوض
ليست السنوات الطويلة المريرة من الانتظار هي كل ما جناه أصحاب الحوالات الصفراء، بل هناك أيضاً محاولات ابتزاز يتعرضون لها من البنك العربي الأفريقي، وهو ما كشفه أحد المتضررين، فيقول رمضان عبدالعال: فوجئت بالمسئولين في البنك يعرضون علي صرف الحوالة مقابل الاستيلاء علي 50% من قيمتها، وشاهدت بعيني بعض اصحاب الحوالات يوافقون علي هذا مقابل استقطاع نصف المبلغ، ولكني رفضت، فهذا ابتزاز غير مبرر، ويشير الي أنه عمل بالعراق لمدة عامين، لم يتم صرف الحوالة الخاصة به وتحمل رقم 161716 لعام 89.
فيما يبدي احمد صبحي مصطفي وكان عامل بناء بالعراق، يبدي دهشته من صرف حوالات تعود لعام 90، وتجميد حوالات ترجع لعام 89، ويضيف: لقد استفاد النظام السابق من تحويلات العمال المصريين في العراق وعلي رأس هؤلاء محافظ البنك المركزي عام 89، كما تم تقديم قروض بفوائد ميسرة لرجال الاعمال من ايداعات وتحويلات المصريين بالخارج، والآن تتنكر لنا كل الحكومات، ويتركوننا في مواجهة مع العراق للمطالبة بأموالنا، وحكومة شرف تخدرنا بالوعود التي لا تتحقق.
وفي مصرف الرافدين بشارع التحرير بالدقي، والمفترض أنه المصرف المخول بصرف الحوالات الصفراء وفقا لوعود حكومة شرف، كانت المفاجأة، فالمصرف مغلق، فيما اخبرنا حارس البناية التي تضم المصرف، بان اصحاب الحوالات يتجمهرون كل يوم أمام أبوابه، ويهاجمون الموظفين والعمال للمطالبة بصرف أموالهم، الأمر الذي دفع المدير الي إغلاقه، حتي تنتهي المفاوضات بين مصر والعراق.
حاولنا استطلاع ما تم التوصل إليه في هذه المشكلة المزمنة من وزارة القوي العاملة، فلم نتمكن من مقابلة الوزيرالدكتور احمد البرعي، وقال مسئول بمكتبه أن الوزير أتم اتفاق مع العراق لاسترداد 408 ملايين دولار وهو قيمة الحوالات المستحقة، ولاتزال بعض الاجراءات قيد البحث منها فوائد الدين، وأشار إلي إن الوزير استعد للسفر أكثر من مرة للعراق، إلا أن الاعتصامات والإضرابات والمشاكل الداخلية التي تمر بها مصر حالت دون سفره.
ويطالب المسئول اصحاب الحوالات بمزيد من الصبر ويقول: لقد صبروا 22 عاماً، ويمكن ان يصبروا قليلاً، وصرف حوالات عام 90 و91، 92 قبل الاعوام التي سبقتها، سببه أن الحوالات بعد عام 90 كانت تتبع الامم المتحدة وتخضع لبرنامج « النفط مقابل الغذاء» أما قبل هذا التاريخ فكانت تخضع لتصرف البنوك العراقية، وهي المعطلة للآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق