سارعت الحكومات العربية لإدانة الزعيم الليبي معمر القذافي في فبراير الماضي حين حاول سحق انتفاضة شعبية بالبنادق الآلية والمدفعية الثقيلة، والآن الرئيس السوري بشار الأسد يستخدم الدبابات والذخيرة الحية لقمع المحتجين على حكمه، لكن وسط صمت نسبي من العواصم العربية مما يكشف الكثير من الخبايا، فيما ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن الأسد فقد شرعيته.
جميع الجسور
وربما تبدو ردود الفعل المتباينة غير متسقة، فسوريا وليبيا دولتان بوليسيتان بامتياز ومنذ زمن طويل، ومما هو معروف عن القذافي حاكم ليبيا أنه طالما تهكم على الأنظمة العربية وبالذات الخليجية، بينما أقام الأسد حاكم سوريا تحالفاً مع إيران وهو ما ساعدها على تمويل حزب الله في لبنان.
وقد يشجع انهيار حكم الأسد المرتقب على امتداد تلك الانتفاضات والتي سبق وأنْ أطاحت برئيسي تونس ومصر من شمال أفريقيا إلى قلب الشرق الأوسط مما يزيد من المخاطر بالنسبة لجيران سوريا.
الدكتور نبيل عبدالفتاح من مركز الدراسات الاستراتيجية بصحيفة (الأهرام) المصرية يرى أن «سقوط النظام السوري إلى جانب سقوط النظام اليمني سيعني انتقال الثورة لمنطقة قريبة جدا من منطقة الخليج»، في حين يبدو أن التخلي عن القذافي أسهل بعدما أحرق النظام الليبي جميع الجسور مع الحكومات العربية وحوَّل اهتمامه للجنوب وأطلق القذافي على شخصه لقب ملك ملوك أفريقيا! بينما لجأت سوريا لمزيج من التدخل المباشر والدبلوماسية الهادئة في تعاملها مع جيرانها لمواجهة تهديدات متعددة في منطقة متقلبة، والنتيجة صعوبة تصور توازن القوي في الشرق الأوسط في المستقبل بدون سوريا يحكمها الأسد».
الإطاحة بالأسد
وعلى مدار عقود من الزمن استطاعت أسرة الأسد أن تحرك الأحداث في المنطقة لصالحها من خلال المزج بين تمويل جماعات متعاطفة معها في الخارج ومعاقبة جماعات أخرى، وأبرز مثال على ذلك لعبة النفوذ في لبنان، حيث يقول معارضو سوريا إنها تتلاعب بسياسة البلاد لتتسق وأجندتها الخاصة، وتتهم السعودية دمشق بإصدار أمر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
وفي يونيو المنصرم أعرب الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى عن «قلقه» إزاء الاشتباكات في سوريا المستمرة منذ شهور، ولكنه أشار لانقسام أعضاء الجامعة التي تضم 22 دولة بشأن معالجة الوضع.
من جانبها قالت لالية خليلي من معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن «حتى السعودية التي كانت على خلاف مع سوريا لعقود التزمت الصمت لأن الإطاحة بالأسد تعني انتصاراً آخر للشعوب العربية قد يمتد إلى شبة الجزيرة العربية».
الجانب الخاسر
ومما هو معلوم أن بشار الأسد يقود نظاماً شمولياً في بلد يضم مزيجاً من طوائف دينية وقبلية تمتد عبر الحدود التي رسِّمت إبان الحقبة الاستعمارية، ومعظم سكان سوريا الذين يتراوح عددهم بين 20 و23 مليون نسمة من السنة، ولكن الرئيس والكثير من العسكريين البارزين والمهيمنين على السلطة هم من الطائفة العلوية، كما يضم شعب سوريا مسيحيين وأكراداً وآشوريين .
ويقول معارضو الأسد إنه يعتمد بشكل متزايد على القوات العلوية الموالية له والشبِّيحة وهم وحدة أو فرقة من الأمن السري المتخصصة في سحق الاحتجاجات عبر الاغتيالات والفتك خارج القانون.
ويضيف عبدالفتاح «قد يعني سقوط النظام السوري انهياراً كاملاً للموازين الطائفية والدينية في المنطقة الجنوبية»، وربما يشجع جيران سوريا على البقاء على الحياد تخوفاً وتحرزاً من أن ينتهي بهم المقام على الجانب الخاسر.
وكان القذافي قد فقد السيطرة على المنطقة الشرقية بالفعل حين أبدت الجامعة العربية تأييدها لقرار الأمم المتحدة بتكليف الغرب بقيادة عملية عسكرية لحماية المدنيين.
ويتوقع معارضو الأسد انتفاضة وطنية ما لم توقف الحكومة نزيف الدم، في حين يبدو أن بعض المعارضين يريدون إصلاحات وليس ثورة فيما لاتظهر دلائل تذكر على تشكيل حكومة إصلاحية.
مواصلة الوحشية
وفي ليبيا ظهرت قيادة منظمة للمعارضة خلال أيام من اندلاع الانتفاضة، ولكن الجماعات المعارضة في سوريا يظهر أنها منقسمة بشان خطواتها في المستقبل. وأدانت حكومات غربية تقودها فرنسا إراقة الدم في سوريا ولكنها لم تُبْدِ رغبة في تدخل عسكري يقلب الموازين لغير صالح الحكومة.
وقالت خليلي «القوى الغربية ترى أن دور سوريا محوري جداً لاستقرارها وهو في النهاية أهم من الحديث عن التحرر ونشر الديمقراطية، لهذا السبب تلتزم (إسرائيل) الصمت المطبق».
وقال شادي حامد «لم يعرف الزعماء العرب يقيناً بعد في أي اتجاه تهب الرياح، وربما يجد الأسد سبيلاً للبقاء فهم لايريدون تقويض العلاقة معه وبمن يحيطون به».
هذا فيما قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في حديث للصحفيين إن الأسد فقد شرعيته من وجهة نظر بلادها، وأضافت: «لو اعتقد أحد بمن في ذلك الرئيس الأسد أن الولايات المتحدة تأمل سراً أن يخرج ذلك النظام من هذه الفوضى كي يواصل وحشيته وقمعه.. فهو مخطىء».
وتابعت «الرئيس الأسد ليس شخصاً لايمكن الاستغناء عنه ولانعول في شيء على بقائه في السلطة مطلقاً»
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق