وإذا كانت تلك القراءات صحيحة فإنها تعني أيضا أن الحالة السورية تستوجب التدخل وليس العكس. فالوضع المتأزم في حالة ولادة ولا بد أن ينجب شيئا ما.
الحالة الخطرة ونذر الحرب الأهلية تبرران التدخل لا العكس. وهنا يصبح التدخل الدولي عملا إيجابيا وأكثر إلحاحا. التدخل يعني عمليا ترجيح كفة جماعة معارضة أو تجمع من الجماعات، وتمكينها مقابل التزامها بالشروط الدولية بهدف وقف أي انتقامات أو حروب طائفية أو نزاعات تقسيمية. هذا ما حدث في ليبيا، التي لولا غلبة الكلمة الدولية وقدرتها على ترجيح كفة على أخرى، ولولا فرضها شروط إدارة الحرب والتزامات النصر، لولا هذا كله لبقيت ليبيا في حروب بين القبائل والأقاليم على القيادة والنفوذ، ولكانت الانتقامات أفظع. وحتى ما تشهده ليبيا اليوم من جدل ومحاولات تقسيم داخل الدولة هو عمل عبثي محكوم عليه بالفشل بفضل الالتزام الدولي بحدود ونظام ليبيا الجديد.
الوضع في سوريا بالغ الخطورة بسبب ترك النظام يفتك بالناس، والقوى تتشكل في فراغ، ثم سينهار النظام وتصبح البلاد مثل مائدة يتصارع عليها الجميع دفعة واحدة. حينها سيكون صعبا استدعاء قوات دولية لإطفاء الحرائق، ومنع الحرب الأهلية أو الطائفية، وستصبح دول المنطقة في وضع أخطر.
وكل من يتحدث عن مخاوفه من وضع سوريا، يريد أن يبرر بها تقاعسه مثل الغرب، أو يريد تخويف الآخرين من التدخل مثل إيران أو العراق. سوريا في ثورة منذ عام لن تنطفئ جذوتها إلا بسقوط النظام، والجميع يعرف أنه انتهى رغم صموده بالمزيد من القتل والدم.
وحتى تركيا، التي تتردد في التدخل لأنها في حاجة إلى تفويض دولي ومشاركة عسكرية أوسع، تشعر اليوم أنها تدفع الثمن بسبب طول الأزمة. فالنظامان السوري والإيراني نجحا في تنشيط الجماعات الكردية الانفصالية المختبئة في العراق وسوريا وتنفيذ عمليات إرهابية في الأراضي التركية. وهما وراء تأجيج الأزمات في الخليج والتهديد بتخريب الوضع في لبنان. والأسوأ أن النظام السوري نجح في تعميق الكراهية داخل مكونات الشعب السوري بالمذابح والتخويف الطائفي. ولو أن النظام أُسقط في العام الماضي لأصبحنا أمام أمر واقع جديد أقل إشكالا على الشعب السوري والشعوب المجاورة.
حفظ الله الوطن العربي من كل سوء وشر وحفظكم قرأنا الأعزاء الأوفياء مع وعد بمقالات متجددة في ظل وبؤرة الحدث في كل دول العالم...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق