الآباء الناجحون في تربية أولادهم هم آباء يكتسبون خبراتهم التربوية من أبنائهم.. قد يبدو هذا غريبا، فقد اعتدنا أن
يكون التوجيه والانتقاد مقصورا علي الآباء.. يأمرون أبناءهم بالبر وينسون أنفسهم، يحذرونهم من العقوق ويغفلون حسن صحبتهم، يخبروهم أن رضاهم هو طريقهم إلى الجنة ولا يمهدون لهم هذا الطريق.
في السطور التالية وعلى لسان أحد الصغار نحاول أن نتبادل الأدوار مع أبنائنا، نستمع لهم.. ونستنير بآرائهم في تربيتنا لهم .. نلمح في نصائحهم أخطاءنا، ونتعرف في كلماتهم على سقطاتنا التي نغفل عنها، ربما ننجح بهذه الطريقة في أن نصنع معهم الآباء الذين ينشدون، ونتجاوز بمساعدتهم دائرة العقوق بصوره المختلفة، ونجعلهم يروننا أفضل أب وأم في الوجود ..
فضفضة صغير
أبي..أمي..أحبكما كثيرا.. لكني لا أشعر أنكما تبادلاني الشعور نفسه, فأنت ياأبي لا تخصص لي من وقتك إلا اليسير، وإن فعلت أجدك عنيفا قاسيا أو صامتا مشغولا عني.. إما بقراءة صحيفة أو متابعة برنامج.. وأنت يا أمي دائما عابسة ناقمة على الدنيا.. في عجلة من أمرك.. منهمكة إما في شئون البيت التي لاتفرغ على حد قولك، أوفي تلك المشادات الكلامية المعهودة مع أبي عن مصروف البيت، وإذا ما بادرت بالحديث إلى أي منكما لا تعطياني الفرصة ولا تنتبها لي.
صرت كبيرا.. وصار لي حكم على الآخرين.. وأول من أحكم عليهم.. أنتما
قد يبدو هذا غريبا، فقد اعتدتما كما اعتاد الجميع أن يكون التوجيه والانتقاد مقصورا عليكم معشر الآباء.. متناسين أن الحوار الراقي والثقة المتبادلة والاحتواء.. هي السبل الوحيدة لتقبل توجيهاتكم بل وعقابكم أيضا بكل رضا واقتناع.
حان الوقت للاستماع إلينا.. وليس هذا بغريب فأنتما أول من تفتحت عيوننا عليهما في الدنيا، وأكثر من أحببنا في الوجود، وعندما يشتد تعلق المرء بغيره يصبح هذا الغير محور الحياة والمرآة التي يرى من خلالها المستقبل، فأفسحوا لنا صدوركم واستمعوا لنصحنا في معاملتكم لنا حتى نصنع سويا الأبناء الذين ترغبونهم ونخرج معا من دائرة العقوق المقيتة..
الإقناع علاج التقصير
- احترم يا أبي آدميتي، وارضى لي بما ترضاه لنفسك من تقدير وعدم سخرية وعدم انتقاص من شأنك، واعلم أنني أتمتع بقدر ليس بيسير من الذكاء والقدرة على الاستنتاج، فعندما أعامل باحترام أقدر قيمة هذه المعاملة فأحترم الآخرين بدوري.
- اعلما يا أحبائي أن الإقناع هو العلاج الأمثل إذا ما وقعت في تقصير، وأن الأوامر الجوفاء الصارمة لا تأتي بقناعة تحسن السلوك، فاستمعا لآرائي جيدا لإقناعي بأهمية ماتريدانه مني وفائدته.
- لا تهدداني بالعقاب على الدوام .. خاصة أنت يا أبي، فقد اعتدت على ضربي كلما بدر مني خطأ ولو كان بسيطا، فالضرب يملؤني خوفا منك، وأنا أحبك وأسعد بصحبتك فلا تبعدني عنك..عاقبني إذا أخطأت خطأ جسيما، ولكن ليكن العقاب قصيرا محدودا بوقت معين ولتحرمني فيه من شيء أحبه.. ولكن أرجوك لا تؤذيني بعقاب بدني مؤلم.
- وأنت يا أمي كوني على يقين أن اللوم الشديد والانتقاد المستمر يجعلاني متوترا قلقا طول الوقت، لاأركز على سلوك الخطأ بقدر ما أركز على الألم النفسي الناتج عن النقد اللاذع ، ولتعلمي أن السلوك السيء الذي ارتكبه عن دون قصد يمكن أن يؤدي الانتقاد المستمر إلى تثبيته، بينما لو تجاهلتيه بعض الوقت ربما نسيته ولا أعود إليه.
- كافآني على السلوك الجيد .. فالجوائز هي أقصر طريق لتعلم المباديء والعادات الجيدة، ولا تستعجلا على تغيير ما تكرهانه لدي من سلوكيات، ولتكونا القدوة الحسنة لي ولأشقائي تفعلون ما تقولون.. لأننا نقلد تصرفاتكما بأسرع من الاستماع لنصحكما.
احذرا مدمرات التربية
- كونا متوازنين في التعامل معي دون تهوين أو تهويل، فقد يكون الموقف صغيرا وتعظمونه وتعاقبون عليه، وقد يكون كبيرا ولا تلقون إليه بالا، وهنا يصيبني الاضطراب، فاحرصا على تقدير الأمور بقدرها ولا ترصدا الحدث السيء فقط.. ولكن قوما برصد الأسباب المؤدية له والتي قد تكونا طرفا فيها.
- احذرا المقارنات فهي تدمرني وتصيبني بالإحباط، فلا يوجد اثنان متشابهان ومن المؤكد أنني أختلف عن غيري حتى لو كان أخي، وليس من الصواب أن تقارناني بأحد غير نفسي.
- احترما ملكيتي لأشيائي الصغيرة حتى أحترم ملكيات الآخرين.. فمن الظلم أن أهدد بالعقاب إذا لم أعط ما أمتلكه لإخوتي أو غيرهم، وإن كنتما تبغيان من وراء ذلك تعليمي التعاون والإيثار ومحبة الآخرين فهذا شىء آخر لا يأتي بالتهديد والظلم والإجبار.
الرجال يُصنعون
- أعطني ياأبي الفرصة للضحك واللعب وحرية الاختيار ليتسنى لي التعلم والانطلاق في المجتمع، صحيح أنني أنتظر منك التوجيه ولكن بلا تسلط ، وأريد منك التعليم ولكن بلا حماسة زائدة ، فلتتركني أتعلم وأتكلم وأعبر لأنك قلت لي أن الرجال لا يولدون بل يُصنعون.
- كن أكثر هدوءا عندما أناقشك في أمر ما وأخالفك في الرأي، وأعطني مزيدا من الحرية لإبداء آرائي سواء فيما يخصني أو يخصكم أنت وأمي، ولاتتعامل معي بعصبيتك الزائدة وتذكر دائما أنك من علمتني أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
- لا تصر ياأبي على قولبتي في قالبك أنت نفسك، فليس بالضرورة أن أكون نسخة أخرى منك سواء في مستوى تعليمك أو عبادتك أو تخصصك في مجال عملك، ودع لي اختيار مجالي التعليمي وسلوك الطريق الذي أراه ويتفق مع ميولي بقناعة واختيار.
- أنا الآن مراهق.. تراني صبيا وأراني رجلا، فأرجوك عاملني بكل تقدير لأني في أمس الحاجة لإثبات الذات، وشجعني على وضع أهداف والعمل على تحقيقها، فذلك من أهم الأشياء التي تملأ دنياي فلا ألتفت في هذه المرحلة القلقة إلى ما يضيع وقتي ويستنزف طاقتي، بل انشغل بكل ماهو مفيد لتحقيق أحلامي.
أحتاجك أمي
- وأنت ياأمي كفي عن تحميلنا مالا طاقة لنا به من مسئوليات كبيرة بالمنزل لتريحي نفسك.. فذلك يشعرنا بالظلم، وإذا أردت تعويدنا على المسئولية فليكن ذلك بروح حنون، وبهدف واضح وفي وقت معين، وليس باستمرار، ولا تجبريني على النزول عدة مرات في اليوم الواحد لشراء لوازم البيت لأنني الولد.. والولد فقط هو الذي عليه الشراء،أو تجبري شقيقتي على القيام بالأعباء المنزلية جميعها، فالصواب أن يكون هناك تعاون بين الأبناء دون إجحاف أو ظلم مع مشاركتكم لنا في هذه المسئوليات.
- أنا أعلم أنك تتعرضين لضغوط مضاعفة سواء في عملك أو داخل البيت، وأن ذلك ينعكس أحيانا بل كثيرا على سلوكك معنا تعبرين عنه بالانفعال علينا أو إهمالك لنا، وتركنا للدش والنت وغير ذلك، فضعي لنا القواعد واقنعينا بشتى السبل أن هذه القواعد لحمايتنا ومصلحتنا، وحددي عدد ساعات جلوسنا أمام شاشات الكمبيوتر والتليفزيون، ولا تتركينا للحجرات المغلقة مع اللاب توب أو برامج المصارعة التي نتعلم منها القيم السلبية والتي تعودي وتعاقبيننا عليها، وحاولي أن توفري لنا البدائل المفيدة.
- تعرفي على هواياتي التي أحب ممارستها، ومواهبي التي أتقنها وتعالي نرى سويا كيف أتعامل معها واقتطعي لنا من وقتك القليل .. لا بل الكثير لأننا نحتاجك بجانبنا، فبداخلنا الكثير والكثير مما نريد الإفضاء به إليك، ونحتاج رعايتك دون تسلط أو إهمال.
والآن لكل الآباء إذا اعجبتكم الفكرة وقررتم أن تواجهوا أخطائكم التربوية التي يشير إليها أبنائكم مارسوا التجربة وشاركونا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق