تدافع فى اليوم الأول للانتخابات البرلمانية أعداد كبيرة من الناخبين، غير المنتمين لأى تيارات سياسية، والرافضين من الأساس للمشاركة أو الانخراط فى العمل السياسى، ممن عرفوا بـ"الكتلة الصامتة" أو "حزب الكنبة"، للإدلاء بأصواتهم فى انتخابات برلمان الثورة.
أنصار الكنبة قرروا التخلى عن صمتهم هذه المرة، وعادوا للمشاركة فى المشهد بعد ثمانية أشهر كاملة، منذ نزولهم الشارع يوم 19 مارس للمشاركة فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، مؤكدين أن التنازل عن حقهم فى التصويت خيانة لهذا الوطن، وأنهم وإن غابوا عن المشهد السياسى إلا أن أحدًا لن ينتزع حقهم فى التصويت، واختيار أعضاء برلمان الثورة.
على أبواب اللجان الانتخابية تزاحموا.. بعضهم يسأل الواقفين أمامه عن الذى سيرشحه، ثم يختار الأسماء التى تكررت أكثر من مرة.. والبعض الآخر يضع إحدى قدميه فى الطابور الطويل المؤدى للجنة الانتخابية والأخرى خارجه ويسأل "هل فعلاً هاندفع 500 جنيه لو ما انتخبناش؟"، وقسم ثالث يؤكد أنه لا يعرف من سيرشح، لكنه قرر اختيار مرشحى الأحزاب الإسلامية لأنه يريد الحفاظ على هوية مصر ويخاف عليها من العلمانيين.
تجولت فى عقول أنصار "حزب الكنبة".. حاولت التعرف عن قرب على أسباب مشاركتهم فى التصويت وتوقعاتهم للبرلمان المُقبل الذى سيكون أول برلمان يعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب، على حد قولهم، خاصة أن الانتخابات شهدت منذ الساعات الأولى إقبالاً غير مسبوق من المنتمين لحزب الكنبة، ومن غيرهم، على لجان الاقتراع المخصصة للمرحلة الأولى من الانتخابات، حيث امتدت الطوابير الطويلة أمام اللجان قبل ساعات من موعد فتح اللجان لبدء عملية الاقتراع.
سيدة فرج، 65 سنة، كانت تجلس على الرصيف أمام اللجنة الانتخابية فى روض الفرج، منتظرة دورها للمشاركة فى الانتخابات للمرة الأولى فى حياتها، "سيدة" تقول: "المرة دى لازم نشارك بجد لأننا نفسنا نغير وناخد كل الحقوق اللى معرفناش ناخدها فى تلاتين سنة".. مضيفة أنها لم تشارك قبلاً فى الانتخابات بسبب ما كان يحدث من تزوير لأصوات الناخبين طوال عهد الرئيس المخلوع، لكنها تثق الآن، عقب قيام الثورة، فى أن أصواتهم ستصل.
وعن الغرامة المالية التى حددها قانون الانتخابات لمن يمتنع عن التصويت، قالت "سيدة" إنها لم تشارك خوفًا من الغرامة، وسواء كان المجلس سيطبقها أم لا كانت ستشارك تعبيرًا عن رغبتها فى التغيير، وإكمال الثورة التى ضحى الشباب بحياته من أجلها.
أما هنا محمد، صاحبة الثلاثين سنة، فأكدت أنها لا تنتمى لأى حزب سياسى، لكنها كمواطنة مصرية تعلم تمامًا أن الانتخابات وسيلة لإخراج البلاد من حالة الانفلات الأمنى التى زادت خلال الفترة الأخيرة، وأضافت "هنا" أن الحالة التى شهدتها عملية التصويت كانت منظمة، والتزم القضاة بدورهم فى مراقبة العملية الانتخابية.
وفى نبرة ساخرة، قال محمد عبد الرؤوف، 35 سنة، "أنا من حزب الكنبة وهشارك لأنى خايف من غرامة الـ500 جنيه"، مضيفًا أنه لا ينتمى إلى حزب سياسى، ولا يهتم كثيرًا بالسياسة، فضلاً عن أنه لا يعرف مرشحى دائرته من الأصل، وتساءل "محمد": كيف يختار من يمثله فى حين أن معرفته الوحيدة بالمرشحين ستتم داخل اللجنة الانتخابية فقط.
وبعد أن أدلت بصوتها خوفًا من الغرامة، انتقلت فوزية محمد، 61 سنة، لتبيع الشاى للناخبين أمام إحدى اللجان الانتخابية، متمنية أن يهتم البرلمان القادم بمثلها من الفقراء، ويساعدهم فى الحصول على حقوقهم.
فيما تمنى العم سامى، صاحب أحد المقاهى، أن تأتى الانتخابات بأعضاء يقومون بدورهم التشريعى والتنفيذى، ولا يقتصر دورهم على تقديم الخدمات.
وقالت وسام مختار محمد،س 45 سنة، إنها حرصت على المشاركة فى الانتخابات "لأن دا واجب وطنى"، فى حين قالت "نعيمة"، 55 سنة، إنها شاركت فى الانتخابات خوفًا من الغرامة، مضيفة "سمعت ده من التليفزيون وأنا مش معايا 500 مليم"، فيما أكد كمال شاكر على ضرورة المشاركة فى الانتخابات بعد الثورة "عشان نؤسس حكومة بعيدة عن إيد المجلس العسكرى"، مشيرًا إلى أنه شارك فى حملات توعية لجيرانه وأهله "عشان ينتخبوا"، خاصة فى وجود جيش يحمى اللجان الانتخابية من البلطجية وممن يؤثر على الناخبين.
وقال بيشوى إيهاب، 20 سنة، إنه قرر التصويت برغم عدم توفر معلومات كافية عن المرشحين المستقلين، ومن أجل ذلك فإنه سينتخب قوائم الأحزاب، مشيرًا فى الوقت نفسه إلى أن الجيش تعامل بسلبية مع بعض الذين يوزعون الدعاية، مستنكرًا قولهم له "هو احنا فاضيين".
على الجانب الآخر، قررت الشقيقتان نورهان ونهال محمد اختيار مرشح إسلامى، وبررتا ذلك برغبتهما فى عودة المجتمع إلى التدين مرة أخرى، وذلك برغم عدم انتمائهما إلى أى من تيارات الإسلام السياسى.
يأتى ذلك فيما أرجع عدد من المحللين والسياسيين الزحام على التصويت لحاجة الناس إلى التغيير والسعى للاستقرار، عن طريق إرساء قواعد الديمقراطية، إضافة إلى الفتاوى الدينية التى حرّمت مقاطعة الانتخابات، وخاطبت النزعة الدينية بداخل الشعب المصرى لضرورة المشاركة والتفاعل فى العملية الانتخابية، هذا فى حين قلل البعض من تأثير غرامة عدم التصويت التى أقرها قانون الانتخابات الجديد، وذلك لصعوبة تنفيذها وشبهة عدم دستوريتها.
ويرى الناشط العمالى كمال شكر، رئيس اتحاد النقابات المستقلة، أن زيادة إقبال المصريين على التصويت يعكس رغبة حقيقية فى التغيير والاستقرار، وتحقيق مبادئ الثورة من عدالة اجتماعية، إضافة إلى الأمل فى إقامة دولة ديمقراطية تحتكم إلى صناديق الانتخابات دون تزوير، واستبعد "شكر" أن تشهد الانتخابات الحالية ظاهرة التصويت الجماعى، مؤكدًا على أن الحال تغير بعد الثورة، وحتى من يقبل الرشاوى الانتخابية من الفقراء فإنه حتما سيقبلها بدافع الحاجة، فى حين سيعطى صوته لمن يشاء برغم الضغط.
ويضيف "شكر" أن الانتخاب بالرقم القومى كان عامل جذب قويًا للعديد من القطاعات، وإقراره يعد معجزة حقيقية، ومن أبرز ثمار الثورة، فالانتخاب بالرقم القومى سهل الإجراءات الانتخابية، إضافة إلى جهود اللجنة الانتخابية التى مكنت الناخب من تحديد لجنته بخطوات بسيطة.
فى حين يرى الناشط السياسى دكتور يحيى القزاز، عضو حركة 9 مارس، أن الإقبال المتزايد على اللجان الانتخابية يقف خلفه التيارات الإسلامية التى استمرت فى الحشد خلال الليل، وعلى منابر صلاة الفجر، وخاصة حزب الحرية والعدالة، قائلاً "أنا شفت بنفسى لجان جماعة البنا بتحشد فى المواطنين حتى الثالثة صباحًا، عن طريق مساعدة الناخبين فى تحديد لجانهم، برغم حظر الدعاية الانتخابية منذ يوم السبت الماضى"، ويرى القزاز أن الانتخابات لن تعكس إرادة الناخبين الحقيقية، فالتجاوزات ستحدث رغمًا عن الجميع، سواء من النظام "المباركى"، أو من جهل الناخب بالعملية الانتخابية.
وأرجع الدكتور عبد المنعم بيومى زيادة إقبال الناخبين على التصويت إلى فتاوى تحريم الامتناع عن التصويت التى أصدرتها لجنة الفتوى بالأزهر، وعدد من علماء الإسلام، ويرى "بيومى" أن تلك الفتوى كان لها أثر إيجابى فى حث العديد من المتدينين على المشاركة فى العملية الانتخابية، مضيفًا أن المواطن المصرى يتأثر بفتاوى رجال الدين، ودائمًا ما يربط الدين بالأمور الحياتية.
وأضاف "بيومى" أن التقاعس عن المشاركة فى الانتخابات، بعيدًا عن الفتوى، هو عمل غير سليم، ويعكس سلبية ورفضًا للمشاركة فى إعادة بناء المجتمع عقب ثورة الـ25 من يناير، مشيرًا إلى عدم وجود أى سبب وجيه لمقاطعة الانتخابات.
ونفى الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية، أن تكون غرامة الـ500 جنيه، التى أقرها قانون الانتخابات الجديد على كل مواطن يمتنع عن الإدلاء بصوته، هى العامل الرئيسى وراء الإقبال على العملية الانتخابية، خاصة مع صعوبة تطبيقها وعدم دستوريتها، لأنها تعاقب المواطنين على عدم ممارسة حقهم السياسى فى التصويت، وهو أمر لا يجوز، ولم يسبق تطبيقه أو إقراره ضمن قوانين الانتخابات فى أى من دول العالم.
وأكد "زهران" على أنه بصدد الطعن على تلك الغرامة أمام المحكمة الدستورية العليا، مضيفًا أنه لا ينبغى الحكم على ارتفاع نسبة المشاركة فى العملية التصويتيه الآن، والتى فى نظره لن تزيد على نسبة 25% من إجمالى أصوات المصريين، فالطوابير الطويلة التى شوهدت أمام اللجان ربما يرجع سببها إلى تخفيض عدد اللجان الانتخابية، مؤكدًا أن نسبة المشاركة وحدها ستحدد مدى شعور الناخب بالاستقرار السياسى والأمنى، ومدى ثقته الحقيقية فى التغيير، فإن وصلت نسبة مشاركة الناخبين إلى 75% فإن هذا سيعنى نجاح الضغط والدعاية الدينية والقانونية والسياسية فى إقناع الناخبين بفاعلية المشارك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق