شهادات أبطال الدقهلية فى حرب أكتوبر
عبدالعزيز أسقط 4 طائرات للعدو وأبوغريب شارك فى أسر ياجورى
الغندور: شاركت فى أسر 30 إسرائيليًّا ومنعت زميلى من الاعتداء عليهم
بكر: الجنود ألقوا التعيين الاحتياطى على الأرض وعبّأوا بدلاً منه طلقات
فى الثانية وخمس دقائق من بعد ظهر يوم السادس من أكتوبر عام 1973 انطلق أكثر من 220 طائرة إلى سيناء لتعبر قناة السويس فى توقيت واحد متجهة صوب أهدافها المحددة، وكان لكل تشكيل جوى أهدافه وسرعته وارتفاعه ونفذت ضربة جوية مركزة، أصابت مواقع العدو إصابات مباشرة، وعادت الطائرات عدا طائرة واحدة استشهد قائدها، كما كسرت المدفعية المصرية على طول خط المواجهة الصمت الرهيب الذى ساد الجبهة منذ توقفت حرب الاستنزاف فى أغسطس 1970 وتحول الشاطئ الشرقى للقناة إلى جحيم.
شارك فى حرب أكتوبر أبطال كثيرون من قرى ومراكز محافظة الدقهلية، التقينا بعضهم ليحكوا لنا ولشباب مصر بعضًا من بطولاتهم والمواقف الفارقة فى الحرب.
قال سمير طه الغندور، أحد أبطال حرب أكتوبر وعضو حزب "حماة الوطن"، ابن قرية منية سندوب بالدقهلية: تم تجنيدى فى شهر أبريل عام 1973، وأخذت الفرقة وكنت من الأوائل فيها، فتم ترحيلى إلى الجبهة وانضممت إلى الفرقة 18 اللواء 36 مشاة ميكانيكى، وكان هناك بعض الأئمة يعطون لنا توجيهًا معنويًا، وعندما وضعنا القوارب بين مدينة بورسعيد والسويس وهتفنا "الله أكبر" (شعرنا وقف)، وقمنا بتنفيذ مهماتنا، يوم 6 أكتوبر فى تمام الساعة 11:30 كانت هناك أوامر بالإفطار، وعلمنا فى حوالى الواحدة والنصف أنه من المحتمل قيام الحرب اليوم.
ومن المواقف الطريفة فى الحرب أنه كان لى صديق اسمه عبدالسلام قناص أصاب جنديًا إسرائيليًا فقلت له "إوعى الطلقة تخطئ الهدف" فرد قائلاً "هتعدى الاتجاه التانى هتلاقى الطلقة فى قلبه" وبالفعل وجدتها مستقرة فى قلبه، وقد شاركت فى أسر أكثر من 30 إسرائيليًا، وبعضهم كان يتحدث العربية، بالقرب من القنطرة، وعندما حاول زميل لى الاعتداء عليهم منعته وقلت له "الإسلام بيعلمنا إننا لازم نعامل الأسير كويس".
وعن لحظة رفع العلم المصرى فى المنطقة التى كانوا ينفذون مهمتهم بها، قال الغندور: تقدمنا عدة كيلو مترات وأثناء قيام المجند المكلف برفع العلم أصيب بطلقة من العدو سقط على أثرها شهيدًا بعدما تمكن من رفع العلم وتثبيته.
وأضاف: كان لى أخ أكبر منى فى قوات الصاعقة استشهد أثناء الحرب، دخل الجنة من أوسع الأبواب الشهيد إبراهيم طه الغندور، وأنا كنت "فرحان وفخور إن أخويا استشهد فى الحرب"، ومن المواقف التى أتذكرها أيضًا فى رابع يوم للحرب عندما أصيب زميلى منير من قرية كفر حسان، فقلت له "مش عاوز حاجة يا منير" فوضع يده على الجرح وقال "أنا سأموت حالاً، وصيتك قول لأخى يتزوج مراتى علشان يحافظ على ابنى" وكان طفله قد ولد قبل الحرب بأسبوع واحد فقط، فقمت على الفور بمناداة أحد زملائى من قريته وشهدته على الوصية.
وختم حديثه قائلاً: أثناء الحرب كان الضباط يقومون بنزع الرتب من على أكتافهم، وكانت هناك تعليمات بأنه فى حال الأسر لا نقول للقائد "يا افندم ولا رتبته" حتى لا يقوم الإسرائيليون بتعذيبه وخلع أظافره ورموش عينيه.
من جانبه، يقول العقيد السيد عبدالمنعم، الشهير بأبوغريب، أحد أبناء محافظة الدقهلية وأحد المقاتلين فى الفرقة الثانية مشاة اللواء 120: كنت فى القطاع الأوسط فى وادى النخيل، الذى شهد أكبر معركة دبابات، وفى يوم 12 أكتوبر عبرت مجموعة دبابات من قيادة اللواء 190 مدرع إسرائيلى، بقيادة العقيد عساف ياجورى، أنا كان معايا آر بى جى وكان معانا عبدالعاطى مقاتل من الكتيبة 33 فهد الملحقة على اللواء 120، والذى دمر 22 دبابة، وقمت أنا بتدمير ثلاث دبابات، حيث تم أسر ياجورى والذى كان فى آخر دبابة وعندما رأى الدبابات الأمامية تحترق، فكر فى العودة إلى الخلف لكن فلكتان من جنزير الدبابة تحطما فطلع عليه الجنود كالوحوش، وأول من وضع يده عليه فى الدبابة النقيب يسرى عمارة من بورسعيد، حصرنا قوتهم ووجدناهم 4 جنود معهم عساف ياجورى، فقمنا بترحيلهم إلى قائد الفرقة العميد حسن أبوسعدة، بعد ذلك قمنا بالذهاب إلى مكتب المخابرات وكان أمين عبداللطيف هو محافظ الإسماعيلية فى هذا التوقيت، فجلسنا واستجوبوه، وتم ترحيله إلى القاهرة.
اللواء فخرى محمود بكر، ابن محافظة الدقهلية، يقول: أثناء حرب أكتوبر كانت رتبتى ملازم أول فى الكتيبة 534 اللواء 135 مشاة، وكان بينى وبين الإسرائيليين الألغام فقط؛ لأننى كنت فى شرق القناة وكنت قائد فصيلة فى الكتيبة الثالثة، وكنا نهجم عن طريق فتح ثغرات عند الكيلو متر عشرة، وكانت من أقوى النقط على القناة لأنها مواجهة لبور فؤاد، كنا نتدرب ليل نهار لتجهيز أنفسنا ونتدرب على تنفيذ المهمات المكلفين بها على أكمل وجه، وكانت فترة تدريب قاسية للغاية لكن كان نصب أعيننا نكسة 67 كأقوى دافع لنا لتطهير أرضنا ورد كرامتنا، وكان لقوات الاستطلاع دور هام جدًا، حيث أمدونا بكافة التفاصيل للنقطة التى سنهاجمها فى الحرب فتمكنا من رسم ماكيت واقعى لها، ما سهل المهمة، وفى منطقة الملاحات بالقرب من قناة الملح فى منطقة رأس العش تم بناء نقطة شبيهة بنقطة العدو.
ويتابع اللواء بكر: بعدما علمت ساعة الصفر، جمعت الفصيلة وبدأت تذكيرهم بما فعله الإسرائيليون فى الجنود المصريين فى حرب 67 والتمثيل بجثامين الشهداء، فرد أحد الجنود "يا افندم إحنا عاوزين نحارب أنا خلاص زهقت من الكلام"، فقلت للفصيلة "التوقيتات وصلت وهنبدأ الحرب والهجوم على العدو"، وبدأت فى تأكيد المهام الخاصة بكل مقاتل للتذكرة، مؤكدًا أن هناك بعض المستدعين لن يكون لهم مهام، فوجدتهم يحيطون بى قائلين "يا افندم إحنا عاوزين نحارب ويكون لنا دور"، فقلت لهم أمامكم جميعًا ربع ساعة فقط من 1:30 ظهرًا إلى 1:45 ظهرًا، للاستعداد وتجهيز أنفسكم والتأكد من تمام الأسلحة.
وعن البطولات فى الحرب يقول: بدأت الدقاقات الدخول لفتح الثغرات فتم تدميرها بعدها تم تدمير معدات المهندسين أثناء محاولة فتح الثغرات أيضًا، السرية التى أمامنا وقفت لعدم فتح الثغرات، فقالوا لنا السرية الخلفية تقدموا لتنفيذ المهمة، ففوجئت بالقائد أمام الثغرة الخاصة بنا، بعدها جاء الرائد على الجمل، رئيس عمليات الكتيبة، لفتح الثغرة وقال له قائد السرية "الثغرات لم تفتح بعد" فرد عليه "سنفتحها بأجسادنا"، فقال له "يعنى انت هتدوس على اللغم" فرد عليه قائلا "أدوس على اللغم وأموت بس ميتقلش علينا جبناء" لم يكمل الجملة حتى أتت له طلقة من العدو فسقط شهيدًا، بعد ذلك قمت بسحب القوات بناء على تعليمات القيادة إلى رأس العش مرة أخرى لتلقى مهمات جديدة، وبعدما نجحت قوات العبور فى مهمتها فتحنا الثغرات ونجحنا فى مهمتنا بعد إصابة قائد السرية ونقله إلى المستشفى.
بطل آخر من أبطال حرب أكتوبر هو اللواء فايز عبدالعزيز، من أبناء محافظة الدقهلية، وقائد سرية صواريخ حرارية فى كتيبة ضمن الفرقة 7 مشاة، يقول: أول اشتراك لى فى الحرب فعليًا مع غارات العمق الإسرائيلية، كانت أول غارة فى دهشور على قيادة الفرقة السادسة مشاة وعلى كتيبة الدفاع الجوى الخاصة باللواء 95، وكانت أول غارة بطائرات الفانتوم على العمق المصرى فى يوم 7 يناير 1970، وفى بداية شهر مارس بدأنا الإعداد لدخول الجبهة بالصواريخ، حيث كان أول احتلال لنا على خط موازى لمدينة العبور الآن، وكل فترة كنا نقوم بوثبة واحتلال منطقة جديدة، حتى يوم 28 يونيه، كنا فى جنوب التل الكبير فى وادى الملاك، فحدث علينا هجوم كبير من الطائرات الإسرائيلية ودمرنا 8 طائرات وحصيلة أسبوع واحد فقط تدمير 18 طائرة للعدو الإسرائيلى، وبدأت إسرائيل تسعى مع أمريكا لوقف إطلاق النار، لأن حرب الاستنزاف ليست فى صالح إسرائيل فوافقت الإدارة السياسية وقتها على مبادرة روجرز وزير خارجية أمريكا.
وفى يوم السادس من أكتوبر، جاءت تعليمات بإصدار أوامر للجنود بالإفطار، فجمعت الجنود وأمسكت بالزمزمية فى يدى وشربت وقلت إن هناك أوامر بالإفطار، وقمت بإعطائها لفوزى أبوشادى أحد الجنود المقربين لى وقلت له "اشرب يا أبوشادى" فرد قائلا "بعد إذنك يا افندم أنا مش هافطر أنا هموت صائم"، ومرت على جميع الجنود الذين رفضوا تمامًا الإفطار حتى وصلت إلى أحد الجنود المسيحيين فقلت له افطر، فرد قائلاً "اشمعنى أنا اللى هافطر علشان أنا مسيحى؟، أنا مش هافطر وهاموت صايم" الجميع كان عايش حلم الحرب والاستشهاد فى سبيل الله والوطن، ولم يتخيل أحد سرعة العبور، هناك بعض الأشخاص كانوا يحملون صواريخ يقترب وزنها من 40 كيلو جرامًا بخلاف "الشًّدَّة" الخاصة بهم والتى تقارب نفس الوزن، وكانوا يصعدون دون تعب أو مبالاة، بحمد الله وتوفيقه استطعت تدمير 4 طائرات وإصابة عدد كبير والقطاع فى الفرقة 19 استطاع تدمير 58 طائرة للعدو، ولن أنسى يوم صدرت أوامر بإخراج الدفعتين القدامى حصلت مشاكل كبيرة جدًا، ورفضوا مغادرة المعسكر، فأكد لهم القادة إنهم سيحاربون ببنادقهم وبنفس أرقامهم وإنهم سيتم استدعاؤهم فى الحرب.
وأضاف: كان هناك مقاتل احتياط تحت قيادتى لم يكن فى الخطة أن يعبر معنا، فقال لى عندما علمنا ساعة الصفر وأكدنا على الخطة "أريد أن أعبر معك يا افندم" فرديت عليه بأنه غير جائز خاصة وأن القارب مجهز لـ12 فردًا فقط، فقال "سأقوم بتوصيلكم حتى القناة"، وعند العبور قلت له "مهمتك انتهت، ستظل هنا مكانك وليس لديك دور معى"، فقال "أنا مصرى زى حضرتك وإن شاء الله هاموت فى الحرب وأنا هاعدى وأنا بـ أستأذنك للعبور فقط، وحضرتك لن تتحمل أى شيء خاصًا بى، أنا هنا من 11 سنة لكى أقوم بالعبور" وبعدما عبرت أنا والجنود وجدته فى الجهة الأخرى، وقال "أنا عبرت مع أحد اللانشات الخاصة بشد الكبارى على إنى جندى معهم"، وبعد أقل من 3 دقائق استشهد، لن تجد جنديًا فى العالم يقدم على تفجير نفسه أو الهجوم على العدو بنفس شجاعة المصرى، رائد فى النقطة 46 قام بالدخول على مدفع وأخذ الطلقة فى بطنه لكى نتمكن من اقتحام هذه النقطة الإسرائيلية لأنها كانت محصنة تحصينًا قويًا وكان عمله البطولى مفتاح هذه المنطقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق