معنى حرية في معجم المعاني الجامع -
حُرّيّة: ( اسم )
الجمع : حُرِّيَّات
الحُرِّيَة : الخلُوص من الشَّوائب أَو الرقّ أَو اللُّؤْم
مصدر حرَّ
الحُرِّيَة : حالة يكون عليها الكائن الحيّ الذي لا يخضع لقهر أو قيد أو غلبة ويتصرّف طبقًا لإرادته وطبيعته ، خلاف عبوديّة
بحرِّيَّة : بلا تكلُّف وبلا احتراس ،
حُرِّيَّة الاتّجاه الفكريّ : حُرِّيَّة التَّعليم أو طلب العلم أو مناقشة بصراحة دون قيود أو تدخُّل ،
حُرِّيَّة الكلام : القدرة على التّصرُّف بملء الإرادة والاختيار
الحُرِّيَة : مذهب سياسيّ يقرّر وجوب استقلال السُّلطة التَّشريعيّة والسُّلطة القضائيّة عن السُّلطة التَّنفيذيّة ويعترف للمواطنين بضروب مختلفة من الضَّمان تحميهم من تعسُّف الحكومات ، نقيض مذهب الاستبداد بالسُّلطة
حُرِّيَّات مدنيَّة : حقوق فرديَّة أساسية منها حريَّة التّعبير ، وحريَّة الدين ، يقوم القانون بحمايتها ضدّ تدخلات غير مسموحة سواء حكوميَّة أو غيرها
( الاقتصاد ) مذهب اقتصاديّ يرمي إلى إعفاء التّجارة الدَّوليّة من القيود والرُّسوم حُرِّيَّة اقتصاديَّة
الحُرِّيَة : حالة مَنْ لا يحكمه اللاّشعور أو الدوافع النفسيّة أو الجنون أو عدم الشعور بالمسئوليّة القانونيّة أو الأخلاقيّة ، فهي حالة الإنسان الواعي الذي يفعل الخير أو الشرّ وهو يعلم ماذا يريد أن يفعل ، ولماذا يريد ذلك ، مع وجود أسباب انتهى إليها تفكيره
حُرِّيَّة البحار : الميثاق الذي ينصُّ على أن السُّفن من شتَّى الجنسيّات لها حقُّ العبور في المياة الدّولية دون إعاقة
الحُرِّيَة ( في الاقتصاد ) : مذهبٌ اقتِصاديّ يرمي إِلى إِعفاء التجارة الدوليَّة من القيود والرُّسوم
حُرّية: ( اسم )
الحُرِّيَة كَوْنُ الشَّعْب أَو الرِّجُلِ حُرَّا
حَرِيَّة: ( اسم )
حَرِيَّة : مؤنت حَريّ
حُرِّيَّة: ( اسم )
حُرِّيَّة : مصدر حرّ
حَريّ: ( اسم )
الجمع : حَرِيّون و أحرياءُ ، المؤنث : حَرِيَّة ، و الجمع للمؤنث : حَرِيّات و حَرَايا
حَريّ : حرٍ ، جدير ، خليق ، حقيق
بِالحَرِيِّ : مِنْ بَابٍ أوْلَى
حرّ: ( فعل )
حرّ حَرِرْتُ ، يَحَرّ ، احْرَر / حَرّ ، حُرِّيَّةً ، حَرارًا ، فهو حُرّ
حرَّ الرَّجُلُ : كان حُرَّ الأصْلِ غير مُقيَّد ، لا يُباع ولا يُشْتَرى { الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ }
أنت حرّ ما لم تضُرّ : اصنع ما شئت ما دمت لا تتجاوز حدود اللِّياقة
حرَّ العبدُ : صار حُرًّا طليقًا غيرَ مُقَيَّد ، خلص من الرّقّ
حَرّ: ( اسم )
حَرّ : مصدر حرَّ
حَر: ( اسم )
حَر : مصدر حرا
حَري: ( اسم )
حَري : فاعل من حرا
الآخلاق
مفهوم الحرية في الفكر الإسلامي:
للحرية في كلِّ فلسفة مفهوم، ولها في الفكر الإسلامي أرقى مفهوم وأعمق مضمون، فالحرية بمعناها الشامل القائم على حماية حريات الآخرين في مفهوم الشريعة الإسلامية هي القدرة على عمل كلّ شيء دون إضرار بالغير.
والحرية حريات:
حرية ضد الرق، فلا يكون الإنسان مسترقاً أو مملوكاً لغيره، ولا تكون الأُمّة محتلة أو مستعبدة بل تملك حريتها، وحرية في حقِّ الدفاع عن النفس أمام القضاء، وحرية الرأي، هي التفكير والحكم على الأشياء.
وما يراه البعض لمعنى الحرية من عدم استغلال الإنسان للإنسان، هو جانب من جوانب مفهوم الحرية في الإسلام، ولكنها ليست الحرية كلها، وما أطلقه البعض من أنّ الحرية تكون بغير حدود، لا يقبله الفكر الإسلامي لأنّ ذلك دعوة لتحطيم قيم المجتمع التي تحميها الحرية.
والتوحيد في مفهوم الإسلام ما هو إلا أعلى مفاهيم الحرية، حيث تتحرر النفس البشرية والعقل الإنساني من القيود الوثنية وعبادة الفرد والعبودية لغير الله. إذن فالحرية في الإسلام هي ضد العبودية، وضد الرق والوثنية والظلم، وهي حرية الفرد والمجتمع على حد سواء، فلا حرية للفرد على حساب المجتمع، ولا حرية للمجتمع على حساب الفرد، فهي حرية الفكر المنطلق إلى طريق الحقّ وإلى الإبداع والتجديد والاجتهاد. ويأتي مفهوم الحرية في الفكر الإسلامي منطلقاً من أنّ الإسلام أشار للتحرر الفرد من كلِّ خوف وإعلاء عن كلِّ شرك، فجاء الإسلام ليحرر الناس من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، فكان تحطيم للشرك والإلحاد، وسراج منير لسبل التحرر الإنساني من ذل الرق والعبودية، فأوّل ما يثير إليه حرية الإنسان في اعتقاده ما يشاء، ويؤمن بما أراد دون جبر أو اكراه. ومع ذلك لم يتركه يتخبط ويضل، بل حباه بما أكرمه الله به من إنارة الطريق له، وبيان سبل الرشاد وطريق الشرك، ليفكر ويحكم عقله، ثمّ يختار أي طريق يسلك. قال تعالى:
(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (الإنسان/ 3).
وما تضمنته الشريعة الإسلامية من أحكام يعد من أعظم صور ممارسة الحرية، فهي في الإسلام مكفولة ما دامت لا تحضن على الشر أو تنشر الشرك والإلحاد، وما دامت تحقق السلام والأمان للجميع والصالح العام بين أفراد المجتمع الواحد.
وقد استند الإسلام في تقريره للحريات على نصوص خالدة، وأحكام شاملة صالحة لكلِّ زمان ومكان، فلا تخضع هذه النصوص والأحكام لهوى، ولا تتغير بقانون، وهذه هي أحكام ضمانات الحرية التي تضمنتها آيات القرآن وأشار إليها الرسول (ص). واتجه علماء الأصول والفقه الإسلامي إلى تقسيم الحرية إلى عامة وشخصية واجتماعية، وهذا التقسيم جاء من خلال تقدير أصول الحياة في المجتمع وإمكانياته، وحقوق الفرد وتحقيق ذاته.
والحرية بعد هذا هي العنوان البارزة للعدالة والإخاء والمساواة التي تربط أجزاء المجتمع بأوثق الروابط من محبة وألفة وتعاون.
لفظ الحرية في القرآن: المتتبع للقرآن الكريم يرى أنّ لفظ (الحرية) لم يرد على الإطلاق، وإنما ورد لفظ (الحر) مرة واحدة في سورة البقرة، وليدل على وضع اجتماعي معيّن، وليس على وضع نفس أو على ما يدل عليه لفظ الحرية في حياتنا المعاصرة، وذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ...) (البقرة/ 178). قال الطبري في تفسيره للآية الكريمة إنّ الآية نزلت في قوم كانوا إذا قتل الرجل منهم عبدُ من قوم آخرين، لم يرضوا من قتيلهم بدم قاتله من أجل انّه عبد حتى يقتلوا به سيده، وإذا قتلت المرأة من غيرهم رجلاً لم يرضوا من دم صاحبهم بالمرأة القاتلة، حتى يقتلوا رجلاً من رهط المرأة وعشيرتها .
كذلك ورد لفظ (التحرير) ثلاث مرات إلا أنّه لا يأتي مطلقاً بل يأتي مرتبطاً (.. وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ...) (النساء/ 92). بمعنى عتق نفس بشرية، كذلك ورد اسم المفعول من الفعل (حرر) مرة في قوله تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (آل عمران/ 35)..
وقد ورد في تفسير لفظ (محرراً) بمعنى خالصاً لخدمتك وعبادتك، وكذلك ورد خالصاً لربها محرراً من كلِّ قيد، ومن كلِّ شرك، ومن كلِّ حقّ لأحد غير الله سبحانه.
ومما سبق ذكره يتضح أن كلمة الحرية في القرآن لم ترد مثل كلمة العدل والمساواة، وإنما جاءت بدلاً من العبودية لله.
مفهوم الحرية
الحرية من أهم المفاهيم المطروحة للنقاش سواء على المستوى الأخلاقي ام المستوى الإجتماعي أو الإقتصادي أو السياسي وهي مطلب ينشده كل إنسان وقد تطور هذا المفهوم واتسع مع تطور الإنسان . فما هي الدلالات التي يكتسيها هذا المفهوم؟
الدلالات:
الدلالة العربية جاء في لسان العرب:" قال ابن الأَعرابي: حَرَّ يَحَرُّ حَراراً إِذا عَتَقَ ،والحُرُّ، بالضم: نقيض العبد، والجمع أَحْرَارٌ وحِرارٌ؛ ،والحُرَّة: نقيض الأَمة، وتحريرالولد: أَن يفرده لطاعة الله عز وجل وخدمة المسجد . وحرية العرب: أَشرافهم؛هو من حُرية قومه أَي من خالصهموحُرُّ الفاكهةِ: خِيارُها."
في الفرنسية : الحرية هي القدرة على القيام بالفعل دون إكراه.
في الفلسفة:الإنسان الحر هو الذي ليس عبدا ولا سجينا ، والذي يفعل ما يشاء وليس ما يريده غيره ، وتشير إلى حالة الكائن الذي لا يعاني إكراها الذي يتصرف وفقا لمشيئته وطبيعته. الحرية السياسية تتمثل في غياب إكراه اجتماعي على الفرد حيث يكون المرء حرا في ان يفعل كل ما لا يمنعه القانون وحرا في ان يرفض كل ما لا يأمره بفعله ، مثل حرية التفكير والتعبير والنشر. فالحرية السياسية تتمثل في الحقوق المعترف بها للفرد هذه الحقوق التي تحد من سلطة الحكومة.
من هنا يمكن التساؤل وطرح الإشكالات التالية:
ما المقصود بالحرية؟ومن أين تستمد مشروعيتها هل من الإرادة الداخلية للإنسان ،ام من القوانين والقواعد والمعايير الإجتماعية والتشريعات ؟ وهل الإنسان خاضع للحتمية والضرورة أم انه يتميز بالإرادة والحرية؟ وهل يتصف بالحرية المطلقة أم أن حريته محدودة؟ وما الذي يجعل الحرية مطلب كل إنسان؟
الحرية لدى اليونان ارتبطت بالمدينة وبالحكم الديمقراطي وفي هذا التصور نجد أن الحرية خاصة بالمواطنين اليونانيين الذين يعتبرون أحرار ويتمتعون بحق المشاركة في شؤون المدينة_الدولة،أما العبيد فاعتبروا مجرد آلات أو أدوات في يد أسيادهم ولا يتمتعون بأي حق أو حرية، وكذلك شان الأجانب
هكذا تم التمييز بين الحق في الحرية وبين الحرية كفعل وممارسة فالحق في الحرية يشير الى من له الحق في الحرية فالعبد مثلا انطلاقا من تعريفه ليس له الحق في الحرية بينما يستوي في الحق في الحرية الغني والفقير والقوي والضعيف ( رغم الاختلاف الكبير في الواقع بينهما ) أما الحرية كفعل وممارسة فتعني قدرة الإرادة على ممارسة ما تريد القيام به .
الرواقية ناقشت الحرية في ارتباطها بغرائز الإنسان (ما هو داخلي) وقوانين الطبيعة (ما هو خارجي) وجعلت الحرية هي التخلص من اكراهات الغرائز والرغبات والعيش وفق نظام العقل.
أما في الحضارة الإسلامية فقد عولجت مسالة الحرية في إطار علاقة الفعل الإلهي بالفعل الإنساني حيث ظهرت الفرق الإسلامية التي استفاضت في مناقشات سجالية انقسمت إلى مذاهب متعددة يمكن تقسيمها إلى ثلاثة مواقف هي:
المذهب الجبري : الذي نفى عن الإنسان أي حرية أو إرادة أو قدرة على فعل ما باعتباره لا يختلف عن باقي الأشياء والجمادات فالفاعل الحقيقي والوحيد هو الله.
مذهب حرية الاختيار ( المعتزلة كنموذج) : الذي يرى أن الإنسان يتصف بالإرادة والحرية فكل فعل وقع حسب إرادة الإنسان وعلمه ،وقدرته وفعله ، فهو فاعله على الحقيقةإلى جانب ذلكهناك أفعال أخرى هي تلك الأفعال التي تقع بدون إرادة الإنسان ،أو علمه، أو قدرته ( الأفعال اللاإرادية مثلا المتعلقة بالصفات الجسمية وغيرها) وهي من أفعال الله سبحانه وتعالى.( الإنسان مخير في مجموعة من الأفعال ومسير أو مجبر في أخرى)
مذهب الكسب( الاشاعرة): ترى أن الفاعل الحقيقي هو الله وان الإنسان ليس إلا كاسب لتلك الأفعال بوصفه هم بها ، ويخلق لديه الله القدرة على تلك الأفعال ، وكل ذلك يقع حسب إرادة الله ومشيئته وما أراده الله كان وما لم يرده لم يكن.
هذه المساجلات التي انتهت إلى إحراج نظري ستدفع ابن رشد الى البحث عن حل نظري للإشكالات التي طرحتها والتي انتقدها سواء على مستوى المنهج او التصور الذي دارت حوله، ، فخطأ الفرق الإسلامية لديه يكمن في كونها تدرك مقصود الشرع الحقيقي الذي لم يقصد الفصل بين الجبر والاختيار ولكن قصد الجمع بينهما.
المحور الأول : الحرية والحتمية
الفعل الإنساني بين الحرية والحتمية: ابن رشد:
يبين ابن رشد انه لا يمكن الحديث بالنسبة للإنسان عن حرية مطلقة ولا عن حتمية مطلقة، فالإنسان يتصف بالقدرة على الفعل والإرادة والاختيار،ولكن أفعاله مشروطة أيضا بالقوانين والسنن التي سنها الله في الكون ، وكذلك مشروطة بالأسباب التي هيأها له ومن ضمنها قدراته البدنية .
هكذا يبين ابن رشد ان الله خلق للإنسان القدرة على اكتساب الفعل وعلى الاختيار بين الخير والشر وان هذه القدرة مشروطة بالأسباب التي سخرها الله له ، وبانتفاء العوائق مما يجعل أفعال الإنسان تتسم بالحرية والاختيار من جهة ومرتبطة بالجبر والحتمية من جهة أخرى.
انطلاقا من ذلك فإن الأفعال التي يقوم بها الإنسان ،هي أفعال تتسم بالحرية والإرادة إلا أنها موافقة للقوانين والسنن التي هيأها الله وخلقها والتي لا يمكن لأفعال الإنسان ان تخرج عنها وتتجاوزها ، مما يجعل من الضروري الربط بين حرية إرادة الإنسان وخضوعه للسنن الكونية وإرادة الخالق لهذا الكون . فهناك ارتباط وثيق بين الأفعال والإرادة من جهة والأسباب والسنن ألإلهية الخارجية من جهة ثانية والقدرات الجسمية الداخلية التي خلقها الله له من جهة ثالثة.
الحرية والضرورة: ميرلو بونتي
يقوم النص بضحد ونفي التصور السارتري للحرية المطلقة.حيث ينطلق من قولة سارتر إما أن تكون الحرية كاملة أو لا تكون على الإطلاق ليبرز أن هذه القولة تحتوي على طرفي النقيض أي تصورين متناقضين الأول يتجلى فيما سماه التفكير الموضوعي الذي يقوم على تشييء الإنسان بوصف أفعاله خاضعة للضرورة الخارجية خاصة الضرورات والإكراهات الاجتماعية التي تنفي الحرية لدى الإنسان.
والتصور الثاني هو ما سماه التفكير التحليلي الذي يرجع أفعال الإنسان إلى وعيه الداخلي وإرادته التي تمنحه حرية مطلقة ، ويبدأ بنفي هذا التصور الثاني لكون الإنسان يعيش ومندمج مع العالم ومع الغير بشكل وثيق وهذه الوضعية التي يجد فيها الإنسان نفسه تلغي الحرية المطلقة عند بداية الفعل ونهايته فأفعال الإنسان تنطلق من وضعية ومن مقدمات يجدها أمامه ،وليست من صنعه ،فهي مقدمات سابقة على فعله (ولا يتحكم فيها)إلا انه يستطيع أن يعيش هذا المعطى ويحوله وأن يغير من اتجاه حياته بمحض إرادته، أي بإمكانه أن يقوم عبر سلسلة من التعديلات على ذلك المعطى الأولي من إعطاء معنى لحياته (وهذا نفي للتصور الأول الذي يتحدث عن حتمية مطلقة).
ويبين النص أن كل تفسير لسلوك الإنسان يجب أن يأخذ بالحسبان مجموعة من العوامل تتمثل في ماضي الإنسان وطباعه ووسطه الاجتماعي باعتبارها مجرد لحظات( وليس محددات حتمية لهذا الوجود) من وجوده الكلي، هذا الوجود الذي يمكن للإنسان أن يحدده أو يغير اتجاهه بمحض إرادته.
هكذا يجمع النص بين الإكراهات والمعطيات الأولية أو المقدمات التي لم يصنعها الشخص بنفسه أو بإرادته ، على أساس أنها ليست عوامل حتمية وضرورية بل بوصفها حوادث عرضية ، يمكن للإنسان أن يغير اتجاهها بمحض إرادته. وهذا ما يجعل الإنسان في النهاية بنية سيكولوجية وتاريخية ،معقدة من العلاقات ،التي هي مهمة بالنسبة للإنسان.وهذا ما يبرزه قول ميرلوبونتي "إن المنبع المطلق لوجودي لا يصدر عن مقدماتي ، بل يتجه نحوها ويدعمها"
المحور الثاني :حرية الإرادة.
الإرادة الحرة : كانط:
يرى كانط أن كل الكائنات العاقلة تتميز بالإرادة والحرية للقيام بالقانون الأخلاقي ، وأن خضوعها لهذا القانون هو تعبير عن حريتها وإرادتها.
ويبين انه لا يمكن أن ننسب لأنفسنا – بوصفنا كائنات عاقلة - حرية الإرادة دون أن تشمل هذه الخاصية آو ننسبها أيضا إلى جميع الكائنات العاقلة.
وما دام أن ما يجعلنا نتصف بالأخلاقية ،هو كوننا كائنات عاقلة، وكان لابد لهذه الصفة أن تستمد من خاصية الحرية ،فان حرية الإرادة يجب أن تشمل كل الكائنات العاقلة.
من هنا فكل الكائنات العاقلة(والأخلاقية) لا يمكنها أن تعمل إلا في إطار حرية الإرادة ( فخضوعها للقانون الأخلاقي ، الذي هو قانون عقلي،خاص بالكائنات العاقلة ومن تشريعها) يجعلها كائنات حرة على وجه الحقيقة .
فكل القوانين الأخلاقية هي صالحة للإنسان ، وتجعل إرادته ، حرة بذاتها ،و هذا ما يجعل من الضروري وصف كل كائن عاقل وأخلاقي بان له إرادة وحرية يعمل في إطارها.
الإنسان يتصف بالارادة الحرة ديكارت
يرى ديكارت أن الإنسان كائن يتصف بالإرادة إلى جانب كونه كائن مفكر، هذه الإرادة التي هي ملكة الفعل أو عدم الفعل ،انطلاقا من معرفة مسبقة بالفعل ونتائجه ، مما يجعل الإنسان يختار القيام بالفعل أو الامتناع عنه دون أي خضوع لإكراه خارجي ، وهذا ما يجعل الإنسان كائن مريد ، ويجعل من الإرادة المحدد للحرية الإنسانية ( على الرغم من كون هذه الإرادة ليست مطلقة كما هو الشأن بالنسبة للإرادة أو الحرية الإلاهية)
إرادة الحياة: نيتشه
يرى نيتشه أن ما يميز الإنسان في طبيعته الأصلية هي إرادة الحياة ،هذه الإرادة التي تقوم على الغريزة ،إلا أن هذه الإرادة تم نفيها باسم أخلاقيات المثال الزهدي (المسيحية) ,التي هي في الحقيقة نفي لإنسانية الإنسان ومحاولة لإعطاء معنى متعال على الإنسان وعلى حياته.
فالإنسان - في نظر نيتشه- (في أصله) تحكمه إرادة الحياة وإرادة القوة ، وهذه الإرادة تقوم على الغريزة ،( هذه الحياة التي تم اعتبارها بدون هدف أو معنى). وهذا ما دفع الإنسان إلى التساؤل عن الغرض من وجوده ،و محاولة إعطاء معنى لهذا الوجود ،خارج تلك الحقيقة الواقعية ( إرادة الحياة والغريزة) هكذا ظهرت الأخلاق الزهدية التي حاولت أن تبحث عن هذا المعنى في عالم آخر متعال عن العالم الإنساني الواقعي، وأن تمنح لوجوده هدفا غير ذلك الهدف الواقعي .
وهذا الهدف والمعنى الجديد – بوصفه حل محل عدم وجود المعنى لوجود الإنسان- اعتبر هو الأفضل ، بوصفه دعوة لتجاوز حيوانية الإنسان ، وغرائزه ، والفرار من الواقع الحقيقي للإنسان، بخلق مثل عليا وعالم آخر لا وجود له، وهذا ما يجعل من هذه الأخلاقيات،إرادة للعدم والنفور من الحياة والزهد فيها ، وبذلك فضل الإنسان إرادة العدم على عدم إرادة أي شيء.
المحور الثالث: الحرية والقانون
1-الحرية والقانون: مونتيسكيو:
يبين مونتيسكيو أن الحرية تتحدد أساسا من خلال القوانين الشرعية ، وبالتالي فليست هناك حرية مطلقة لفعل كل ما نريده بل فقط لفعل ما نريده حسب ما تسمح به القوانين و كذلك أن لا نجبر على فعل يخوله لنا القانون.
ولإثبات أطروحته ينطلق من مناقشة اعتقاد يكمن في أن الشعوب الديموقراطية تبدو وكأنها تقوم بكل ما تريده ( تتمتع بحرية مطلقة) ليبرز أن هذا الاعتقاد مناف للواقع لأن الحرية السياسية في جوهرها لا تعني أن يفعل الإنسان كل ما يريده ، بل أن تكون لدى الإنسان القدرة على فعل مايجب( ما هو قانوني) أن يريده وأن لا يجبر على فعل لايجب أنيريده (أن لا يجبر على تلك الأفعال التي يسمح له بها القانون والتي لا يريدها). انطلاقا من ذلك يستخلص النص أن الحرية تعني الحق في القيام بكل ما تسمح به القوانين ،لأنه لو سمح لمواطن ما بفعل ما تمنعه القوانين ، فسيؤدي ذلك إلى تعارض حريته مع حرية الآخرين ( العودة إلى قانون الغاب وحالة الطبيعة حيث لا قيود وبالتالي حرية مطلقة) أي سيؤدي إلى انتفاء الحرية .
إذن فلا يمكن الحديث عن حرية، إلا في إطار الحريات السياسية، أي في تلك الحكومات المعتدلة ، التي لا يوجد فيها شطط في استعمال السلطة، وبما أن الإنسان لو سمح له بذلك لتعسف في سلطته وقهر الآخرين وتسلط عليهم ، فإنه من الضروري وضع القوانين ، هذه القوانين التي هي في حد ذاتها سلطة تحد من السلط الأخرى ( الفصل بين السلطة و الدستور )والحرية التي سيخولها هذا القانون أو الدستور يجب أن لا تلزم الإنسان بفعل مخالف للقانون كما تسمح له بعدم القيام بفعل يخوله له القانون( مثلا أن تسمح له بعدم التصويت في الانتخابات أو الامتناع عنه رغم انه حق يخوله القانون.)
2- الحرية السياسية :
ورأي الشخصي أن الحرية والسياسة متلازمتان ،بحيث لا يمكن تصور الحرية خارج إطار الحياة العمومية والمجال السياسي.
ينطلق النص من إثبات أولي هو أن الحرية بوصفها ممارسة فعلية تجد مجالها وتتحدد في إطار السياسة.
ولإثبات هذه الأطروحة يستخدم النص آلية النقد والضحد أو النفي ،إذ ينفي في البداية وجود ما يمكن أن نسميه بالحرية الداخلية مبرزا أن هذا الاعتقاد في الحقيقة ، ليس إلا نتيجة لذلك الشعور الذي ظهر لدى الإنسان نتيجة للتجربة الواقعية والملموسة أو المعاشة للحرية،أي بوصفها تلك الحرية التي يجد فيها الإنسان نفسه قادرا على التحرك أو التنقل والالتقاء مع غيره ، فنحن لا نعي الحرية أو نقيضها إلا عندما ندخل في إطار العلاقات الإنسانية مع الغير. ولكن هل هذا يعني أن الحرية مرتبطة بشكل آلي ولصيقة بالعلاقات الإنسانية؟
هذا ما ينفيه النص أيضا ، فالحرية ليست لصيقة بكل إشكال العلاقات الإنسانية، فمثلا في أشكال الاجتماع الأولي أو أشكال الاجتماع اللا سياسي مثل الأسرة والقبيلة والمجتمع البدائي ،نجد أن ما يحكم سلوكات الإنسان هي تلبية ضروريات الحياة والحفاظ عليها وليس الحرية.
وينتقل النص إلى القول أن هذا لا يعني أن جميع التجمعات السياسية تضمن الحرية، فالمجتمعات الاستبدادية ، التي تمنع الممارسات العمومية للسياسة وتضيق مجال هذه الممارسات على رعاياها ، لا تتوفر فيها الحرية.
هكذا يستخلص النص النتيجة التالية: إن الحرية لا توجد إلا في إطار الحياة العمومية عندما تكون هذه الحياة العمومية مضمونة ومكفولة سياسيا ، فصحيح أن الرغبة في الحرية أو إرادة الحرية قد تكون كامنة داخل القلوب – حتى في غياب هذه الحياة العمومية - إلا أننا لا يمكن البرهنة على ما هو كامن في ظلمة القلوب لأن ذلك ممتنع عن كل برهنة, من هنا يمكن القول ان الحرية و السياسة مترابطتان ويشكلان وجهان لعملة واحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق