ننشرالترجمة الكاملة للدراسة البحثية لـ السيسي حول الديمقراطية في الشرق الأوسط
مشروع بحث استراتيجي بكلية الحرب في الولايات المتحدة
الديمقراطية في الشرق الأوسط
للعميد عبد الفتاح سعيد السيسي
الجيش المصري
مشرف البحث
العقيد ستيفن جي. جيراس
الآراء التي يعبر عنها الطالب في ورقة البحث الأكاديمية الطلابية تمثل وجهة نظر كاتبها،
ولا تعكس السياسة أو الموقف الرسمي لإدارة الجيش أو إدارة وزارة الدفاع أو حكومة الولايات المتحدة
كلية الحرب للولايات المتحدة
ثكنة كارلايل العسكرية، ولاية بنسلفانيا 17013
صفحة توثيق التقرير
|
رقم استمارة موافقة مكتب الإدارة والميزانية 0704-0188
| ||||
يقدّر وقت مسؤولية كتابة التقرير العام لجمع المعلومات بساعة واحدة لكل رد، بما فيها وقت مراجعة التعليمات والبحث في مصادر البيانات الموجودة وتجميع البيانات المطلوبة والمحافظة عليها وإتمام ومراجعة مجموع المعلومات.يكون إرسال التعليقات المتعلقة بهذا التقدير للمسؤولية أو أي جانب من جوانب جمع المعلومات هذا، بما فيها الاقتراحات الخاصة بتقليل هذه المسؤولية، موجها إلى إدارة مقر الخدمات العسكرية في واشنطن، مجلس إدارة عمليات المعلومات والتقارير، 121 طريق جيفرسون ديفيز السريع، جناح 1204، آرلينجتون في أي 22202-4302. ينبغي على المتلقين إدراك أنه، بغض النظر عن أي إجراءات قانونية أخرى، فإنه يجب ألا يتعرض أي شخص لأي عقوبات جزائية بسبب عدم الامتثال لقانون جمع المعلومات إذا لم يعرض رقم تحكم حديث وساري الصلاحية من مكتب الإدارة والميزانية OMB.
| |||||
1- تاريخ التقرير: 15 مارس 2006
|
2- نوع التقرير
|
3- الفترة التي يغطيها:
00-00-2005
حتى 00-00-2006
|
laceholder;border:none;border-bottom:solid black 1.0pt; mso-border-bottom-themecolor:text1" width="2">
| ||
4- العنوان الرئيسي والفرعي:
الديمقراطية في الشرق الأوسط |
5-أ رقم العقد
5-ب رقم المنحة 5-ج رقم عنصر البرنامج | ||||
6- المؤلف (ـين):
عبد الفتاح السيسي |
5-د رقم المشروع
5-ه رقم الواجب 5-و رقم وحدة العمل |
laceholder;border:none;padding:0cm 0cm 0cm 0cm" width="2">
| |||
7- المنظمة المنفـّذة وعنوانها:
كلية الحرب الأمريكية، ثكنة كارلايل، مدينة كارلايل، بنسلفانيا،17013-5050 |
8- رقم تقرير المنظمة المنفذة
|
laceholder;border:none;padding:0cm 0cm 0cm 0cm" width="2">
| |||
9- أسماء الوكالات الراعية/المراقبة وعناوينها
|
10- اختصار الرعاة/المراقبين
11- أرقام تقارير الرعاة/ المراقبين |
laceholder;border:none;padding:0cm 0cm 0cm 0cm" width="2">
| |||
12- النشر/بيان الإصدار:
النشر مخوّل لوكالات الولايات المتحدة ومنظماتها فقط، للاستخدام الإداري والعملياتي، 15-3-2006، كلية الحرب الأمريكية، ثكنة كارلايل، مدينة كارلايل، بنسلفانيا،17013-5050 |
laceholder;border:none;padding:0cm 0cm 0cm 0cm" width="2">
| ||||
13- ملاحظات إضافية
|
laceholder;border:none;padding:0cm 0cm 0cm 0cm" width="2">
| ||||
14- ملخص
انظر المرفق |
laceholder;border:none;padding:0cm 0cm 0cm 0cm" width="2">
| ||||
15- شروط الموضوع
|
laceholder;border:none;padding:0cm 0cm 0cm 0cm" width="2">
| ||||
16- التصنيف الأمني لـ:
أ- التقرير ب- الملخص ج- هذه الصفحة غـــيـــر مـــصــــنـــف |
17- تحديد الملخص:
1
|
18- عدد الصفحات:
18
|
19- اسم الشخص المسؤول
|
laceholder;border:none;padding:0cm 0cm 0cm 0cm" width="2">
| |
تلخيص
الكاتب: العميد عبد الفتاح سعيد السيسي
العنوان: الديمقراطية في الشرق الأوسط
الصيغة: مشروع بحث استراتيجي
التاريخ: 15 مارس 2006 تعداد الكلمات: 5127 الصفحات: 17
الكلمات الرئيسة: الشرق الأوسط، الديمقراطية، رؤية إستراتيجية
التصنيف: غير مصنّف
تناقش هذه الورقة تأثير التوجّه نحو الديمقراطية في الشرق الأوسط، وستعمل على تقييم الظروف الإستراتيجية والسياسية الجارية في الشرق الأوسط، وستسلط الضوء على التحدّيات والمخاطر والمزايا التي يقدمها تشكيل حكومة ديمقراطية. وستتضمن المجالات التي ستعالجها الورقة النقاط التالية:
* الاختلاف في المنظور بين الثقافتين الشرق الأوسطية والغربية،
* تأثير الفقر وضعف التعليم ومؤثر الدين
* الافتقار للرؤية الإستراتيجية
* الطبيعة النفسية للشعوب والحكومات
* المخاطر المتأصلة للديمقراطيات الجديدة. وستختم الورقة بمعالجة مستقبل الديمقراطية في الشرق الأوسط
العنوان: الديمقراطية في الشرق الأوسط
الصيغة: مشروع بحث استراتيجي
التاريخ: 15 مارس 2006 تعداد الكلمات: 5127 الصفحات: 17
الكلمات الرئيسة: الشرق الأوسط، الديمقراطية، رؤية إستراتيجية
التصنيف: غير مصنّف
تناقش هذه الورقة تأثير التوجّه نحو الديمقراطية في الشرق الأوسط، وستعمل على تقييم الظروف الإستراتيجية والسياسية الجارية في الشرق الأوسط، وستسلط الضوء على التحدّيات والمخاطر والمزايا التي يقدمها تشكيل حكومة ديمقراطية. وستتضمن المجالات التي ستعالجها الورقة النقاط التالية:
* الاختلاف في المنظور بين الثقافتين الشرق الأوسطية والغربية،
* تأثير الفقر وضعف التعليم ومؤثر الدين
* الافتقار للرؤية الإستراتيجية
* الطبيعة النفسية للشعوب والحكومات
* المخاطر المتأصلة للديمقراطيات الجديدة. وستختم الورقة بمعالجة مستقبل الديمقراطية في الشرق الأوسط
الديمقراطية في الشرق الأوسط
تُعتبر منطقة الشرق الأوسط إحدى أكثر المناطق أهمية في العالم، وهي موطن ميلاد الديانات العظمى بما فيها ديانات الإسلام والمسيحية واليهودية. ويتضح للعيان تأثير الطبيعة الدينية على البيئة المحيطة في ثقافة شعوب الشرق الأوسط، وهو من أهم العوامل المؤثّرة على السياسة بالمنطقة. ولا بدّ على المرء أن يأخذ في الحسبان الطبيعة الدينية للشعوب عندما يقود مفاوضات دبلوماسية ويؤسّس لسياسة معينة، وذلك بسبب طبيعة ثقافة الشرق الأوسط. أما على الصعيد الاقتصادي، فقد رُزقت هذه المنطقة بكميات هائلة من النفط واحتياطيات الغاز الطبيعي التي تزوّد معظم احتياجات العالم من الطاقة، ولذلك، تحافظ القوى العظمى على اهتمامها الشديد بالمنطقة، وتعمل على التأثير والهيمنة عليها لكي تستحوذ على بقاء مقومات الطاقة اللازمة لاقتصاديات بلدانها[1]. فتعرّض الشرق الأوسط نتيجة لذلك إلى ضغوطات متواصلة لإرضاء مشاريع العديد من الدول وغاياتها، وهو ما قد لا يلبي احتياجات شعوب الشرق الأوسط ورغباته. أضف إلى ذلك، أنه من الناحية الجغرافية وحسب المنظور العالمي، يُعتبر الشرق الأوسط منطقة إستراتيجية بسبب وجود قناة السويس ومضيقي هرمز وباب المندب، وتتّصف هذه المواقع بالأهمية القصوى لخطوط الشحن التجاري وتتّسم بالحيوية لتلبية أي اعتبارات عسكرية. ويخلق التزاوج بين الطبيعيتين الإستراتيجية والدينية للمنطقة جوًّا عامًا يمنع من تحدّيات إقامة أي ديمقراطية في أرجاء المنطقة على المدى القصير.ومما يزيد من تعقيد عملية تطوّر الديمقراطية مسألة الصراع العربي الإسرائيلي. إن الصراع لا ينحصر بكونه صراعًا فلسطينيًا إسرائيليًا، بل هو صراع يؤثّر على جميع العرب في الشرق الأوسط. فحقيقة أن وجود إسرائيل في المنطقة يعكس المصالح الغربية هو ما يثير الشكوك بين العرب حول طبيعة الديمقراطية[2].وسيعمل هذا بالمقابل على إبطاء نشوء الديمقراطية في الشرق الأوسط، وقد يسوّغ ذلك ظهور نوع من الديمقراطية تعكس حقيقة مصالح المنطقة وربما لا تحمل سوى قليل من عناصر التشابه مع الديمقراطية الغربية[3].على الرغم من أن الشرق الأوسط في إطار التحوّل نحو حكومات ذات صيغة ديمقراطية، إلا إن بقايا الأنظمة المستبدّة وذات الحكم الفردي لا تزال هي السائدة. وتكتنف ظروف تنامي الديمقراطية توتّرات وضغوطات ظاهرة نتيجة لحالة الشدّ الموجودة –فعلاً- في الشرق الأوسط بسبب الصراعات الجارية في كل من العراق وأفغانستان وكذلك الصراع مع إسرائيل. وهناك حاجة ملحة لتسوية التوترات السائدة قبل تحقّق قبول الديمقراطية كليًّا من شعوب المنطقة.يدّعي العديد من القادة ممن يتمتعون بالحكم الفردي بأنهم يثنون، ظاهريًا، على المُثل والحُكم الديمقراطي، إلا إنهم في الواقع حذرين من التخلي عن السيطرة التي يمتلكونها للتصويت الشعبي في أنظمتهم[4].وثمّة أسباب وجيهة لهذا منها أولاً، إن العديد من الأقطار لا تتمتع بالتنظيم الذي يؤهلها لتعزيز حكم ديمقراطي[5]. وثانيًا، وهو ما يشكّل أهمية أكبر، أن هنالك مخاوف أمنية داخلية وخارجية بهذه الأقطار. وبما أن العديد من القوات الأمنية والجيوش مخلصة للأحزاب الحاكمة في أقطارها فإنه لا ضامن أن قوات الشرطة والجيش ستتعاون مع الأحزاب الحاكمة الجديدة، إذا ما تبلورت ديمقراطيات بدوائر انتخابية مختلفة. ويتعيّن أساسًا على القوات الأمنية للدولة تكوين ثقافة تثبت الالتزام التام نحو الدولة لا الحزب الحاكم. وعلاوة على ذلك، يتعيّن تهيئة وإعداد الجماهير التي تعيش في ظل النظام لتحقيق دور مشترك في الحكم الديمقراطي.وتتطلب هذه العملية زمنًا لتثقيف الناس بها كما تحتاج إلى تطوير العملية الديمقراطية ذاتها لكي تمكّنها من اكتساب عنصر الاجتذاب.لقد ظلت أمريكا هي القوة الدافعة في الشرق الأوسط، لاسيّما عندما يتعلق الأمر بدعم مصالحها القومية. وقد دعمت أمريكا، في سعيها لتحقيق ذلك، أنظمة غير ديمقراطية وبعض الأنظمة التي لا تتمتع بالاحترام بالضرورة في الشرق الأوسط، مثل أنظمة الدول الخليجية، كالمملكة العربية السعودية، ونظام صدام حسين في بداياته، والمغرب، والجزائر، وغيرها. فيشكّك الكثيرون نتيجة لهذا بدوافع الولايات المتحدة ورغبتها في إقامة الديمقراطية في الوقت الراهن. فهل التحوّل نحو الديمقراطية يصبّ في حقيقته لصالح الولايات المتحدة، أم هو لصالح دول الشرق الأوسط؟ إن التطوّر الديمقراطي في الشرق الأوسط لن يتحقق بسهولة إذا ما نُظر إلى مبادرة الديمقراطية كتحرّك من قبل الولايات المتحدة لتكريس مصالحها الخاصة. ثم أن هنالك قلقًا من أن الحرب العالمية ضد الإرهاب ليست سوى قناع لإقامة ديمقراطية غربية في الشرق الأوسط[6].فلكي تنجح الديمقراطية في المنطقة لا بدّ أن تعكس مصالح الشرق الأوسط وليس مصالح الولايات المتحدة فقط. ولا بدّ أن يُنظر للديمقراطية كعامل مفيد لشعوب الشرق الأوسط من خلال احترام الطبيعة الدينية للثقافة السائدة، بالإضافة إلى تحسين ظروف معيشة رجل الشارع العادي.إن نموذج كيفية نشوء الديمقراطية في العراق لهو من الأمثلة القياسية الأساسية لاختبار تطبيق الديمقراطية في الشرق الأوسط. فهل ستسمح أمريكا للعراق بالتطور حسب أسلوبها الخاص بها، أم إنها ستعمل على تشكيل ديمقراطية بصيغة موالية للغرب أو بنظام حليف له؟ على سبيل المثال، من المرجّح بروز الجماعات الإسلامية (الإخوان المسلمون، الشيعة، أو غيرهم) في مختلف دول الشرق الأوسط بوصفهم مجموعات تسعى إلى الحكم من خلال الحكومات الديمقراطية المنتخبة. فإذا نُظر إلى العراق باعتباره دمية بيد أمريكا، فإن الدول الأخرى قد لا تشعر بالجاذبية نحو التوجّه إلى الديمقراطية، وإن فعلت ذلك، فهل أمريكا مستعدة لقبول ديمقراطيات شرق أوسطية بحسب الطبيعة الخاصة بها والتي قد تتوافق أو لا تتوافق مع المصالح الغربية، لاسيما في السنوات الأولى من عمر الديمقراطية في الشرق الأوسط؟
إن رغبات شعوب بلدان (المنطقة) ومتطلباتها يتعين أخذها بعين الاعتبار. فهل يحتاجون للديمقراطية وهل هم مستعدون لتغيير أساليب حياتهم من أجل إقامتها وتفعيلها؟ إن تغيير الثقافة السياسية دائمًا ما يتسم بالصعوبة. فأن يقال إن الديمقراطية هي الصيغة المفضلة لنظام الحكم هو أمر يختلف تماما عن التأقلم مع متطلباتها وقبول خوض المخاطر الناجمة عنها. فعلى سبيل المثال، أظهر التاريخ أن السنوات العشر الأولى من الديمقراطية الجديدة غالبًا ما يحدث خلالها صراعات داخلية أو خارجية إلى أن تنضج هذه الديمقراطية الجديدة[7]. ولا بدّ على الشعوب التي تعيش في ظل هذه الديمقراطيات الجديدة أن يلتزموا بالمُثل الديمقراطية ولا بد أن يستعدوا للتغلب على التحدّيات ومعالجتها.إن تغيير الأنظمة السياسية من الحكم الفردي إلى الديمقراطي لن يكون كافيًا ببساطة لبناء ديمقراطية جديدة، لأن الأنظمة الاقتصادية والدينية والتعليمية والإعلامية والأمنية والقانونية بالدولة ستتأثر جميعًا. ونتيجة لذلك، سيتطلب الأمر زمنًا للشعوب ومؤسسات بلدانها لكي تتأقلم مع صيغة الحكم الجديدة ونظام السوق الحرة الذي سيتكوّن نتيجة لذلك. وسيتعيّن على الدول الديمقراطية الموجودة أن تقدم الدعم وأن تتحلى بالصبر مع الديمقراطيات الجديدة الناشئة. وحسب رأيي، فإن الديمقراطية تحتاج إلى بيئة صالحة، كالوضع الاقتصادي المعقول والشعب المتعلم وإلى فهم معتدل للقضايا الدينية بالنهاية (الإقرار المحدود توافق عليه الأنظمة للمشاركة بالسلطة). وبالنظر إلى أن البلدان شرق الأوسطية تمتلك قاعدة دينية قوية، فمن المهم على كبار الزعماء الدينيين أن يعملوا على إقناع شعوب المنطقة أن الديمقراطية مناسبة للبلد ولا تتناقض مع القيم الإسلامية المعتدلة. ويمكن لهذا النوع من الدعم القادم من الزعماء الدينيين أن يوفر دعمًا قويًا لإقامة أنظمة ديمقراطية، والتغيير المصاحب لعملية التحوّل نحوها.فلا يمكن للمرء أن يتوقع للشرق الأوسط الانتقال بسرعة إلى أنظمة حكم ديمقراطية نظرًا لعملية التغيير المطلوبة ومتطلبات الزمن المصاحبة. وثمّة قلق في الشرق الأوسط من أن أمريكا متعجّلة "بدمقرطة" المنطقة بناء على تصرفاتها العدوانية في العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى إستراتيجيتها المبنية على الإجراءات الوقائية إذا اختارت فعل ذلك[8]. أما التحرك بهذا الاتجاه بسرعة فقد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة، حيث إن الدوافع الأمريكية قد تُعتبر من التحركات الأنانية ولا تحترم أسلوب الحياة الذي يتميّز به الشرق الأوسط. ومن المهم أن تسير بلدان الشرق الأوسط نحو الديمقراطية بأسلوب منطقي ومستقر ومحكم الضبط وينفّذ حسب ظروف بلدان الشرق الأوسط. إلا إنه يتعيّن على الديمقراطيات الغربية تقديم المساندة من خلال توفير الدعم الاقتصادي والتعليمي والتقني للمساعدة بتعزيز عملية التطوّر والتغيير.
مفهوم الديمقراطية من المنظور الإسلامي:
قبل المضي قدمًا في البحث، من المهم الحصول على فهم لكيفية النظر للديمقراطية بعيون الناس العاديين في الشرق الأوسط. إن الديمقراطية كونها تحتوي على مضمون علماني، فمن غير المرجح أن تلاقي قبولاً من قبل الأغلبية العظمى في الشرق الأوسط الذين يتمسكون بالعقيدة الإسلامية[9]. ويسود توتّر تقليدي في البلدان الإسلامية بما يخصّ إقامة نظام حكم ديمقراطي[10]. فيظهر من جهة من يعتقد بإمكانية التوفيق بين الحكم الديمقراطي والطبيعة الدينية لمجتمعات الشرق الأوسط. إلا إنه، من الجهة الأخرى يوجد هناك من يعتقد أن الثقافة القبلية السائدة في بلدان الشرق الأوسط قد لا تتلاءم مع الحكم الديمقراطي حيث ستظهر الكثير من الأحزاب والفصائل بشكل مبالغ فيه. وسينجم عن ذلك مجتمع "مفكّك" غير قابل للتوحّد بفعالية، وتبرز كذلك خطورة هذا الوضع الذي قد يؤثّر سلبًا على التماسك الذي كوّنته العقيدة الإسلامية.وعلى الرغم من وجود هذه المخاوف، فإن روح الديمقراطية، أو الحكم الذاتي، يُنظر لها بأغلب الأوقات كمسعى إيجابيّ طالما أنه يعمل على بناء البلاد ويحافظ على القواعد الدينية ولا يهمّش من قيمة الدين أو يؤدي إلى عدم الاستقرار[11]. ويمثّل تكوين هذا التوازن تحديًا أكبر، مثلما حاولت معظم الديمقراطيات الغربية تكريس انفصال الكنيسة عن الدولة. وما تشير إليه هذه الصورة هو أنه ليس من الضرورة أن تتطوّر الديمقراطية النامية في الشرق الأوسط لتصبح كالنموذج الغربي، بل ستحوز على شكلها الخاص بها مصحوبة بروابط أقوى دينيًا.من غير الممكن فهم الديمقراطية في الشرق الأوسط دون استيعاب لمفهوم الخلافة. يعود أصل الخلافة إلى زمن الرسول محمد[12]، فخلال فترة حياته والسبعين عاما التي تلتها تحققت دولة الخلافة المثالية كأسلوب حياة يعيشه الناس ضمن الهيئات الحاكمة. وتُعتبر هذه الحقبة الزمنية فترة مميزة وينظر لها على أنها الصيغة المثُلى للحكم، ويقرّ المسلمون على نطاق واسع أنها الهدف من أي صيغة حكم جديدة، كما هو حال مسعى الولايات المتحدة لتحقيق مُثل "الحياة والحرية والبحث عن السعادة". أما المنظور السائد في الشرق الأوسط، فيتمثل من خلاله الكلمات الدالة على مفهومهم للديمقراطية ألا وهو الذي يعكس معاني "الحق والعدل والمساواة والوحدة والخير".[13]
إن تحقيق النموذج المثالي لطالما يمثّل أقصى تطلعات المجتمع شرق الأوسطي. إلا إنه عقب وفاة محمد وتأثيره الكامن، بدأت الحكومة الممثّلة بنظام الخلافة بالانحراف عن النموذج المثالي الذي تبنّاه الرسول محمد. وأخذ زعماء الخلافة ينظرون إلى مصالحهم الذاتية واستغلال السلطة للاستمتاع بملذاتها بدلاً من توجيهها لخير رعاياهم. وحاول من يعتلي السلطة أن يؤمّنها عبر توارث الهيمنة على القيادة في أفراد العائلة، عوضًا عن اختيار أكفأ القيادات الذين تقررهم هيئة البيعة التي تمثل الخلافة.[14] فنتيجة لذلك، برز على السطح عدم الرضا عن كيفية تنفيذ عملية الخلافة وحُرم العديد من أفراد العائلات الحاكمة من حقوقهم واختاروا صياغة مفاهيمهم الخاصة للخلافة، مما أدى لظهور الفصائل القبلية والعرقية المتناحرة ضمن ما كان يشكّل نسيجًا إسلاميًا موحدًا قبل ذلك.[15] وبما إننا نكوّن النسيج الإسلامي في الشرق الأوسط حاليًا، فإننا لا نزال نرى التنابذ الذي ظهر منذ الانقسامات ببدايات المجتمع الإسلامي حيث تتواجد الفصائل القبلية والعرقية المتعددة. ونظرًا لهذه الحالة السائدة، يصبح تحدّي إعادة توحيد الفصائل القبلية والعرقية لتقوم قائمة الخلافة من جديد إحدى أكثر التحدّيات صعوبة للتحقيق.يرتبط بالخلافة أدوار عمليتي البيعة والشورى، وقد نُفّذت كلتا هاتان العمليتان في السنوات الأولى من الدين الإسلامي، ولذلك تعتبران من العمليات الهامة والمحترمة.[16] فالبيعة هي عملية انتخابية لاختيار الخليفة، بينما الشورى هي هيئة استشارية ورقابية للخليفة أو الخلافة. وتؤدي الشورى دورها من خلال وجهة نظر دينية، حيث تضمن أن الخليفة يقوم بواجباته طبقًا للتعاليم الإسلامية. ورغم أن هاتين العمليتين مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا بالتاريخ الديني، إلا إنهما يمثلان الإجراءات التي من الممكن أن تنشأ الديمقراطية من خلالها.نظرًا إلى الطبيعة الدينية لثقافة الشرق الأوسط، ثمة تساؤل يطرح نفسه عن ماهية التركيبة المحتملة للديمقراطية. فهل سيكون هناك ثلاثة أو أربعة أفرع للحكومة؟ وهل يتوجّب إضافة الجهاز الديني للأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية لضمان إتّباع المعتقدات الإسلامية؟ قد تكون الإجابة نعم، لكن قد لا يكون هذا من أفضل الوسائل. فالأمثل هنا هو ضرورة أن تأخذ الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية جميعا بعين الاعتبار المعتقدات الإسلامية عند تنفيذ واجباتها. بالتالي، لا ضرورة لوجود جهاز ديني منفصل. إلا إنه لكي ينجح تنظيم المبادئ الإسلامية الأساسية فلا بدّ أن تنصَّ عليها في الدستور أو في أي وثيقة مماثلة. ولا يعني هذا إقامة نظام ديني (ثيوقراطي)، بل يعني تأسيس ديمقراطية قائمة على المعتقدات الإسلامية.وعندما يتأمل المرء الديمقراطية في الشرق الأوسط، فإن أهم ما يتبادر إلى الذهن هو ظهور الديمقراطية ذاتها إلى النور. وهي قد لا تتشابه والديمقراطية الغربية شكلا أو نوعًا، ولكنها ستكون بداية الطريق. ويؤيّد معظم أبناء الشرق الأوسط بشكل عام روح الديمقراطية وسيظل يدعمها طالما هي في طور التكوين وتسعى لتوحيد جميع الناس. ويتضمن هذا الأمر السماح لبعض الفصائل التي قد تعتبر متشدّدة بالحراك السياسي لاسيما إذا لاقت تأييدًا عريضًا من الأغلبية عبر التصويت الشرعي. لا يستطيع العالم أن يطالب بتحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط وفي ذات الأثناء يستنكر عملية مماثلة لأن حزبًا غير موال للغرب سيتولى السلطة شرعيًا. فلو أخذنا على سبيل المثال الانتخابات التي أجراها الفلسطينيون مؤخرًا وفازت بها جماعة حماس، فسنجد أن هذه الجماعة ليست على وفاق مع الولايات المتحدة والدول الغربية إلا إنها منتخبة انتخابًا شرعيًا. وعلى الطرفين الآن -حماس وبقية العالم- أن يعملا على تصفية خلافاتهما السياسية. ورغم وجود خلافات عميقة، لاسيما بما يتعلق بإسرائيل، إلا إنه من المهم منح الفرصة للأحزاب المنتخبة شرعيًا لكي تحكم. وإذا لم تُمنح هذه الفرصة فإن بلدان الشرق الأوسط ستشكّك بمصداقية الدول الغربية ونواياها الحقيقية بما يتعلّق بالحكم الديمقراطي وما يمثّله.إن مسألة الديمقراطية بهذه المرحلة من تاريخ الشرق الأوسط تعتبر من المسائل الهامة، وقد نضجت المنطقة لاستيعابها. ويشعر الكثير من الناس في الشرق الأوسط أن الحكومات الأوتوقراطية التي كانت ولازالت موجودة لم تنتج التطوّر المأمول، لاسيما عند تُقارن مع حكومات مناطق أخرى في العالم الإسلامي كماليزيا وباكستان واندونيسيا، ناهيك عن بعض الدول الغربية.إن مسألة تأسيس الديمقراطية لا تعرقلها المبادئ الإسلامية، فمن الممكن أن يتعايش نهج الإسلام مع الديمقراطية. فعندما استُحدثت الديمقراطية في الولايات المتحدة تأسّست بناء على القيم اليهودية-المسيحية. ونظرًا للتأثير المفرط لكنيسة إنجلترا، قرّرت الولايات المتحدة أن تضيف في الدستور خطابًا يضع قدرًا معينا من الفصل بين الدولة والكنيسة، لكن الدين لم يُستبعد من الحكومة نهائيًا، رغم ما يشيعه البعض.فمن الواضح أنه خلال الأعوام الأولى أضحى الدين عاملاً هامًا ويعمل على صياغة هوية القيم للأمة الأمريكية.[17] ولا يختلف هذا التوجّه في الشرق الأوسط كثيرًا سوى أن الدين الإسلامي هو الذي يمثّل الأساس الذي ستُبنى عليه الديمقراطية. وسيُسمح للأديان الأخرى بالوجود على غرار التقليد الأمريكي، إلا إن الإسلام سيبقى هو الدين المسيطر في الشرق الأوسط، وبالتالي فمن المنطقي أن يفترض المرء تأسيس الحكم الديمقراطي بناءً على هذه الاعتقادات. أما التحدّي الذي سيواجهه العالم هو ما إذا كان سيقبل بالديمقراطية المبنية على الاعتقادات الإسلامية في الشرق الأوسط. ويجب ألا يثير هذا أي إشكال إذا تحدثنا عمليًا، لأن المعتقدات الإسلامية تنتج سلوكيات قابلة للمقارنة بأكثر مما هي عليه السلوكيات الدينية الأخرى.
تحدّيات الديمقراطية في الشرق الأوسط
ثمّة عدد من التحدّيات الداخلية التي ستخلق توترًا خلال تطوّر عملية الديمقراطية، ومن بينها عوامل تتمثّل بحالة الفقر وسوء التعليم وممارسة الدين والطبيعة النفسية للشعوب والحكومات. يقدّر مجموع الدخل الإجمالي في الشرق الأوسط بـ700 مليار دولار، وهو يعتبر أقل من مجموع دخل أسبانيا. وعندما نشمل جميع البلدان الإسلامية، بما فيها التي تقع خارج الشرق الأوسط، فإن مجموع الدخل الكلي يقل عن دخل فرنسا. وما قاد لشيوع الفقر في الشرق الأوسط عدة عوامل منها الحروب، على سبيل المثال لا الحصر الصراع العربي الإسرائيلي والحرب العراقية الإيرانية ومشكلة الصحراء الغربية والمغرب وسوريا ولبنان. وأدّت هذه الأزمات إلى زيادة الديون الداخلية والخارجية وحدّت من النمو الاقتصادي.[18] وقد تفاقمت مظاهر العجز الاقتصادي بسبب سوء السياسات الاقتصادية والقرارات السياسية. فمن نافلة القول أن بلدان الشرق الأوسط أخذت على عاتقها تكريس نمط الأسواق الموجّهة حكوميًا بدلاً من الأسواق الحرّة، ونتج عن ذلك عدم ظهور حوافز لتطوير الاقتصاد.[19] أما السياسات الحكومية بما يتعلق خلق الوظائف فأدّت إلى حدوث صعوبات بسبب تكوين وظائف زائدة عن الحاجة لا يتوفّر لها تمويل كافي لدعم البرنامج التشغيلي، مما نجم عنه تفشي البطالة العالية وانكشاف شعبي عام للحكومات،[20] وهو ما يعتبر عاملا رئيسًا من عوامل التوتر بالوقت الراهن بما إننا نفكر بمسألة الديمقراطية. ينظر الناس في الشرق الأوسط لأي حكومة نظرة ملؤها الارتياب، وما يزيد من الطين بلّة أن من يعتلي السلطة تبدو عليه مظاهر الرخاء والرفاهية بينما يكابد الإنسان البسيط لكسب قوت يومه. وهذا ما يفاقم من تدهور المفهوم الذي يمكن أن تقوم عليه الحكومات لخدمة شعوبها، ويومًا تلو الآخر يكافح الناس لكسب أقوات يومهم والاقتصاد لا يتمتّع بالحيوية التي تيسّر ذلك والبطالة متفشيّة بين الناس في الشرق الأوسط. وبما أن النظم الاقتصادية تتسم بالضعف فإن الناس يضطرون للقيام بما يتحتّم عليهم القيام به للمعيشة، وغالبًا ما تُفتح الطرق نحو الفساد الذي يطفو على السطح، في الوقت الذي يتّجه فيه من يستحوذ على السلطة إلى التلاعب بالطبقات الأكثر فقرًا والتأثير عليهم.[21] ونتيجة لذلك، يُحكم على أسلوب "الشيء مقابل الشيء" كسلوك اجتماعي طبيعي و هو ما يؤدي إلى تكوين سلوك ثقافي مناقض للقيم التي بُنيت عليها الديمقراطية. وسيظهر لدى الناس توجّه قوي نحو "شراء مواقف" السياسيين الناشطين مقابل مصالح معيّنة إثر تطبيق الديمقراطية. ويمكن لهذا السلوك أن يتغيّر بمرور الوقت ومن خلال التعليم، لكن ذلك قد يستغرق فترة جيل أو جيلين حتى يصبح واقعًا ملموسًا. ولمعالجة حالة الفقر المنتشرة في الشرق الأوسط، فلا بدّ من تحسين الظروف الاقتصادية والسياسية سواءً أقيمت الديمقراطية أم لم تقم. وثمّة فرصة للديمقراطية خلقتها ضرورة تحقيق التغيير، إلا إن هذا يخلق كذلك فرصًا لأنواع أخرى من أنظمة الحكم ومنها ما لا يعدّ من الأنظمة المفضلة. أما الذين يروجون للديمقراطية فيمتلكون الآن فرصة سانحة في الشرق الأوسط.إن فرص نشوء الديمقراطية سريعًا ستتعاظم إذا ما أمكن التغلب على الفقر. ويتحتّم على بلدان الشرق الأوسط أن تتخذ إجراءات داخلية لتقوية اقتصادياتها، لكنها على الأغلب لن تنجز هذه المهمة دون دعم من الديمقراطيات الغربية. وقد يتأتّى هذا الدعم على شكل ضخ استثمارات لأعمال الدول شرق الأوسطية بالإضافة إلى إقامة الأعمال التجارية. فما يشكّل أهمية هنا هو تقديم الالتزام بتحريك عجلة الاقتصاديات إلى الأمام. ولضمان تشكيل دعم ملائم وأن الإجراءات الوقائية متخذة لمكافحة خطر الفساد الحقيقي، يجب أن تُنشأ منظمة حكومية خاصة أو نظام إشرافي لعمل رقابة دورية على إدارة أعمال الشرق الأوسط الاقتصادية. وربما حان وقت تجديد نشاط جامعة الدول العربية في شأن الإشراف على الاقتصاد والتبادل التجاري.[22] ومن شأن هذه الإجراءات أن تحسن ظروف الفقر وتمنح فرصة أفضل للديمقراطية.عندما ينظر رجل الشارع البسيط في الشرق الأوسط إلى المليارات التي تنفقها الولايات المتحدة على الحرب في العراق، فإنه قد يتساءل للوهلة الأولى: لماذا لا يستخدمون هذه الأموال لتنمية الشرق الأوسط اقتصاديا بدلاً من شن الحرب؟ يشير هذا التصوّر إلى أن الدعم والتنشيط الاقتصادي قد ينتج عملية تطور ديمقراطية على نحو أسرع. إلا إن إنفاق تلك الأموال على الحرب، حسب منظور الولايات المتحدة، هو من المتطلبات الأساسية لإقامة ظروف تنبني عليها أسس ديمقراطية دائمة. ومن المحتمل أن مصداقية الديمقراطية ستتعرّض للشك في عيون الناس في الشرق الأوسط إذا لم تستقر العراق وأفغانستان. ومن الجليّ أن المرء يفضّل رؤية مليارات الدولارات تخصّص للمزيد من الجهود الاقتصادية السلمية، إلا إنه دون وجود بيئة حاضنة سليمة فإن الدعم الاقتصادي قابل للتبخّر. إلا إنه لا بدّ من الإقرار بأن الوسائل الحركية ليست هي الوحيدة لتوليد الدعم لديمقراطية مستقرة. بوسع الولايات المتحدة أن تعمل عملاً فعّالاً من خلال البحث عن وسائل غير حركية لبناء ديمقراطية في العراق وأفغانستان. ولا بد على الولايات المتحدة لكي تضطلع بذلك أن تخفّض بسرعة من مستوى العمليات القتالية في كل من العراق وأفغانستان، وأن تقدم دعمًا اقتصاديًا للدول المساندة في الشرق الأوسط، مثل مصر.إن الافتقار لنظام تعليمي قوي، بالإضافة إلى عامل الاقتصاد الضعيف، سيتمخض عنه توتر يؤثر في إقامة الديمقراطية في الشرق الأوسط. وباستثناء سورية وإسرائيل، فإن تعداد السكّان الأميّين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة يقترب من نسبة 30-45 % من مجموع السكان.[23] ويعتبر النظام التعليمي هزيلاً، حيث يتّصف بقلة الالتزام بالحضور وندرة الأدوات التعليمية والتمويل المحدود وقلة القادرين على الولوج للشبكة العنكبوتية العالمية (الانترنت).[24] ويشوب الضعف المؤسسات التعليمية التي تتصف مناهجها بالعشوائية، حيث تفتقر إلى الترابط مع الحاجات الاقتصادية أو الحكومية أو حتى الدينية. وعلاوة على ذلك، يتّسم النظام الاقتصادي العام بالهشاشة ولا يقدّم بدوره حافزًا للشعب لمواصلة التعليم أو استكماله. وتعمل الصلاحيات الحكومية المفرطة والرواتب العامة المتضخمة على إعاقة المبادرات الفردية وجعل مراكز السلطة تنحصر في الأحزاب السياسية الحاكمة وتتّكرس بها. ففي مصر، أُزيلت الصلاحيات الحكومية في عهد الرئيس السادات كمحاولة لتحفيز النمو الاقتصادي، إلا إن ذلك لم يؤتِ ثماره في عهد الرئيس مبارك.[25] والتعليم في الشرق الأوسط غير قابل للتحسين فقط من خلال الإصلاحات التعليمية، بل لا بدّ أن يتوفر حافز اقتصادي يجعل الناس قادرة على ملاحظة المنافع من التعليم وتلمّسها. ولذلك يجب أن ترتبط الإصلاحات التعليمية بالقدرة الاستيعابية الاقتصادية المتطوّرة. وعلى من يتولّ السلطة بالمقابل أن يطبق السياسات التي تحث على الحرية والنمو الاقتصادي.تتنوع أنظمة الحكم وصيغها بشكل واسع في الشرق الأوسط حيث تتضمن ملكيات وحكومة مؤقتة، بسبب وجود قوات الاحتلال (في الأراضي الفلسطينية)، وديمقراطيات وجمهوريات وحكم إتحادي ودولة ذات حكم ديني (ثيوقراطي). وتعمل الطبيعة الدينية للشرق الأوسط على ظهور تحديات للسلطات الحاكمة، وتحديدًا لتلك التي تخضع لنظام السلطة المركزية. فالحكومات تميل نحو الحكم العلماني حارمين بذلك قطاعات كبيرة من الشعب من حقوقهم لأنهم يؤمنون بضرورة عدم إبعاد الدين عن الحكومة. أما الزعماء الدينيون الذين يتخطون حدودهم في الشؤون الحكومية فغالبًا ما يكون مصيرهم الزج بالسجون دون محاكمة. فتلك الحكومات التي تدّعي الديمقراطية تمتلك سلطة مركزية مشدّدة، وتؤثر تأثيرًا ظالمًا على المخرجات الانتخابية من خلال التحكّم على وسائل الإعلام والترهيب الشامل. وعندما تصبح الحكومات متسلطة على نحو مفرط فإن من يشعر بالقمع قد يردّ عبر الأعمال الإرهابية. وأفضل مثال على ذلك هو الاحتلال الإسرائيلي، فطالما يوجد القمع ستُخلق بيئة خصبة تؤدي بالنهاية إلى ظهور الحركات المتطرفة.[26] أما في ثنايا المجتمع فتوجد عناصر دينية معتدلة، لكنها لا تتمتع بالتأثير الذي يمتلكه المتطرفون، وغالبًا ما يُنظر لها على أنها مرتبطة بهم، وهذا ما يجعل العناصر الدينية المعتدلة منافسة للمتطرفين الذين يكتسبون الشعبية بسبب قدرتهم على استثمار السلطة والاستفادة منها. وهم على الأرجح يصلون للسلطة، كنشوء جماعات مثل حماس، عبر الوسائل الديمقراطية. إلا إنهم رغم ذلك قد لا يمثلون الناس، لاسيما المتدينون المعتدلون منهم. فعلى الأرجح ستظهر على الطريق تحديات حكم داخلية حتى مع وجود حماس المنتخبة، وعلى الرغم من ذلك ثمّة أمل باستطاعة القطاعات الدينية الأكثر اعتدالاً تخفيف الأبعاد المتطرفة.إن هيمنة الحكومة على وسائل الإعلام تزيد من تفاقم المشاكل التي تواجه المسلمين المعتدلين. فوسائل الإعلام تدار بواسطة فلسفة علمانية،[27] وهي تؤمّن للحكومة الهيمنة وتكرّس من حرمان المعتدلين الدينيين حقوقهم. ويعمل هذا على نشر فلسفة الحياة الليبرالية التي لا يؤيّدها العديد من المسلمين المعتدلين، ويمنح المتطرفين حصان طروادة لاستغلاله لأنه يمكّنهم من الارتباط مع المعتدلين بأرضية مشتركة. ولكل هذا تأثيره الواضح بتقوية مواقف المتطرفين، لأن الحكومة تمارس هيمنة مفرطة على وسائل الإعلام التي لا تقدم دورًا مسؤولاً لصالح المجتمع ككل.[28] وإذا ما وُجد الفساد في الحكومة فإنه على الأرجح سيبقى طي الكتمان، وهكذا سيتوهم عموم الناس أن حكومتهم صالحة وتسهر على رعايتهم كمواطنين. إلا أن الكثير من رجال الشارع بدأوا يدركون حقائق الأمور عبر وسائل أخرى.ستشكّل وسائل الإعلام عقبة بوجه الحكم الديمقراطي إلى أن يأتي الوقت الذي يمكن الوثوق بها لعرض ما هو أكثر من مجرد المنظور الذي تطرحه الحكومة، وسيكون هذا تحديًا هائلاً لأنه يجب على من يتولى السلطة أن يستعد للتخلي عن الهيمنة على وسائل الإعلام. وقد يظهر أن المراحل الأولى من الديمقراطية تفتقر إلى التقارير الإعلامية الموضوعية إلى أن يحين وقت تأسيس منظمات إخبارية مستقلة ومتحررة من تلقي العقوبات (الحكومية). وقد تتأتي أولى الخطوات المهمة بهذا الطريق عبر الاستهلال بتلقي معونة المنظمات الإخبارية الدولية والضغط من الدول الديمقراطية عبر الصحافة الحرة.
مخاطر الديمقراطية في الوقت الراهن
كما أسلفنا في هذا البحث، يتكوّن الشرق الأوسط من أنواع متعددة من أنظمة الحكم. ومعظمها يمثّل أنظمة حكم ملكية تهيمن على مناطق نفوذها وحكمها هيمنةً تامة. ولا يلوح في الأفق ما يشير إلى أن هذه الحكومات ستتخلى عن السلطة طواعيةً لصالح حكومة ديمقراطية. إلا إن ثمّة حاجة لنوع من أنواع الرؤية الموحّدة التي يمكن لها أن توحّد بلدان الشرق الأوسط بشكل أفضل بغض النظر عن شكل أنظمة حكمها. والمنظمات على غرار أوبيك وجامعة الدول العربية هي أمثلة على الهيئات التي تمثّل المصالح شرق الأوسطية، لكنها لا تعمل عمل منظمات وحدوية كاتحاد شمال أفريقيا مثلاً.[29] وقد يكون من صالح بلدان الشرق الأوسط أن تنظر بعين الاعتبار إلى نشوء الحكومات الأفريقية لأنها تعمل على تنظيم نفسها على أساس إقليمي رغم اختلاف أنظمة الحكم.وبالنظر لعدد الملكيات الموجودة في منطقة الشرق الأوسط، فلا غرابة أن تتعلق الشعوب بالنظر للحكومات من أجل رفاهيتهم. ولطالما كان هذا هو الوضع السائد تاريخيًا. وكإطار عام، ظلّت طبيعة كل شعب من هذه الشعوب تعتمد على تلقي الرعاية والمساندة من الحكومات. وكان هذا الوضع مقبولاً في عهد القيادات الجيدة، ولكن تحت ظل القادة الفاسدون والذين لا يتمتعون بالثقة فإن الجموع الجماهيرية لا تتمتع بالتمثيل (السياسي) ولا النزول لتلبية متطلباتهم. ومجددًا، تضعنا الديمقراطية في وجه التحديات، فلا بدّ من تبني المبادرة الفردية ومكافأتها حتى يتمكن عضو المجتمع من إدراك أهمية السعي نحو تحقيق حاجاته المصيرية بدلاً من الاعتماد على الحكومة لتوفير ذلك له. سوف يستغرق هذا زمنًا، ويتطلب إنجازه وجود قيادة قوية، وتأسيس اقتصاد وقواعد عمل مدعومة.
وجهات النظر المختلفة بين الثقافتين شرق الأوسطية والغربية حيال الديمقراطية
إن الأمل بتطبيق الديمقراطية في الشرق الأوسط على المدى الطويل غير منعدم، لكن هذه الديمقراطية قد لا تسير حسب النموذج الغربي. فالديمقراطية في هذه المنطقة ملزمة بتفسير التغيير الواسع في أنواع الحكومات، ولا بدّ أن تعمل على صياغة فكرة مشتركة تصهر الشرق الأوسط معًا كمنطقة موحّدة. وهنا تنبع الخطورة، فهنالك حاليًا معركة تندلع بين كل من المتطرفين والمعتدلين والغرب.[30] وكلٌّ من هذه الأطراف يبذل كل ما بوسعه لتحقيق هيمنته وأسلوب الحياة الذي يمثل مصالحه.
مستقبل الديمقراطية في الشرق الأوسط
يرى المتطرفون أن (عودة) الخلافة يمثل هدفًا نهائيًا، بينما يراقب المعتدلون ولادة الديمقراطيات في بلدان مثل مصر وسورية ولبنان واليمن. ومن الملاحظ أيضًا أن فلسطين تحوز على انتباه العالم مع تقدّم حماس نحو الواجهة. أما السؤال الذي يثار في حال نشَأت الديمقراطيات فهو كالآتي: ما الذي سيكون عليه شكل هذه الديمقراطيات؟ أضع ثلاثة فرضيات لمناقشتها على أرض الواقع:أولا: أن تستحوذ الديمقراطيات التي تحتوي على توجهات متطرفة، كحماس، على مراكز متقدمة بحكم أنها منظّمة بشكل فعّال وتلبي احتياجات الجماهير التي تنوب عنها. ويتمثّل التحدي هنا: هل يستطيعون أم لا يستطيعون المنافسة بكفاءة على المسرح العالمي دون أن يعزلوا أنفسهم عن المحيط العالمي، وهو ما سيؤدي بالنهاية إلى انكشافهم أمام ناخبيهم؟
ثانيا: ستكون هذه الصيغة عبر التقليد الذي يتبعه المعتدلون كما في مصر ولبنان حيث لا يشيع قبول للأفكار المتطرفة بسهولة، إلا إن المشاكل الناجمة عن تفشي الفساد داخل الحكومات غير ظاهرة أو واضحة لعموم الناس ولا يفهمونها فهمًا سليمًا. ومن الأهمية بمكان لتجنب الانجذاب نحو المناهج المتطرفة أن تبيّن هذه الديمقراطيات أسلوب الحياة الأفضل للناس هو عبر حكومة منتخبة.ثالثا: الصيغة الأخيرة، وهي الاحتمال الأقل رجحانًا، وتتمثّل بالصيغة الغربية للديمقراطية. ويظل هذا خيارًا قائمًا ويشكّل نموذجًا للديمقراطية في الشرق الأوسط، لكن تعقيدات الوضع السائد في المنطقة يجعل من خيار التشابه مع النموذج الغربي خيارًا صعب التحقيق. إن إقامة ديمقراطية ناجحة في العراق سيعمل على تقديم نموذج قابل للتطبيق لدول الخليج في المستقبل، فإذا نجح هذا النموذج فإن ذلك قد ينسحب على الديمقراطيات المعتدلة التي ستنشأ في المستقبل. وسيبرهن هذا على أن الصراعات متعددة العرقية (السنية، الشيعية) يمكن حلها حلاً سلميًا وأنه بالإمكان السيطرة عليها عبر أسلوب موحّد. وسيثبت هذا أيضًا أن الديمقراطية قادرة على حل مشكلة الفقر وانتشاره في المنطقة وتحقيق الحياة ذات النوعية الأفضل.
الاستنتاجات والتوصيات
سيكون التعليم ووسائل الإعلام عاملان مساعدان رئيسان نحو إقامة الديمقراطية. ولا بد من وجود نقلة تعمل على تغيير الوسائل التي تسيطر عليها الدولة نحو الوسائل التي يتحكّم بها الشعب. ومع اتساع شهرة وسائل الإعلام كالشبكة العنكبوتية (الانترنت) والتلفاز، فإن قدرتها على التأثير على التعليم من الأسفل إلى الأعلى ستفضي إلى تحفيز الجماهير. من الواضح أن المتطرفين يدركون قوة وسائل الإعلام ويعملون على اكتساب التأثير في الناس من خلال استخدامها.[31]
إن رغبات شعوب بلدان (المنطقة) ومتطلباتها يتعين أخذها بعين الاعتبار. فهل يحتاجون للديمقراطية وهل هم مستعدون لتغيير أساليب حياتهم من أجل إقامتها وتفعيلها؟ إن تغيير الثقافة السياسية دائمًا ما يتسم بالصعوبة. فأن يقال إن الديمقراطية هي الصيغة المفضلة لنظام الحكم هو أمر يختلف تماما عن التأقلم مع متطلباتها وقبول خوض المخاطر الناجمة عنها. فعلى سبيل المثال، أظهر التاريخ أن السنوات العشر الأولى من الديمقراطية الجديدة غالبًا ما يحدث خلالها صراعات داخلية أو خارجية إلى أن تنضج هذه الديمقراطية الجديدة[7]. ولا بدّ على الشعوب التي تعيش في ظل هذه الديمقراطيات الجديدة أن يلتزموا بالمُثل الديمقراطية ولا بد أن يستعدوا للتغلب على التحدّيات ومعالجتها.إن تغيير الأنظمة السياسية من الحكم الفردي إلى الديمقراطي لن يكون كافيًا ببساطة لبناء ديمقراطية جديدة، لأن الأنظمة الاقتصادية والدينية والتعليمية والإعلامية والأمنية والقانونية بالدولة ستتأثر جميعًا. ونتيجة لذلك، سيتطلب الأمر زمنًا للشعوب ومؤسسات بلدانها لكي تتأقلم مع صيغة الحكم الجديدة ونظام السوق الحرة الذي سيتكوّن نتيجة لذلك. وسيتعيّن على الدول الديمقراطية الموجودة أن تقدم الدعم وأن تتحلى بالصبر مع الديمقراطيات الجديدة الناشئة. وحسب رأيي، فإن الديمقراطية تحتاج إلى بيئة صالحة، كالوضع الاقتصادي المعقول والشعب المتعلم وإلى فهم معتدل للقضايا الدينية بالنهاية (الإقرار المحدود توافق عليه الأنظمة للمشاركة بالسلطة). وبالنظر إلى أن البلدان شرق الأوسطية تمتلك قاعدة دينية قوية، فمن المهم على كبار الزعماء الدينيين أن يعملوا على إقناع شعوب المنطقة أن الديمقراطية مناسبة للبلد ولا تتناقض مع القيم الإسلامية المعتدلة. ويمكن لهذا النوع من الدعم القادم من الزعماء الدينيين أن يوفر دعمًا قويًا لإقامة أنظمة ديمقراطية، والتغيير المصاحب لعملية التحوّل نحوها.فلا يمكن للمرء أن يتوقع للشرق الأوسط الانتقال بسرعة إلى أنظمة حكم ديمقراطية نظرًا لعملية التغيير المطلوبة ومتطلبات الزمن المصاحبة. وثمّة قلق في الشرق الأوسط من أن أمريكا متعجّلة "بدمقرطة" المنطقة بناء على تصرفاتها العدوانية في العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى إستراتيجيتها المبنية على الإجراءات الوقائية إذا اختارت فعل ذلك[8]. أما التحرك بهذا الاتجاه بسرعة فقد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة، حيث إن الدوافع الأمريكية قد تُعتبر من التحركات الأنانية ولا تحترم أسلوب الحياة الذي يتميّز به الشرق الأوسط. ومن المهم أن تسير بلدان الشرق الأوسط نحو الديمقراطية بأسلوب منطقي ومستقر ومحكم الضبط وينفّذ حسب ظروف بلدان الشرق الأوسط. إلا إنه يتعيّن على الديمقراطيات الغربية تقديم المساندة من خلال توفير الدعم الاقتصادي والتعليمي والتقني للمساعدة بتعزيز عملية التطوّر والتغيير.
مفهوم الديمقراطية من المنظور الإسلامي:
قبل المضي قدمًا في البحث، من المهم الحصول على فهم لكيفية النظر للديمقراطية بعيون الناس العاديين في الشرق الأوسط. إن الديمقراطية كونها تحتوي على مضمون علماني، فمن غير المرجح أن تلاقي قبولاً من قبل الأغلبية العظمى في الشرق الأوسط الذين يتمسكون بالعقيدة الإسلامية[9]. ويسود توتّر تقليدي في البلدان الإسلامية بما يخصّ إقامة نظام حكم ديمقراطي[10]. فيظهر من جهة من يعتقد بإمكانية التوفيق بين الحكم الديمقراطي والطبيعة الدينية لمجتمعات الشرق الأوسط. إلا إنه، من الجهة الأخرى يوجد هناك من يعتقد أن الثقافة القبلية السائدة في بلدان الشرق الأوسط قد لا تتلاءم مع الحكم الديمقراطي حيث ستظهر الكثير من الأحزاب والفصائل بشكل مبالغ فيه. وسينجم عن ذلك مجتمع "مفكّك" غير قابل للتوحّد بفعالية، وتبرز كذلك خطورة هذا الوضع الذي قد يؤثّر سلبًا على التماسك الذي كوّنته العقيدة الإسلامية.وعلى الرغم من وجود هذه المخاوف، فإن روح الديمقراطية، أو الحكم الذاتي، يُنظر لها بأغلب الأوقات كمسعى إيجابيّ طالما أنه يعمل على بناء البلاد ويحافظ على القواعد الدينية ولا يهمّش من قيمة الدين أو يؤدي إلى عدم الاستقرار[11]. ويمثّل تكوين هذا التوازن تحديًا أكبر، مثلما حاولت معظم الديمقراطيات الغربية تكريس انفصال الكنيسة عن الدولة. وما تشير إليه هذه الصورة هو أنه ليس من الضرورة أن تتطوّر الديمقراطية النامية في الشرق الأوسط لتصبح كالنموذج الغربي، بل ستحوز على شكلها الخاص بها مصحوبة بروابط أقوى دينيًا.من غير الممكن فهم الديمقراطية في الشرق الأوسط دون استيعاب لمفهوم الخلافة. يعود أصل الخلافة إلى زمن الرسول محمد[12]، فخلال فترة حياته والسبعين عاما التي تلتها تحققت دولة الخلافة المثالية كأسلوب حياة يعيشه الناس ضمن الهيئات الحاكمة. وتُعتبر هذه الحقبة الزمنية فترة مميزة وينظر لها على أنها الصيغة المثُلى للحكم، ويقرّ المسلمون على نطاق واسع أنها الهدف من أي صيغة حكم جديدة، كما هو حال مسعى الولايات المتحدة لتحقيق مُثل "الحياة والحرية والبحث عن السعادة". أما المنظور السائد في الشرق الأوسط، فيتمثل من خلاله الكلمات الدالة على مفهومهم للديمقراطية ألا وهو الذي يعكس معاني "الحق والعدل والمساواة والوحدة والخير".[13]
إن تحقيق النموذج المثالي لطالما يمثّل أقصى تطلعات المجتمع شرق الأوسطي. إلا إنه عقب وفاة محمد وتأثيره الكامن، بدأت الحكومة الممثّلة بنظام الخلافة بالانحراف عن النموذج المثالي الذي تبنّاه الرسول محمد. وأخذ زعماء الخلافة ينظرون إلى مصالحهم الذاتية واستغلال السلطة للاستمتاع بملذاتها بدلاً من توجيهها لخير رعاياهم. وحاول من يعتلي السلطة أن يؤمّنها عبر توارث الهيمنة على القيادة في أفراد العائلة، عوضًا عن اختيار أكفأ القيادات الذين تقررهم هيئة البيعة التي تمثل الخلافة.[14] فنتيجة لذلك، برز على السطح عدم الرضا عن كيفية تنفيذ عملية الخلافة وحُرم العديد من أفراد العائلات الحاكمة من حقوقهم واختاروا صياغة مفاهيمهم الخاصة للخلافة، مما أدى لظهور الفصائل القبلية والعرقية المتناحرة ضمن ما كان يشكّل نسيجًا إسلاميًا موحدًا قبل ذلك.[15] وبما إننا نكوّن النسيج الإسلامي في الشرق الأوسط حاليًا، فإننا لا نزال نرى التنابذ الذي ظهر منذ الانقسامات ببدايات المجتمع الإسلامي حيث تتواجد الفصائل القبلية والعرقية المتعددة. ونظرًا لهذه الحالة السائدة، يصبح تحدّي إعادة توحيد الفصائل القبلية والعرقية لتقوم قائمة الخلافة من جديد إحدى أكثر التحدّيات صعوبة للتحقيق.يرتبط بالخلافة أدوار عمليتي البيعة والشورى، وقد نُفّذت كلتا هاتان العمليتان في السنوات الأولى من الدين الإسلامي، ولذلك تعتبران من العمليات الهامة والمحترمة.[16] فالبيعة هي عملية انتخابية لاختيار الخليفة، بينما الشورى هي هيئة استشارية ورقابية للخليفة أو الخلافة. وتؤدي الشورى دورها من خلال وجهة نظر دينية، حيث تضمن أن الخليفة يقوم بواجباته طبقًا للتعاليم الإسلامية. ورغم أن هاتين العمليتين مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا بالتاريخ الديني، إلا إنهما يمثلان الإجراءات التي من الممكن أن تنشأ الديمقراطية من خلالها.نظرًا إلى الطبيعة الدينية لثقافة الشرق الأوسط، ثمة تساؤل يطرح نفسه عن ماهية التركيبة المحتملة للديمقراطية. فهل سيكون هناك ثلاثة أو أربعة أفرع للحكومة؟ وهل يتوجّب إضافة الجهاز الديني للأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية لضمان إتّباع المعتقدات الإسلامية؟ قد تكون الإجابة نعم، لكن قد لا يكون هذا من أفضل الوسائل. فالأمثل هنا هو ضرورة أن تأخذ الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية جميعا بعين الاعتبار المعتقدات الإسلامية عند تنفيذ واجباتها. بالتالي، لا ضرورة لوجود جهاز ديني منفصل. إلا إنه لكي ينجح تنظيم المبادئ الإسلامية الأساسية فلا بدّ أن تنصَّ عليها في الدستور أو في أي وثيقة مماثلة. ولا يعني هذا إقامة نظام ديني (ثيوقراطي)، بل يعني تأسيس ديمقراطية قائمة على المعتقدات الإسلامية.وعندما يتأمل المرء الديمقراطية في الشرق الأوسط، فإن أهم ما يتبادر إلى الذهن هو ظهور الديمقراطية ذاتها إلى النور. وهي قد لا تتشابه والديمقراطية الغربية شكلا أو نوعًا، ولكنها ستكون بداية الطريق. ويؤيّد معظم أبناء الشرق الأوسط بشكل عام روح الديمقراطية وسيظل يدعمها طالما هي في طور التكوين وتسعى لتوحيد جميع الناس. ويتضمن هذا الأمر السماح لبعض الفصائل التي قد تعتبر متشدّدة بالحراك السياسي لاسيما إذا لاقت تأييدًا عريضًا من الأغلبية عبر التصويت الشرعي. لا يستطيع العالم أن يطالب بتحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط وفي ذات الأثناء يستنكر عملية مماثلة لأن حزبًا غير موال للغرب سيتولى السلطة شرعيًا. فلو أخذنا على سبيل المثال الانتخابات التي أجراها الفلسطينيون مؤخرًا وفازت بها جماعة حماس، فسنجد أن هذه الجماعة ليست على وفاق مع الولايات المتحدة والدول الغربية إلا إنها منتخبة انتخابًا شرعيًا. وعلى الطرفين الآن -حماس وبقية العالم- أن يعملا على تصفية خلافاتهما السياسية. ورغم وجود خلافات عميقة، لاسيما بما يتعلق بإسرائيل، إلا إنه من المهم منح الفرصة للأحزاب المنتخبة شرعيًا لكي تحكم. وإذا لم تُمنح هذه الفرصة فإن بلدان الشرق الأوسط ستشكّك بمصداقية الدول الغربية ونواياها الحقيقية بما يتعلّق بالحكم الديمقراطي وما يمثّله.إن مسألة الديمقراطية بهذه المرحلة من تاريخ الشرق الأوسط تعتبر من المسائل الهامة، وقد نضجت المنطقة لاستيعابها. ويشعر الكثير من الناس في الشرق الأوسط أن الحكومات الأوتوقراطية التي كانت ولازالت موجودة لم تنتج التطوّر المأمول، لاسيما عند تُقارن مع حكومات مناطق أخرى في العالم الإسلامي كماليزيا وباكستان واندونيسيا، ناهيك عن بعض الدول الغربية.إن مسألة تأسيس الديمقراطية لا تعرقلها المبادئ الإسلامية، فمن الممكن أن يتعايش نهج الإسلام مع الديمقراطية. فعندما استُحدثت الديمقراطية في الولايات المتحدة تأسّست بناء على القيم اليهودية-المسيحية. ونظرًا للتأثير المفرط لكنيسة إنجلترا، قرّرت الولايات المتحدة أن تضيف في الدستور خطابًا يضع قدرًا معينا من الفصل بين الدولة والكنيسة، لكن الدين لم يُستبعد من الحكومة نهائيًا، رغم ما يشيعه البعض.فمن الواضح أنه خلال الأعوام الأولى أضحى الدين عاملاً هامًا ويعمل على صياغة هوية القيم للأمة الأمريكية.[17] ولا يختلف هذا التوجّه في الشرق الأوسط كثيرًا سوى أن الدين الإسلامي هو الذي يمثّل الأساس الذي ستُبنى عليه الديمقراطية. وسيُسمح للأديان الأخرى بالوجود على غرار التقليد الأمريكي، إلا إن الإسلام سيبقى هو الدين المسيطر في الشرق الأوسط، وبالتالي فمن المنطقي أن يفترض المرء تأسيس الحكم الديمقراطي بناءً على هذه الاعتقادات. أما التحدّي الذي سيواجهه العالم هو ما إذا كان سيقبل بالديمقراطية المبنية على الاعتقادات الإسلامية في الشرق الأوسط. ويجب ألا يثير هذا أي إشكال إذا تحدثنا عمليًا، لأن المعتقدات الإسلامية تنتج سلوكيات قابلة للمقارنة بأكثر مما هي عليه السلوكيات الدينية الأخرى.
تحدّيات الديمقراطية في الشرق الأوسط
ثمّة عدد من التحدّيات الداخلية التي ستخلق توترًا خلال تطوّر عملية الديمقراطية، ومن بينها عوامل تتمثّل بحالة الفقر وسوء التعليم وممارسة الدين والطبيعة النفسية للشعوب والحكومات. يقدّر مجموع الدخل الإجمالي في الشرق الأوسط بـ700 مليار دولار، وهو يعتبر أقل من مجموع دخل أسبانيا. وعندما نشمل جميع البلدان الإسلامية، بما فيها التي تقع خارج الشرق الأوسط، فإن مجموع الدخل الكلي يقل عن دخل فرنسا. وما قاد لشيوع الفقر في الشرق الأوسط عدة عوامل منها الحروب، على سبيل المثال لا الحصر الصراع العربي الإسرائيلي والحرب العراقية الإيرانية ومشكلة الصحراء الغربية والمغرب وسوريا ولبنان. وأدّت هذه الأزمات إلى زيادة الديون الداخلية والخارجية وحدّت من النمو الاقتصادي.[18] وقد تفاقمت مظاهر العجز الاقتصادي بسبب سوء السياسات الاقتصادية والقرارات السياسية. فمن نافلة القول أن بلدان الشرق الأوسط أخذت على عاتقها تكريس نمط الأسواق الموجّهة حكوميًا بدلاً من الأسواق الحرّة، ونتج عن ذلك عدم ظهور حوافز لتطوير الاقتصاد.[19] أما السياسات الحكومية بما يتعلق خلق الوظائف فأدّت إلى حدوث صعوبات بسبب تكوين وظائف زائدة عن الحاجة لا يتوفّر لها تمويل كافي لدعم البرنامج التشغيلي، مما نجم عنه تفشي البطالة العالية وانكشاف شعبي عام للحكومات،[20] وهو ما يعتبر عاملا رئيسًا من عوامل التوتر بالوقت الراهن بما إننا نفكر بمسألة الديمقراطية. ينظر الناس في الشرق الأوسط لأي حكومة نظرة ملؤها الارتياب، وما يزيد من الطين بلّة أن من يعتلي السلطة تبدو عليه مظاهر الرخاء والرفاهية بينما يكابد الإنسان البسيط لكسب قوت يومه. وهذا ما يفاقم من تدهور المفهوم الذي يمكن أن تقوم عليه الحكومات لخدمة شعوبها، ويومًا تلو الآخر يكافح الناس لكسب أقوات يومهم والاقتصاد لا يتمتّع بالحيوية التي تيسّر ذلك والبطالة متفشيّة بين الناس في الشرق الأوسط. وبما أن النظم الاقتصادية تتسم بالضعف فإن الناس يضطرون للقيام بما يتحتّم عليهم القيام به للمعيشة، وغالبًا ما تُفتح الطرق نحو الفساد الذي يطفو على السطح، في الوقت الذي يتّجه فيه من يستحوذ على السلطة إلى التلاعب بالطبقات الأكثر فقرًا والتأثير عليهم.[21] ونتيجة لذلك، يُحكم على أسلوب "الشيء مقابل الشيء" كسلوك اجتماعي طبيعي و هو ما يؤدي إلى تكوين سلوك ثقافي مناقض للقيم التي بُنيت عليها الديمقراطية. وسيظهر لدى الناس توجّه قوي نحو "شراء مواقف" السياسيين الناشطين مقابل مصالح معيّنة إثر تطبيق الديمقراطية. ويمكن لهذا السلوك أن يتغيّر بمرور الوقت ومن خلال التعليم، لكن ذلك قد يستغرق فترة جيل أو جيلين حتى يصبح واقعًا ملموسًا. ولمعالجة حالة الفقر المنتشرة في الشرق الأوسط، فلا بدّ من تحسين الظروف الاقتصادية والسياسية سواءً أقيمت الديمقراطية أم لم تقم. وثمّة فرصة للديمقراطية خلقتها ضرورة تحقيق التغيير، إلا إن هذا يخلق كذلك فرصًا لأنواع أخرى من أنظمة الحكم ومنها ما لا يعدّ من الأنظمة المفضلة. أما الذين يروجون للديمقراطية فيمتلكون الآن فرصة سانحة في الشرق الأوسط.إن فرص نشوء الديمقراطية سريعًا ستتعاظم إذا ما أمكن التغلب على الفقر. ويتحتّم على بلدان الشرق الأوسط أن تتخذ إجراءات داخلية لتقوية اقتصادياتها، لكنها على الأغلب لن تنجز هذه المهمة دون دعم من الديمقراطيات الغربية. وقد يتأتّى هذا الدعم على شكل ضخ استثمارات لأعمال الدول شرق الأوسطية بالإضافة إلى إقامة الأعمال التجارية. فما يشكّل أهمية هنا هو تقديم الالتزام بتحريك عجلة الاقتصاديات إلى الأمام. ولضمان تشكيل دعم ملائم وأن الإجراءات الوقائية متخذة لمكافحة خطر الفساد الحقيقي، يجب أن تُنشأ منظمة حكومية خاصة أو نظام إشرافي لعمل رقابة دورية على إدارة أعمال الشرق الأوسط الاقتصادية. وربما حان وقت تجديد نشاط جامعة الدول العربية في شأن الإشراف على الاقتصاد والتبادل التجاري.[22] ومن شأن هذه الإجراءات أن تحسن ظروف الفقر وتمنح فرصة أفضل للديمقراطية.عندما ينظر رجل الشارع البسيط في الشرق الأوسط إلى المليارات التي تنفقها الولايات المتحدة على الحرب في العراق، فإنه قد يتساءل للوهلة الأولى: لماذا لا يستخدمون هذه الأموال لتنمية الشرق الأوسط اقتصاديا بدلاً من شن الحرب؟ يشير هذا التصوّر إلى أن الدعم والتنشيط الاقتصادي قد ينتج عملية تطور ديمقراطية على نحو أسرع. إلا إن إنفاق تلك الأموال على الحرب، حسب منظور الولايات المتحدة، هو من المتطلبات الأساسية لإقامة ظروف تنبني عليها أسس ديمقراطية دائمة. ومن المحتمل أن مصداقية الديمقراطية ستتعرّض للشك في عيون الناس في الشرق الأوسط إذا لم تستقر العراق وأفغانستان. ومن الجليّ أن المرء يفضّل رؤية مليارات الدولارات تخصّص للمزيد من الجهود الاقتصادية السلمية، إلا إنه دون وجود بيئة حاضنة سليمة فإن الدعم الاقتصادي قابل للتبخّر. إلا إنه لا بدّ من الإقرار بأن الوسائل الحركية ليست هي الوحيدة لتوليد الدعم لديمقراطية مستقرة. بوسع الولايات المتحدة أن تعمل عملاً فعّالاً من خلال البحث عن وسائل غير حركية لبناء ديمقراطية في العراق وأفغانستان. ولا بد على الولايات المتحدة لكي تضطلع بذلك أن تخفّض بسرعة من مستوى العمليات القتالية في كل من العراق وأفغانستان، وأن تقدم دعمًا اقتصاديًا للدول المساندة في الشرق الأوسط، مثل مصر.إن الافتقار لنظام تعليمي قوي، بالإضافة إلى عامل الاقتصاد الضعيف، سيتمخض عنه توتر يؤثر في إقامة الديمقراطية في الشرق الأوسط. وباستثناء سورية وإسرائيل، فإن تعداد السكّان الأميّين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة يقترب من نسبة 30-45 % من مجموع السكان.[23] ويعتبر النظام التعليمي هزيلاً، حيث يتّصف بقلة الالتزام بالحضور وندرة الأدوات التعليمية والتمويل المحدود وقلة القادرين على الولوج للشبكة العنكبوتية العالمية (الانترنت).[24] ويشوب الضعف المؤسسات التعليمية التي تتصف مناهجها بالعشوائية، حيث تفتقر إلى الترابط مع الحاجات الاقتصادية أو الحكومية أو حتى الدينية. وعلاوة على ذلك، يتّسم النظام الاقتصادي العام بالهشاشة ولا يقدّم بدوره حافزًا للشعب لمواصلة التعليم أو استكماله. وتعمل الصلاحيات الحكومية المفرطة والرواتب العامة المتضخمة على إعاقة المبادرات الفردية وجعل مراكز السلطة تنحصر في الأحزاب السياسية الحاكمة وتتّكرس بها. ففي مصر، أُزيلت الصلاحيات الحكومية في عهد الرئيس السادات كمحاولة لتحفيز النمو الاقتصادي، إلا إن ذلك لم يؤتِ ثماره في عهد الرئيس مبارك.[25] والتعليم في الشرق الأوسط غير قابل للتحسين فقط من خلال الإصلاحات التعليمية، بل لا بدّ أن يتوفر حافز اقتصادي يجعل الناس قادرة على ملاحظة المنافع من التعليم وتلمّسها. ولذلك يجب أن ترتبط الإصلاحات التعليمية بالقدرة الاستيعابية الاقتصادية المتطوّرة. وعلى من يتولّ السلطة بالمقابل أن يطبق السياسات التي تحث على الحرية والنمو الاقتصادي.تتنوع أنظمة الحكم وصيغها بشكل واسع في الشرق الأوسط حيث تتضمن ملكيات وحكومة مؤقتة، بسبب وجود قوات الاحتلال (في الأراضي الفلسطينية)، وديمقراطيات وجمهوريات وحكم إتحادي ودولة ذات حكم ديني (ثيوقراطي). وتعمل الطبيعة الدينية للشرق الأوسط على ظهور تحديات للسلطات الحاكمة، وتحديدًا لتلك التي تخضع لنظام السلطة المركزية. فالحكومات تميل نحو الحكم العلماني حارمين بذلك قطاعات كبيرة من الشعب من حقوقهم لأنهم يؤمنون بضرورة عدم إبعاد الدين عن الحكومة. أما الزعماء الدينيون الذين يتخطون حدودهم في الشؤون الحكومية فغالبًا ما يكون مصيرهم الزج بالسجون دون محاكمة. فتلك الحكومات التي تدّعي الديمقراطية تمتلك سلطة مركزية مشدّدة، وتؤثر تأثيرًا ظالمًا على المخرجات الانتخابية من خلال التحكّم على وسائل الإعلام والترهيب الشامل. وعندما تصبح الحكومات متسلطة على نحو مفرط فإن من يشعر بالقمع قد يردّ عبر الأعمال الإرهابية. وأفضل مثال على ذلك هو الاحتلال الإسرائيلي، فطالما يوجد القمع ستُخلق بيئة خصبة تؤدي بالنهاية إلى ظهور الحركات المتطرفة.[26] أما في ثنايا المجتمع فتوجد عناصر دينية معتدلة، لكنها لا تتمتع بالتأثير الذي يمتلكه المتطرفون، وغالبًا ما يُنظر لها على أنها مرتبطة بهم، وهذا ما يجعل العناصر الدينية المعتدلة منافسة للمتطرفين الذين يكتسبون الشعبية بسبب قدرتهم على استثمار السلطة والاستفادة منها. وهم على الأرجح يصلون للسلطة، كنشوء جماعات مثل حماس، عبر الوسائل الديمقراطية. إلا إنهم رغم ذلك قد لا يمثلون الناس، لاسيما المتدينون المعتدلون منهم. فعلى الأرجح ستظهر على الطريق تحديات حكم داخلية حتى مع وجود حماس المنتخبة، وعلى الرغم من ذلك ثمّة أمل باستطاعة القطاعات الدينية الأكثر اعتدالاً تخفيف الأبعاد المتطرفة.إن هيمنة الحكومة على وسائل الإعلام تزيد من تفاقم المشاكل التي تواجه المسلمين المعتدلين. فوسائل الإعلام تدار بواسطة فلسفة علمانية،[27] وهي تؤمّن للحكومة الهيمنة وتكرّس من حرمان المعتدلين الدينيين حقوقهم. ويعمل هذا على نشر فلسفة الحياة الليبرالية التي لا يؤيّدها العديد من المسلمين المعتدلين، ويمنح المتطرفين حصان طروادة لاستغلاله لأنه يمكّنهم من الارتباط مع المعتدلين بأرضية مشتركة. ولكل هذا تأثيره الواضح بتقوية مواقف المتطرفين، لأن الحكومة تمارس هيمنة مفرطة على وسائل الإعلام التي لا تقدم دورًا مسؤولاً لصالح المجتمع ككل.[28] وإذا ما وُجد الفساد في الحكومة فإنه على الأرجح سيبقى طي الكتمان، وهكذا سيتوهم عموم الناس أن حكومتهم صالحة وتسهر على رعايتهم كمواطنين. إلا أن الكثير من رجال الشارع بدأوا يدركون حقائق الأمور عبر وسائل أخرى.ستشكّل وسائل الإعلام عقبة بوجه الحكم الديمقراطي إلى أن يأتي الوقت الذي يمكن الوثوق بها لعرض ما هو أكثر من مجرد المنظور الذي تطرحه الحكومة، وسيكون هذا تحديًا هائلاً لأنه يجب على من يتولى السلطة أن يستعد للتخلي عن الهيمنة على وسائل الإعلام. وقد يظهر أن المراحل الأولى من الديمقراطية تفتقر إلى التقارير الإعلامية الموضوعية إلى أن يحين وقت تأسيس منظمات إخبارية مستقلة ومتحررة من تلقي العقوبات (الحكومية). وقد تتأتي أولى الخطوات المهمة بهذا الطريق عبر الاستهلال بتلقي معونة المنظمات الإخبارية الدولية والضغط من الدول الديمقراطية عبر الصحافة الحرة.
مخاطر الديمقراطية في الوقت الراهن
كما أسلفنا في هذا البحث، يتكوّن الشرق الأوسط من أنواع متعددة من أنظمة الحكم. ومعظمها يمثّل أنظمة حكم ملكية تهيمن على مناطق نفوذها وحكمها هيمنةً تامة. ولا يلوح في الأفق ما يشير إلى أن هذه الحكومات ستتخلى عن السلطة طواعيةً لصالح حكومة ديمقراطية. إلا إن ثمّة حاجة لنوع من أنواع الرؤية الموحّدة التي يمكن لها أن توحّد بلدان الشرق الأوسط بشكل أفضل بغض النظر عن شكل أنظمة حكمها. والمنظمات على غرار أوبيك وجامعة الدول العربية هي أمثلة على الهيئات التي تمثّل المصالح شرق الأوسطية، لكنها لا تعمل عمل منظمات وحدوية كاتحاد شمال أفريقيا مثلاً.[29] وقد يكون من صالح بلدان الشرق الأوسط أن تنظر بعين الاعتبار إلى نشوء الحكومات الأفريقية لأنها تعمل على تنظيم نفسها على أساس إقليمي رغم اختلاف أنظمة الحكم.وبالنظر لعدد الملكيات الموجودة في منطقة الشرق الأوسط، فلا غرابة أن تتعلق الشعوب بالنظر للحكومات من أجل رفاهيتهم. ولطالما كان هذا هو الوضع السائد تاريخيًا. وكإطار عام، ظلّت طبيعة كل شعب من هذه الشعوب تعتمد على تلقي الرعاية والمساندة من الحكومات. وكان هذا الوضع مقبولاً في عهد القيادات الجيدة، ولكن تحت ظل القادة الفاسدون والذين لا يتمتعون بالثقة فإن الجموع الجماهيرية لا تتمتع بالتمثيل (السياسي) ولا النزول لتلبية متطلباتهم. ومجددًا، تضعنا الديمقراطية في وجه التحديات، فلا بدّ من تبني المبادرة الفردية ومكافأتها حتى يتمكن عضو المجتمع من إدراك أهمية السعي نحو تحقيق حاجاته المصيرية بدلاً من الاعتماد على الحكومة لتوفير ذلك له. سوف يستغرق هذا زمنًا، ويتطلب إنجازه وجود قيادة قوية، وتأسيس اقتصاد وقواعد عمل مدعومة.
وجهات النظر المختلفة بين الثقافتين شرق الأوسطية والغربية حيال الديمقراطية
إن الأمل بتطبيق الديمقراطية في الشرق الأوسط على المدى الطويل غير منعدم، لكن هذه الديمقراطية قد لا تسير حسب النموذج الغربي. فالديمقراطية في هذه المنطقة ملزمة بتفسير التغيير الواسع في أنواع الحكومات، ولا بدّ أن تعمل على صياغة فكرة مشتركة تصهر الشرق الأوسط معًا كمنطقة موحّدة. وهنا تنبع الخطورة، فهنالك حاليًا معركة تندلع بين كل من المتطرفين والمعتدلين والغرب.[30] وكلٌّ من هذه الأطراف يبذل كل ما بوسعه لتحقيق هيمنته وأسلوب الحياة الذي يمثل مصالحه.
مستقبل الديمقراطية في الشرق الأوسط
يرى المتطرفون أن (عودة) الخلافة يمثل هدفًا نهائيًا، بينما يراقب المعتدلون ولادة الديمقراطيات في بلدان مثل مصر وسورية ولبنان واليمن. ومن الملاحظ أيضًا أن فلسطين تحوز على انتباه العالم مع تقدّم حماس نحو الواجهة. أما السؤال الذي يثار في حال نشَأت الديمقراطيات فهو كالآتي: ما الذي سيكون عليه شكل هذه الديمقراطيات؟ أضع ثلاثة فرضيات لمناقشتها على أرض الواقع:أولا: أن تستحوذ الديمقراطيات التي تحتوي على توجهات متطرفة، كحماس، على مراكز متقدمة بحكم أنها منظّمة بشكل فعّال وتلبي احتياجات الجماهير التي تنوب عنها. ويتمثّل التحدي هنا: هل يستطيعون أم لا يستطيعون المنافسة بكفاءة على المسرح العالمي دون أن يعزلوا أنفسهم عن المحيط العالمي، وهو ما سيؤدي بالنهاية إلى انكشافهم أمام ناخبيهم؟
ثانيا: ستكون هذه الصيغة عبر التقليد الذي يتبعه المعتدلون كما في مصر ولبنان حيث لا يشيع قبول للأفكار المتطرفة بسهولة، إلا إن المشاكل الناجمة عن تفشي الفساد داخل الحكومات غير ظاهرة أو واضحة لعموم الناس ولا يفهمونها فهمًا سليمًا. ومن الأهمية بمكان لتجنب الانجذاب نحو المناهج المتطرفة أن تبيّن هذه الديمقراطيات أسلوب الحياة الأفضل للناس هو عبر حكومة منتخبة.ثالثا: الصيغة الأخيرة، وهي الاحتمال الأقل رجحانًا، وتتمثّل بالصيغة الغربية للديمقراطية. ويظل هذا خيارًا قائمًا ويشكّل نموذجًا للديمقراطية في الشرق الأوسط، لكن تعقيدات الوضع السائد في المنطقة يجعل من خيار التشابه مع النموذج الغربي خيارًا صعب التحقيق. إن إقامة ديمقراطية ناجحة في العراق سيعمل على تقديم نموذج قابل للتطبيق لدول الخليج في المستقبل، فإذا نجح هذا النموذج فإن ذلك قد ينسحب على الديمقراطيات المعتدلة التي ستنشأ في المستقبل. وسيبرهن هذا على أن الصراعات متعددة العرقية (السنية، الشيعية) يمكن حلها حلاً سلميًا وأنه بالإمكان السيطرة عليها عبر أسلوب موحّد. وسيثبت هذا أيضًا أن الديمقراطية قادرة على حل مشكلة الفقر وانتشاره في المنطقة وتحقيق الحياة ذات النوعية الأفضل.
الاستنتاجات والتوصيات
سيكون التعليم ووسائل الإعلام عاملان مساعدان رئيسان نحو إقامة الديمقراطية. ولا بد من وجود نقلة تعمل على تغيير الوسائل التي تسيطر عليها الدولة نحو الوسائل التي يتحكّم بها الشعب. ومع اتساع شهرة وسائل الإعلام كالشبكة العنكبوتية (الانترنت) والتلفاز، فإن قدرتها على التأثير على التعليم من الأسفل إلى الأعلى ستفضي إلى تحفيز الجماهير. من الواضح أن المتطرفين يدركون قوة وسائل الإعلام ويعملون على اكتساب التأثير في الناس من خلال استخدامها.[31]
فلا بد من إبراز حقيقة أن أسلوب الحياة المعتدل هو الطريق الأفضل، إذا كان هناك سعي لنجاح الديمقراطية.إن دور الدين في الحكومة سيكون محوريًا ضمن العديد من الأدوار الأخرى. فالمنظور المعتدل يشير إلى وجود مكان ما للمعتقدات الإسلامية. ومن الناحية التاريخية، يُعتبر وجود الديمقراطيات بما تشمله من دين تحديًا قائمًا، لكن هذا لا يعني أن الشرق الأوسط لن ينجح به. ولا بدّ من وجود إدراك ديني مشترك بين جميع العرقيات والثقافات، كما يجب مراعاة المعتقدات غير الإسلامية واحترامها.يتحتّم على منطقة الشرق الأوسط تقديم نظرة ذاتية بنفس الطريقة التي ينظر من خلالها الاتحاد الأوروبي لذاته. فكلاهما يعكسان أوضاع بلدان ذات ثقافات متباينة وذات مستويات معيشية مختلفة، إلا إن على الشرق الأوسط ملاحظة الحاجة للتنظيم على النحو الذي جرى به الإصلاح في أوروبا- اقتصاديا وأمنيًا وعلى مستوى التأثير الدولي. ويجب على منطقة الشرق الأوسط أن تنظّم نفسها لذات الأسباب السالفة. وسيعمل هذا الأمر على الدفع بالشرق الأوسط ليكون منطقة واحدة، وقد يتبنى نشاط السوق الحرة الذي يشجع عملية التطور الديمقراطي. وأخيرًا، فإن على بقية العالم أن يتحرّى طُرق بذل المساعدة للشرق الأوسط النامي لدعم القيم الديمقراطية ووسائلها. أما البداية الجيدة للسير على هذا الطريق فتتمثّل بالاستثمار بالوسائل التعليمية.
ترجمة: فيصل كريم الظفيري
الهوامش
1 "زايد والبترول العربي" متوفر في الرابطhttp://www.alemarati.net/zayed/aldam.htm
2 فيصل حمدان "هل الهدنة الفلسطينية لا تزال حية" متوفر في الرابطhttp://www.amin.org/views/uncat/2003/july/jul093
3 سعد الدين إبراهيم "الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط." مركز الدراسات الإسلام والديمقراطية. http://www.islam-democracy.org/ar/4th_Annual_Conference-Ibrahim_address.aspx
4 مركز القدس للدراسات السياسية، نظّم ورشة عمل إقليمية بعنوان "الإصلاح في العالم العربي: الفرص والعوائق لسيناريو الازدهار" بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناورhttp://alqudscenter.org/arabic/pages.php?local_type=122&local_details=1&idd=49
5 المصدر السابق
6 معتز سلام، "السياسة الأمريكية والرد العربي" مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية. متوفر في الرابطhttp://acpss.ahram.org.eg/ahram/1/1/RE1D14.HTM.
7د. عبد الرازق الداوي، حقوق الإنسان بين القيم والسياسة. المركز العربي للدراسات السياسية. متوفر في الرابطhttp://amanjordan.org/aman_studies/wmview.php?ArtID=790
8 معتز سلام، "السياسة الأمريكية والرد العربي" مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية. متوفر في الرابط http://www.ahram.org.eg/acpss/ahram/2w001/1/1/SBOK48.HTM
9 وحيد عبد المجيد. السياسة الأمريكية والحركات الإسلامية: بداية تحول لم يكتمل. مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية. متوفر في الرابطhttp://www.ecssr.ac,ae/CDA/ar/eaturedTopics/displayTopics/0,2251,355-97-32,00htm
10 كينيث كاتسمان. "الديمقراطية ليست دواء سحريا ضد الإرهاب". مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية. متوفر في الرابطhttp://ecssr.ac.ae/CDA/ar/eaturedTopics/DisplayTopic/0,2251,355-97-32,00.html
11 هاني نسيرة. "الليبراليون الجدد في المنطقة العربية". متوفر في الرابط http://www.ikhwan-muslimoon-syria.org/05thakafa_fiker/liberal.htm
12 الشورى في نظام الحكم الإسلامي. متوفر في الرابطhttp://www.islamunveiled.org/arb/ree/books/book13.htm
13 السابق
14 السابق
15 السابق
16 السابق
17 شبكة النبأ المعلوماتية. "لماذا ترك المسلمون واجبهم ليعلموا الآخرين في أمريكا". متوفر في الرابطhttp://www.annabaa.org/nbanews/43/124.htm
18 جون لويس ساربيب. "البنك الدولي والمشرق العربي بعد الحادي عشر من سبتمبر 2011". مركز المشرق العربي للدراسات الإستراتيجية والحضارية. متوفر في الرابطhttp://www.ashaqalarabi.org.uk/center/mutabaat-bank.htm
19 فهيمة السعيدي. الوحدة والاندماج وأثرهما على إحياء اقتصاد العالم الإسلامي. متوفر في الرابطhttp://www.taghrib.org/arabic/nashat.maidania/dowl/eqame/13/a-13-04.htm
20 السابق
21 السابق
22 العولمة والاقتصاد السياسي، المؤسسة العربية للدراسات الإستراتيجية والبحوث. متوفر في الرابطhttp://www.airss-forum.com/Details.asp?id=451
23 د. خالد شوكت، "انهيار الصنم". متوفر في الرابطhttp://www.arabtimes.com/AAA/Jan/doc118.html
24 السابق
25 لقاء الرئيس مبارك بطلبة الجامعة وأساتذتهم. الأهرام عدد 41902، 27 أغسطس 2001. متوفر الرابطhttp://www.ahram.org.eg/Archive/2001/8/27/RON2.HTM
26 د. أحمد صبحي منصور. "شجرة -الإخوان المسلمين- زرعها السعوديون في مصر". متوفر في الرابطhttp://www.syriamirror.net/modules/news/article.php?storyid=9538
27 صلاح الدين حافظ. "حرية وسائل الإعلام العربية في موقف خطير". الأهرام، العدد 41099 في 16 يونيو 1999. متوفر في الرابط http://www.ahram.org.eg/Archive/1999/6/16/PIN1.HTM
28 السابق
29 زكريا نيل. "هل فشل العرب في إنجاز عمل تاريخي يؤهلهم لدخول القرن الجديد". الأهرام، عدد 41193 في 18 سبتمبر 1999. متوفر في الرابط http://yyy.ahram.org.eg/archive/1999/9/18/OPIN3.HTM
30 "أمريكا والفجوة بين الأقوال والأفعال" بواسطة برنامج المحيط. العربية في 22 أبريل 2005. متوفر في الرابط http://www.alarabiya.net/Articles/2005/04/24/12465.htm
31 صلاح الدين حافظ. حرية الصحافة بين العنف والإرهاب. الأهرام، عدد 41715 في 21 فبراير 2001 متوفر في الرابط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق