الأربعاء، 5 أكتوبر 2011

شرم الشيخ.. "جمهورية حسين سالم المستقلة"..


 صديق مبارك الهارب يبيع المياه للفنادق والمنتجعات.. وقبيلة القرشية تحمى أملاكه.. برغم المحاكمات التى تنتظره مازال يسيطر على خليج نعمة والسوق القديم


ما زال قصر مبارك محصنا بالقوات الأمنية التى لم تنسحب كما فعلت فى باقى أجزاء المدينة، وما زالت رائحة النظام السابق تفوح من كل شبر اشتراه رموزه بتراب الأموال، بينما تضخ الملايين فى خزانتهم، ملامح تستطيع أن تستشفها بمجرد أن تطأ أقدامك شرم الشيخ، تلك المدينة التى قسم كعكتها النظام السابق بين رجال أعماله، ويحكمها رأس مال "الفلول" حتى هذه اللحظة ليحول دون وصول الثورة إليها بعد.

5 أيام قضيتها داخل مدينة السلام، بحثا عن أسرار المدينة التى اقتصر ظهورها فى وسائل الإعلام منذ رحيل مبارك عنها، على احتجاجات مرشدى السياحة ضد العمالة الأجنبية، بينما تبدو هادئة من الناحية الأمنية، نظرا لقيام بدو جنوب سيناء بدور جديد وهو حماية الممتلكات داخل المدينة نظير مقابل مادى من أصحابها، وهو ما يساعد على قدرة شرم الشيخ فى على الحفاظ على استثماراتها رغم سيل الخسائر المالية والانفلات الذى تشهده فى باقى المحافظات.

التجول فى شوارع شرم الشيخ يجعلك تدرك أن التغيير الذى تطالب به الثورة لم يصل إليها بعد، وهو ما يظهر فى استمرار رجال الوطنى فى ممارسة نشاطهم كما كان فى الماضى، حيث يقومون بتأجير كل شبر داخل المدينة بمبالغ تصل إلى 130 ألف جنيه بداية من الشواطئ والمنتجعات وأرصفة الشوارع .

كما تشهد تلك المدينة فى الوقت الحالى، توغلا إسرائيليا يسعى إلى ضرب السياحة فيها مستغلا عدم الرقابة على تصاريح عمل المرشدين والعمال وأصحاب المحلات .

المحاكمة القضائية التى تلاحق حسين سالم، رجل الأعمال الهارب إلى أسبانيا، لم تمنعه من الاستمرار فى أحكام قبضته على أهم الاستثمارات فى شرم الشيخ وبالتحديد فى خليج نعمة ومنطقة السوق القديم، فضلا عن ملاعب الجولف التى يمتلكها .
خريطة الاستثمارت داخل شرم الشيخ تكشف عن تقسيم – ضمنى - بين رجال الأعمال المنتمين للحزب الوطنى المنحل فى كل منطقة، وهم حسين سالم وجمال عمر ومجدى بيومى، ففى الوقت الذى تجد فيه حسين سالم، رجل الأعمال الهارب والصديق المقرب من عائلة مبارك، مستحوذا على أكثر المحال التجارية داخل خليج نعمة، تجد جمال عمر، وهو نائب الوطنى فى مجلس الشعب السابق ببنى سويف، مستحوذا على نصيب الأسد من المحال التجارية فى السوق القديم، وكلاهما اشتركا فى إهداء مبارك قصرين داخل منتجعاتهم السياحية، أحدهما فى "جولى فيل" الخاصة بحسين سالم، والقصر الآخر فى "التاور" الخاص بجمال عمر.

أما مجدى بيومى فهو عضو الوطنى بمجلس الشعب السابق فى بنى سويف، فهو لا يزال يمارس نشاطه التجارى فى القرية السياحسة والمحال التى يمتلكها داخل السوق القديم .

أحد المصادر داخل مجلس المدينة، أوضح أن رجال أعمال الوطنى استولوا على الأراضى والمحال التى كان يطرحها المجلس للشباب بأسعار منخفضة بحد أقصى 250 جنيها شهريا، مشيرا إلى أن ذلك يتم عن طريق دفع مبالغ مالية لعدد من الموظفين لتأجير تلك الأراضى، حيث إن الحد الأقصى للتملك لا يتجاوز 200 متر للفرد، ثم يقومون بعمل توكيلات بعدها إلى رجل الإعمال، لبيعها، أو بناء مشروعات استثمارية فوقها .

أصحاب المحلات أكدوا أن إيجارات المحلات التى يمتلكها رجال الوطنى ارتفع سعر بعضها العام الحالى من 65 ألف جنيه إلى 130 ألف جنيه شهريا فى خليج نعمة، بينما تصل إلى 20 ألف جنيه فى السوق القديم، كما كشفوا عن قيام رجال الأعمال بالاستيلاء على الرصيف المقابل لمحلاتهم فى منطقة خليج نعمة، وتأجيرها إلى أصحاب الكافتيريات والمطاعم بأسعار تصل إلى 70 ألف جنيه والاكتفاء بدفع 400 جنيه سنويا للمحافظة، كغرامة أشغال طريق!

ولا يستحوذ رجال الأعمال فى شرم الشيخ على الأراضى فقط بل يمتد تواجدهم أيضا إلى درجة بيع المياه التى تعتمد بشكل أساسى على محطة تحليه المياه المملوكة لحسين سالم، والتى تغذى معظم الفنادق والمنتجعات السياحية فى شرم الشيخ، وتقف حائلا ضد استكمال المحافظة لضخ المياه إلى جميع أرجاء شرم الشيخ، ووفقا لمصادر أكدت لـنا أن أنابيب المياه قد مدت بالفعل حتى منطقة مارينا بخليج نعمة، لكن أصحاب النفوذ يمنعون ضخ المياه هناك، حتى تظل الفنادق السياحية معتمدة على هذه المحطة، وكذلك حتى لا يؤدى توفر المياه إلى سهولة الحياة فى المدينة، فتنجذب شرائح جديدة، وتنخفض الاسعار تحت ضغط تلك الوافدون الجدد.

حتى الشواطئ لم تفلت من قيام النظام السابق ببيعها لمن يدفع أكثر ولا عزاء للمواطن الفقير، ويستولى منتجعات حسين سالم تقريبا على أغلب الشواطئ الموجودة فى شرم الشيخ، ولا يمتلك مجلس المدينة مساحة صغيرة لا تستطيع أن تحتوى إلا على عدد قليل من المصطافين مقابل 10 جنيهات للفرد، وهو ما أوضحه العاملين بالمجلس أن المحافظة كانت مخصصة مساحة كبيرة لتكون شاطئ عام إلا أن المجلس قام بتأجير جزء منها إلى أحد المنتجعات السياحية مقابل 70 ألف جنيه بحجة " تحقيق خسائر " وهو ما نفاه العاملين بالمجلس، مؤكدين أن الشاطئ كان يحقق أرباحا كثيرة، وهو ما يؤكد أن المواطن لم يكن يسوى أمام النظام السابق شىء.

التجول فى طرقات المدينة يلفت نظرك إلى ملاحظة أساسية وهى التباين فى التواجد الأمنى، لتكتشف ارتباط تواجد الأمن بكثافة بمدى وجود استثمارات رجال الأعمال فى المنطقة، وهو الأمر الذى يظهر فى تركز أحد كمائن الشرطة أمام منتجع حسين سالم، وهو الأمر نفسه بالنسبة للطريق المؤدى إلى قصر مبارك، حيث ما زال محصنا عن طريق حراسته الخاصة التى وضعت الحواجز الأمنية فى بداية الطريق المؤدى إلى القصر، الأمر الذى أدى إلى منعنا من المرور فى الشارع، حيث إن التعليمات تقضى بعدم الدخول إلا بتصريح أمنى .

مشاهد التباين الأمنى السابق هى نفسها التى تتضح بين كثافة تواجده فى "خليج نعمة" التى تزداد فيه استثمارات رجال الأعمال، بينما غاب عن معظم محال السوق القديم والتى تبقى حمايتها فى ايدى مستأجريها وتتمركز كمائنها فى الأساس حول المشروعات الاستثمارية المملوكة لكبار رجال الأعمال .

البحث عن تفسير الاستقرار الأمنى داخل المدينة بالرغم من أنها تبدو كعكة دسمة للبلطجة التى تسيطر على باقى المحافظات، تجده فى " البدو " فهم كلمة السر، حيث باتوا يتولون مسئولية الحفاظ على أمن عدد من الفنادق فى المناطق السياحية، من خلال استعانة رجال الأعمال بهم، كما فعل وكيل رجل الأعمال الهارب حسين سالم، حين استعان بأفراد من قبيلة القرشية لتامين أملاكه بمنطقة خليج نعمة عقب الثورة، هذا بالإضافة إلى قيام قبائل بعينها من البدو تعرض حماية المنشآت السياحية بمقابل مادى، كما أخبرنا "شعبان" أحد العاملين فى شركة توريدات غذائية لشرم الشيخ، والتى تدفع شركته للبدو نحو 3 آلاف جنيه شهريا، مقابل حماية شاحناتها ومخازنها، وأضاف شعبان "عرض بدو من قبيلة مزينة على مدير الشركة أن يقوم على حمايتها من السرقة، مؤكدين أنهم أهل البلد ولن يستطيع أحد الاقتراب من العاملين بالشركة إذا علموا أنهم فى حماية البدو"، ويضيف "شعبان" أن البدو أحيانا ما يعاونون الشركة فى جمع أموالها المستحقة من الفنادق والمنتجعات السياحية، خاصة من يماطل منهم فى الدفع، وذلك مقابل الحصول على نسبة 50% من المبلغ الذى يتم تحصيله، وهو الأمر الذى فسره سائق التاكسى "فرج"، المنتمى إلى قبيلة المزينة، قائلا إن البدو يتعاملون وفقا لقانونهم العرفى، الذى لا يعيب الحصول على مزايا مالية من الغرباء، مقابل توفير الحماية على أرض أجدادهم.

من ناحية أخرى، أكد عدد من سكان المدينة لـنا أن البدو لعبوا دورا كبيرا فى حماية المدينة عقب اندلاع الثورة بدون مقابل، وبعد أن بدل رجال الشرطة ملابسهم الملكية خوفا من الغضب الشعبى، مع استمرارهم فى مواقعهم بملابسهم المدنية لحفظ الأمن فى المدينة، وأكد لنا الشيخ جمعة المنتمى إلى قبيلة السواركة، وصاحب أحد المنتجعات السياحية، أن القبائل البدوية اجتمعت مساء يوم جمعة الغضب 28 مع القيادات الأمنية، وقرروا اختيار فرد من كل قبيلة للوقوف مع العناصر الأمنية فى الكمائن لمنع أى عناصر شغب، كما تصدى بدو جنوب سيناء لمحاولات بدو الشمال لحرق قسم الشرطة فى الجنوب، وأضاف الشيخ جمعة أن مساندة بدو الجنوب للآمن فى سيناء كان يهدف فى المقام الأول إلى المحافظة على مصدر رزقهم، المتمثل فى السياحة، وتحقيق بيئة أمنة للجذب السياحى، وهى أهداف حيوية بالنسبة لبدو الجنوب، يبدو أمامها إسقاط النظام أمر هامشى، يضيف جمعة "فى جنوب سينا أكل العيش أهم من السياسية، واللى عايز يتظاهر يروح يتظاهر فى ميدان التحرير".

العاملون داخل شرم الشيخ أكدوا أن ظاهرة "المتسولين" الذين انتشروا فى شوارع المدينة عقب سقوط النظام بدأت تختفى مع بدء تطبيق قانون الطوارئ، إلا أنه عادت إلى الأذهان مشاهد التفتيش والترحيل التى كان يفرض عليهم طوال فترة ما قبل الثورة، حيث أكد العاملون أن العمل داخل المدينة كان يشترط استخراج كارنيه البحث الجنائى وتجديده كل ستة أشهر، والتى وصفوا إجراءاتها بأنها كانت روتينية ومعقدة ولا تخلو من بذل الإكراميات، حتى لا يتم تسليمه بعد انتهاء مدته.

صبحى، أحد العاملين فى محل ملابس فى السوق القديم، أكد أن عدم الحصول على كارنيه البحث الجنائى كان يعرض العاملين فى شرم الشيخ إلى "الترحيل"، حيث يتم القبض عليهم واحتجازهم فى قسم طور سيناء، قبل نقلهم إلى قسم الخليفة فى القاهرة، وإطلاق سراحهم بعد عدة إجراءات معقدة، ويقول العاملون بالمدينة إن دوريات الشرطة أحيانا ما كانت تقوم باحتجاز وترحيل من يحملون كارنيهات البحث الجنائى تلك، لمجرد الاشتباه، أو فى حالة عدم دفع مبلغ بعينه إلى أمين الشرطة، ولم يكن يستثنى فقط غير العاملين فى محال ملك لرجال أعمال ذوى نفوذ، ممن كانت تعمل الشرطة فى النظام السابق على حماية أملاكهم، ولا تتعرض للعاملين لديهم أبدا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Ads Inside Post