دراسة بحثية للقوات
الجوية المصرية
دراسة وبحث / أيمن الحسيني
( الشعار الحالي للقوات الجوية
المصرية يتكون من ثلاث دوائر متداخلة من الألون الأساسية في علم مصر : الأحمر ، الأبيض ، والأسود
. منذ عام 1961 حتى عام 1973 كان الشعار مشابه للشعار الحالي عدا أنه كان يحتوى على نجمتان خضراوتان في الدائرة
الداخلية . وأول شعار لقوات الجوية المصرية كان يتكون من ثلاثة دوائر الأولى والداخلية
خضراء والوسطى بيضاء ويتوسط الدائرة الداخلية شعار المملكة المصرية، أي الهلال والنجمات
الثلاث . )
"إلى العلا... في سبيل المجد"
هي فرع الطيران العسكري في القوات المسلحة المصرية . ساهمت القوات
الجوية المصرية منذ نشائها في العديد من المعارك والنزاعات التي دارت أحداثها في
الشرق الأوسط ، معظمها إن لم يكن كلها كان في إطار الصراع العربي الإسرائيلي .
أنشأت القوات
الجوية المصرية بطلب مقدم من البرلمان المصري إلى الحكومة عام 1928، وفي ذلك الحين
كانت لا تزال جزءًا من الجيش المصري ، قبل أن يُصدر قرار ملكي بتحويلها إلى فرع
مستقل ، ومنذ ذلك الحين شاركت في معظم نزاعات المنطقة مثل حرب سنة 1948، حرب اليمن
، حرب سنة 1967، حرب الاستنزاف ، حرب أكتوبر سنة 1973، والمناوشات المصرية الليبية
.
القائد
الحالي للقوات الجوية هو الفريق جوي رضا محمود حافظ محمد وهو يشغل هذا المنصب منذ
مارس 2008.
تملك القوات
الجوية المصرية حاليًا ما يقارب من 569 طائرة ما بين مقاتلة وقاذفة وحوالي 149
مروحية مما يجعل القوات الجوية المصرية الأكبر حجما في كل من أفريقيا والشرق
الأوسط ، أما بالنسبة للقدرات القتالية فتعتبر القوات الجوية المصرية الأقوى في
أفريقيا وأقوى أسلحة الجو في المنطقة بعد إسرائيل وقبل تركيا .
للقوات
الجوية المصرية 17 قاعدة جوية رئيسية من أصل 40 منشأة جوية رئيسية ، بالإضافة إلى
قواعد الاحتياط والخدمة المنتشرة في أرجاء مصر، وأكثر من
30,000 موظف منهم 10,000 مجند .
العمود
الفقري للقوات الجوية المصرية هو 220 مقاتلة من نوع إف-16 فالكون الأمريكية الصنع
، بذلك تكون رابع أكبر مستخدم لتلك الطائرات في العالم .
ظهرت القوات
الجوية المصرية في الثقافة العامة عن طريق الأفلام السينمائية بشكل خاص ، كما ظهرت
بعض الأحداث التي شاركت فيها في أفلام أخرى مثل أيام السادات الذي تحدث في جزء
بسيط منه عن استخدام جميع الطائرات الحربية وطائرات التدريب في قصف المواقع
الإسرائيلية .
الإنشاء :
طلب البرلمان
المصري من الحكومة في عام 1928 إنشاء قوات جوية مصرية ، وقامت وزارة الحربية
بإعلان احتياجها لمتطوعين لهذا السلاح الجديد وقام حينها مئتا ضابط بالتطوع لهذا
السلاح الجديد . بعد اختبارات طبية وفنية متعددة صارمة نجح ثلاثة منهم ، هم : عبد
المنعم ميجاويتي ، حمد عبد الرازق ، وفؤاد عبد الحميد حجاج , ثم أرسلوا إلى مدرسة
الطيران الملكية البريطانية في أبو صوير قرب قناة السويس لتدريبهم على الطيران
وبعد التخرج من مدرسة الطيران سافروا إلى بريطانيا للتدريب المتخصص .
في 30 نوفمبر
قام الملك فؤاد الأول باتخاذ قرار إنشاء سلاح الجو المصري تحت اسم "القوات
الجوية للجيش المصري" .
قامت شركة دي هافلاند البريطانية في 30 سبتمبر
بالفوز بعقد توريد 10 طائرات دي إتش - 60 تايجر موث. أرادت الشركة البريطانية شحن
الطائرات في سفن إلى الإسكندرية ولكن الإصرار المصري أدى إلى عودة الطائرات إلى
بريطانيا .
في 23 مايو 1932 أقلعت 5 طائرات تايجر موث مصرية
من أصل عشرة من قاعدة هاتفيلد الجوية شمال لندن .
حلق الطيارون المصريون الثلاثة ، وإثنان
بريطانيون بالطائرات وهبطوا في قاعدة ألماظة الجوية شمال شرق القاهرة في يوم 2
يونيو وسط احتفال شعبي كبير بحضور الملك .
كان تلك هي
بداية سلاح الجو المصري الذي كان يُشكل جزءًا غير مستقل من الجيش المصري ، أما أول
قائد لسلاح الجو المصري فكان فيكتور هيربيرت تايت الكندي الجنسية ، الذي بدأ في
انتقاء الأفراد وتدريبهم وبناء القواعد الجوية واختيار الأسلحة بنفسه ، حيث كانت
المهام الأساسية للقوات الجوية في الجيش المصري في ذاك الوقت وحتى عام 1937 هي
مكافحة تجارة المخدرات والتصوير الجغرافي .
وافقت
بريطانيا في عام 1934 على توريد 10 طائرات أفرو 26 التي تعتبر أول طائرة عسكرية
مصرية ,
شترت مصر بعد ذلك 7 طائرة أخرى من نوع أفرو 626 وبذلك أصبح عدد الطائرات
افرو 626 سبعة عشر، استمرت بالخدمة حتى عام 1944، حيث استبدلتها الحكومة المصرية
بعدّة قاذفات قنابل خفيفة من نوع هوكر هارت وطائرات أفرو أنسون .
شملت طائرات
القوات الجوية في تاريخ 26 أبريل 1937 ما يلي : 16
طائرة أفرو 626 ، 6 طائرات دي هافلاند 6 , 6 طائرات هوكر أودكس ، طائرة
أفرو 642 ، طائرة أفرو 652 ، و طائرة ويستلاند أفرو .
ووصل تعداد
الأفراد التابعين للقوات الجوية آنذاك إلى 27 ضابط مصري ، 3 ضباط إنجليز ، وبلغ
إجمالي الفنيين 415 فنيًا .
أما القاعدة
الجوية الرئيسية فكانت قاعدة ألماظة الجوية، وفي وقتلاحق تم بناء قاعدة جديدة في
منطقة قناة السويس ، ومطار الدخيلة في الصحراء الغربية.
في عام 1937
فصل الملك فاروق سلاح الجو من الجيش المصري وجعله سلاحًا مستقلًا بذاته وأسماه
"القوات الجوية الملكية المصرية" .
في عام 1938 اشترت القوات الجوية الملكية
المصرية سربين من طائرات المقاتلة "جلوستر جلادياتور" وسرب من الطائرات
المقاتلة "ويست لاند لاي ساندر" ( بالإنجليزية : Westland
Lysander ) .
كانت القوات الجوية الملكية المصرية آخر سلاح جو
يستخدم تلك المقاتلات ، وكان ذلك في
حرب فلسطين
عام 1948.
صورة لأول ثلاث طيارين مصريين .
(سيأتي يوم يستطيع الطيران لوحده إجبار الخصم على الخضوع
لشروط الحرب من دون خوض عمليات برية أو بحرية )
عندما قال جوليو دوهيت العسكري الايطالي الشهير هذه
العبارات في الثلاثينيات من القرن الماضي لم يكن وهما أو خياليا فالسيطرة الجوية
هي السلاح القوي وبالذات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945م حيث تطورت القدرة
الجوية وفرضت تأثيرها الواضح في ميادين الحروب حتى أصبحت القوة الرئيسية واليد
الطولى للدول الكبرى صاحبة فكرة وتصنيع وتطوير هذا لسلاح القوي والفتاك ،وهناك
أمثلة واضحة في الحروب الحديثة على أن الطيران كان له الحسم الفاصل وهناك معركة
كاملة لم تشهد نزول دبابة واحدة إلى أرضها أو جندي مشاة بل كانت كلها من بدايتها
إلى نهايتها جوية 100% ألا وهي حرب البلقان في نهاية القرن الماضي 1999م .
الحرب العالمية الثانية :
انتشار القتال في الحرب العالمية الثانية
مع زيادة
تهديد القوات النازية والإيطالية للحدود المصرية اضطرت القوات الجوية لبناء المزيد
من القواعد ، بما أن الدول الأخرى كانت تنظر للقوات الجوية الملكية المصرية بأنها
جزء من سلاح الجو الملكي نصاع للسياسة البريطانية .
خلال الحرب
قامت القوات الجوية الملكية المصرية بعمليات مراقبة على طول ساحل البحر الأحمر
لمتابعة تحركات البحرية النازية وذلك بناءًا على طلب من بريطانيا .
وصدت
طائراتها غارات الطائرات الألمانية والإيطالية وأسقطت طائرة ألمانية هينكل هي
الثالثة .
زودت
بريطانيا مصر بطائرات إضافية جديدة من الأنواع التالية :
· 4 طائرات
هوكر هيريكانز .
·
6 طائرات توماهوك بيه -40.
وبعد هذا
أجرت الحكومة المصرية مفاوضات مع بريطانيا لشراء المزيد من طائرات توماهوك بي 40
لاستبدال جلوستر جلادياتور إم كيه-1، ولكن بريطانيا لم توافق على ذلك، وبدلاً من
هذا وافقت على تطوير جلوستر جلادياتور إلى إم كيه-2.
بعد الحرب
منحت بريطانيا لمصر 30 طائرة سوبر مارين سبت فاير ( بالإنجليزية : Supermarine
Spitfire ) زائدة عن
حاجتها . ثم اشترت القوات الجوية الملكية المصرية طائرات مقاتلة وتدريبية إيطالية
من نوع ماتشي كاستولدي الرابعة ( بالإنجليزية : Macchi
Castoldi V ) .
طائرة من نوع سبت فاير
حرب سنة 1948 :
بعدما قامت قوات الاحتلال البريطاني بالانسحاب من فلسطين واحتلال القوات الإسرائيلية
لها في 14 مايو 1948، أعلنت الدول العربية الحرب على الدخيل الجديد في المنطقة .
اماكن تمركز اليهود في فلسطين
ساهمت القوات الجوية المصرية في هذا النزاع بطائراتها المقاتلة سوبر مارين سبت
فاير وسي 47 سكاي تران ( بالإنجليزية : Douglas
C-47 Skytrain
) التي أسقطت طائرتين إسرائيليتين لكنها تعرضت إلى الكثير من الخسائر الفادحة
نتيجة لقلة التدريب بسبب عدم سماح بريطانيا بتطوير كفاءة الطيارين المصريين .
ففي 22 مايو سنة 1948 قامت خمسة طائرات سوبر مارين سبت فاير المصرية بالهجوم على نفس النوع من الطائرات
التابعة للقوات الجوية الملكية البريطانية في قاعدة رامات ديفيد شمال حيفا اعتقادا
منها بأن بريطانيا أعطتها إلى إسرائيل .
كان الهجوم على غارتان
: كانت الغارة الأولى مفاجأة للقوات الجوية الملكية
البريطانية حيث تم تدمير العديد من طائراتها على الأرض وتدمير تلك القاعدة ومقتل العديد
من الطيارين والعاملين بها ، وقد أعلنت بريطانيا أنها لم تكن متأكدة مما إذا صدر الهجوم
من مصر أم من إسرائيل؛ أما الغارة الثانية فوقعت مباشرة بعد الغارة الأولى ، وقامت
بها خمس طائرات سوبر مارين سبت فاير مصرية، لكنها لاقت دفاعًا جيدًا، فأسقطتها جميعا
طائرات سوبر مارين سبت فاير بريطانية , كان تلك المرة الوحيدة
التي قاتلت الطائرات سوبر مارين سبت فاير طائرات من نفس النوع .
عادت العلاقات المصرية
البريطانية سريعًا إلى ما كانت عليه، لكنها استمرت في حالة حرب مع إسرائيل، مما حدا
بمصر أن تجلب المزيد من السلاح .
طائرة جلوستر ميتور اف-4
بسبب الحرب المستمرة بين مصر وإسرائيل ، إشترت القوات الجوية المصرية الطراز
الجديد من سوبر مارين سبت فير وهو إم كي 22 ( Mk22 ) .
في أواخر عام 1949 حصلت مصر على أول طائرة نفاثة وكانت جلوستر ميتور إف - 4 ( بالإنجليزية : Gloster Meteor F4) بريطانية الصنع ثم
على مواطنتها دي هافيلاند فامبير (بالإنجليزية : de Havilland Vampire ) ، والمقاتلات ماتشي إم سي 205 في ( بالإيطالية : Macchi MC205V ) من إيطاليا .
في أواخر عام 1951، جرت مفاوضات بين الطرفين المصري والبريطاني على تجميع المقاتلات فامبير في
مصر، ولكنها انتهت إلى لا شيء ، وذلك بسبب هجوم القوات المصرية على القواعد البريطانية
خلال ثورة يوليو .
في 23 يوليو سنة 1952 قام جمال عبد الناصر بثورة يوليو 1952 على ملك مصر، وكانت القوات الجوية الملكية المصرية على طرف الحياد غير مشتركة
فيها ، ثم حول اسمها إلى القوات الجوية المصرية وهو الاسم الحالي .
الطائرة المصرية بيست مان بي يو 181
خلال الفترة الممتدة بين عاميّ 1953 و 1954
حصل تعاون بسيط بين القوات الجوية وبريطانيا ، وانحصر
كل هذا التعاون في التدريب، وعلى الرغم من ذلك فإن سياسة الرئيس المصري السابق جمال
عبد الناصر جعلت مصر تشتري طائرات من الكتلة الشرقية .
وصلت أول طائرة سوفيتية مصر عام 1955، وتكونت الشحنات الأولى مما يلي :
* المقاتلات ميج 15.
* قاذفات القنابل إليوشن إل 28.
* ناقلات إليوشن إل 14.
* طائرات التدريب ياكوفليف ياك-11.
بالإضافة إلى طيارين مدربين من تشيكوسلوفاكيا.
بدأت مصر في تلك الفترة تصنيع طائرات التدريب بيست مان بي يو 181 ذات تصميم تشيكي، وسُميت باسم
"الجمهورية" .
أزمة قناة السويس :
طائرة حلوان 300
( طائرة مقاتلة صنعت وطورت بجمهورية
مصر العربية في فترة الستينات. المصمم الألماني ويلى مسريشميت ، وشركة «هيسبانو أبياسيون» , قاموا بتصميمها في البداية
كطائرة اعتراضية للقوات الجوية الأسبانية ولكن تم رفع الدعم عن المشروع وإلغائه ثم
طلبت مصر تنفيذ المشروع وتقديم الدعم فحول المشروع لمصر , بنيت من الطائرة حلوان 300 ثلاثة نماذج أولية حتى ألغى
لمشروع عام 1969. )
بعدما قام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس في عام 1956، تعرضت مصر لهجوم من قبل كل
من إسرائيل وفرنسا وبريطانيا فيما عرف بالعدوان الثلاثي على مصر , فخسرت مصر في تلك الحرب الكثير،
ولكنها بالمقابل انتصرت سياسيًا، وقد أدى ذلك العدوان إلى إعادة بناء القوات الجوية
بدون مساعدة من بريطانيا .
مع نهاية العدوان، أسست مصر تحالف سياسي مع كل من سوريا واليمن فيما عرف باسم
الجمهورية العربية المتحدة، وتحول اسم القوات الجوية المصرية إلى القوات الجوية العربية
المتحدة.
في منتصف الستينيات، بدلت مصر جميع الطائرات البريطانية بأخرى سوفيتية , فقد كان الاتحاد السوفيتي آنذاك
المورد الرئيسي للقوات الجوية العربية المتحدة وبعض الدول العربية، وقد منح ذلك القوات
الجوية المصرية فرصة كبيرة لتطور نفسها مما أثر كثيرا في النزاعات والحروب التالية
, فقد اشترت مصر من الاتحاد السوفيتي عدد من مقاتلات ميج 21 استمرت بصفتها الطائرة المقاتلة
الرئيسية في سلاح الجو المصري طيلة العقدين التاليين .
منتصف الستينيات حصلت القوات الجوية المصرية على قاذفة القنابل سوخوي سو - 7 ، وفي عام 1967 إمتلكت مصر 200 طائرة مقاتلة من نوع ميغ-21, كذلك أنتجت مصر أول طائراتها
واسمها حلوان 300، وهي طائرة خفيفة أسرع من الصوت .
حرب اليمن :
اندلعت حرب شمال اليمن الأهلية سنة 1962 بين الملكيين والجمهوريين،
وحصل الجانب الملكي على الدعم من المملكة العربية السعودية وحصل الجانب الجمهوري على
الدعم من مصر والإتحاد السوفيتي .
بدأ القتال العنيف في المناطق الصحراوية
والريفية بين الجانبين بقوات نظامية وغير نظامية. كانت حرب اليمن فرصة كبيرة
لإسرائيل ، فقد قللت تلك الحرب وصول الإمدادات المصرية إلى سيناء (الجبهة الشرقية المصرية) وجعل أولوية وصولها إلى جبهة
اليمن ، بالإضافة إلى أن كل التركيز المصري كان على تلك الحرب .
بدأت عمليات القوات الجوية المصرية بطائرات تدريب قامت بعمليات تمشيط وبحمل
القذائف وانتهت بثلاثة أسراب من القاذفات المقاتلة ، تمركزت بالقرب من الحدود اليمنية
السعودية .
وقام المصريون بطلعات جوية على طول
ساحل تهامة وفي مدن نجران وجازان السعوديتين .
وكان هدف هذه الطلعات قصف تشكيلات الملكيين الأرضية وتعويض قلة التشكيلات المصرية
على الأرض بالقوة الجوية .
في يناير 1964، قام الملكيون بحصار العاصمة اليمنية صنعاء.
فقامت ناقلات الأنتونوف إيه إن - 12 المصرية بعمل جسر جوي لنقل أطنان من الطعام والوقود إلى
العاصمة المحاصرة .
ثم بدأت القوات الجوية والبحرية المصرية
في قذف وعمل الغارات على المدينتان السعوديتان نجران وجازان اللتان كانتا مركز انطلاق
القوات الملكية اليمنية .
وكرد على هذا ، اشترت السعودية نظام ثاندر بيرد للدفاع الجوي من بريطانيا وأقامته
في خميس مشيط. أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا سربًا من الطائرات المقاتلة النفاثة
وقاذفات القنابل لقاعدة الظهران لحماية مصالحها في السعودية , سببت تلك الحرب خسائر كبيرة
لمصر بالجنود والعتاد .
وقد منح ما حدث في حرب اليمن إسرائيل
الفرصة لدراسة التكتيكات المصرية وأساليب حربها والتكيف معها , كتب محمد حسنين هيكل يقول : « أن إسرائيل قامت بإعطاء شحنات
من الأسلحة كما أرسلت المئات من المرتزقة الأوروبيين ليقاتلوا بجانب الملكيين في اليمن
» , كذلك أنشأت إسرائيل جسرًا جويا من جيبوتي إلى شمال اليمن .
وبمقارنة الأداء المصري في هذه الحرب مع بقية الحروب التي خاضتها، فإن المصريين
أظهروا مستوى عالي من المبادرة والابتكار العسكري .
وعلى سبيل المثال ، قام المصريون بتعديل طائرات التدريب والناقلات السوفيتية
للعمل كطائرات تمشيط وقاذفات .
وقاموا بتطوير تكتيكاتهم ولكنها تعثرت
في حرب عصابات الفصائل الملكية , وقد أدرك مخططو الحرب المصريون بعد هذه الحرب أن مضيق باب المندب يعطي عمقًا
إستراتيجيًا كبيرًا يمكنهم من منع وصول إمدادات النفط لإسرائيل، وهو ما حدث في حرب
أكتوبر عام 1973.
حرب الاستنزاف أو( حرب الألف يوم كما أطلق عليها بعض الإسرائيليون ) :
الرئيس جمال عبد الناصر و قيادات الجيش
علي الجبهة خلال حرب الاستنزاف
والاستنزاف هو مصطلح أطلقه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر على الحرب
التي اندلعت بين مصر وإسرائيل على ضفتي قناة السويس .
بدأت أحداثها عندما تقدمت المدرعات
الإسرائيلية صوب مدينة بور فؤاد بهدف احتلالها يوم 1 يوليو ، 1967، فتصدت لهل قوة من الصاعقة
المصرية بنجاح فيما عرف بمعركة رأس العش .
تصاعدت العمليات العسكرية خلال الأشهر
التالية خاصة بعد مساندة العرب لدول المواجهة أثناء مؤتمر القمة العربية في الخرطوم
، ورفض إسرائيل لقرار مجلس الأمن 242 الداعي لانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلها عقب انتصارها الخاطف
على العرب خلال حرب يونيو.
استمرت الحرب لنحو ثلاث سنوات ، وخلالها استهدفت غارات سلاح الجو الإسرائيلي
المدنيين المصريين أملا في إخضاع القيادة السياسية المصرية ، مستخدمين في ذلك مقاتلات
الفانتوم الأميركية الحديثة .
كما استعان المصريون بالخبراء السوفييت
وصواريخ الدفاع الجوي السوفياتية لتأمين العمق المصري .
وشهدت الحرب أيضًا معارك محدودة بين
إسرائيل وكل من سوريا والأردن والفدائيين الفلسطينيين .
وفي 7 أغسطس، 1970 انتهت المواجهات بقرار الرئيس عبد الناصر والملك حسين قبول مبادرة روجرز لوقف
إطلاق النار.
ولم تؤد الحرب إلى أي تغييرات في خطوط
وقف إطلاق النار، ولم تنجح كذلك المساعي الهادفة للتوصل إلى تسوية سلمية بسبب التعنت
الإسرائيلي، وانما سادت حالة من اللا سلم واللا حرب ، والتي أدت بدورها إلى نشوب حرب
رمضان بعد ثلاث سنوات .
ما قبل الحرب : ومن المفارقات التي توضح حجم الانكسار على الجبهة المصرية، ومدى صلف وغرور القوات
الإسرائيلية ، أنه عندما بدأت القوات المصرية تتولى مسئولية الدفاع عن الضفة الغربية
لقناة السويس ، أرسل القائد الإسرائيلي في منطقة الشط رسالة إلى نظيره المصري مع أحد
الجنود المنسحبين ، يقول فيها :
" إن دباباتك تثير أعصاب جنودي
، وإن لم تسحبها قبل آخر ضوء فسأدمرها لك " ، مع العلم أن هذه الدبابات
في المكان الذي حدده لم تكن تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة .
أصدرت القيادة العسكرية المصرية توجيهات قبل أن ينصرم شهر يونيو 1967 تحدد فيها : "إن مرحلة إعادة التنظيم بنيت
على أساس عزيمة وإيمان المقاتل في جيشنا وقدراته على القتال ، معتمدًا على الضبط والربط
والأخلاق ، والروح القتالية تمهيدا لإعادة سيناء بالكامل , ومن أجل هذا الوطن العزيز علينا
جميعًا , فلن يسمح بارتداد أي فرد أو أي معدة من خطوطنا الدفاعية الحاليةولن يصدر من
القائد العام أو أي قائد أمراً بالارتداد , وأن نموت جميعاً في مواقعنا
الدفاعية أشرف لنا من وصمنا بالعار، ووصمة الشرف العسكري الذي نتحلى به " , وكان هذا الأمر تصحيحا للعرف
السائد منذ عام 1956 بارتداد الجيش ، على أن تتولى السياسة تصحيح الأوضاع .
و قد سارعت القوات المسلحة المصرية على امتداد الجبهة بتنظيم الدفاعات بما تيسر
لها من إمكانيات ، لا تزيد عن 100 دبابة و 150 مدفعاً يوم 10 يونيو 1967، أخذت في التزايد من خلال المساعدات من الدول العربية والصديقة، التي سارعت
بإرسال أسلحة ومعدات إلى جانب تنفيذ الاتحاد السوفياتي لبعض عقود صفقات أسلحة قديمة
لتصل كفاءة القوات المسلحة إلى حوالي 50% من الكفاءة المقررة لها في نهاية عام 1967، كما أن التصالح العربي في
مؤتمر القمة العربية في الخرطوم، ساعد على سحب القوات المصرية من اليمن لتتولى مسئوليتها
الوطنية على الجبهة .
و قد بذلت جهود كبيرة على مختلف المستويات بدءا من رئيس الجمهورية المصري إلى
وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة ، ورئيس الأركان ، وقادة الأفرع الرئيسية
والجيوش الميدانية .
كل على مستواه يحاول إقناع نظيره من
الاتحاد السوفياتي بضرورة تزويد مصر بأسلحة متطورة ، وعدم الاكتفاء بالأسلحة القديمة
التي وردت من الاتحاد السوفيتي سواء من خلال الدعم أو الصفقات .
وكان محور الحديث دائما ينصب على مقارنات واقعية بين قدرات الأسلحة الإسرائيلية
التي تستخدمها فعلا ، وقدرات الأسلحة التي أمد الاتحاد السوفياتي بها مصر والتي أثبت
الجزء الأكبر منها قصورا، في حرب يونيو في مواجهة الأسلحة الإسرائيلية .
وعلى سبيل المثال ؛ كان لا يمكن للمقاتلات من طراز ميج 15 وميج 17، ذات المدايات القصيرة والتسليح
المحدود أن تجابه الطائرات الإسرائيلية من طراز ميراج وسوبر مستير وسكاي هوك وخلافه
.
وكان لا يمكن أن تتصدى الدبابات من طراز ت 34 المستخدمة في الحرب العالمية
الثانية، للدبابات الإسرائيلية المطورة من طراز شيرمان وسنتوريون .
كما أن وسـائل الإنذار الجوي تعد من
طرازات عتيقة، ولا تساير استراتيجية استخدام سلاح الجو الإسرائيلي , وغير ذلك الكثير.
مراحل حرب الاستنزاف : بدأت مصر صراعها المسلح ضد إسرائيل بمرحلة أطلق عليها مرحلة الصمود ، انتقلت
بعدها القوات المسلحة المصرية إلى مرحلة الدفاع النشط ، ثم تطور القتال إلى مرحلة جديدة
أطلق عليها الاستنزاف لتصل الحرب إلى ذروتها .
و مرحلة الصمود ، كان الهدف منها هو سرعة إعادة البناء ، ووضع الهيكل الدفاعي
عن الضفة الغربية لقناة السويس , وكان ذلك يتطلب هدوء الجبهة حتى توضع خطة الدفاع موضع التنفيذ بما تتطلبه من
أعمال كثيرة وبصفة خاصة أعمال التجهيز الهندسي المطلوبة. واستغرقت هذه المرحلة المدة
من يونيو 1967 إلى أغسطس 1968.
أما مرحلة الدفاع النشط أو المواجهة فقد كان الغرض منها تنشيط الجبهة والاشتباك
بالنيران مع القوات الإسرائيلية بغرض تقييد حركة قواتها في الخطوط الأمامية على الضفة
الشرقية للقناة ، وتكبيدها قدرا من الخسائر في الأفراد والمعدات , واستغرقت هذه المرحلة المدة
من سبتمبر 1968 إلى فبراير 1969.
و تصاعد القتال إلى مرحلة جديدة أطلق عليها الاستنزاف أو مرحلة التحدي والردع،
وذلك من خلال عبور بعض القوات والاغارة على القوات الإسرائيلية ، وكان الهدف منها تكبيد
إسرائيل أكبر قدر من الخسائر في الأفراد والمعدات لاقناعها بأنه لابد من دفع الثمن
غاليا للبقاء في سيناء، وفي نفس الوقت تطعيم الجيش المصري عمليا ومعنويا للمعركة , واستغرقت هذه المرحلة من مارس
1969 إلى أغسطس 1970.
مرحلة الصمود (اشتملت هذه المرحلة على بعض
العمليات المهمة، التي كان لها تأثير كبير على المستوى المحلي والعربي والعالمي وهي
) :
· معركة رأس العش : وقعت أحداثها يوم 1 يوليو 1967، وتعتبر هذه المعركة هي الشرارة الأولى للحرب ، عندما حاولت المدرعات الإسرائيلية
احتلال مدينة بور فؤاد ، فصدتها عن المدينة قوة من الصاعقة المصرية . إن نجاح القوات المصرية ، ذات
القدرات المحدودة في ذلك الوقت وبسالتها ، ضد قوات معادية متفوقة يساندها سلاح الجو
الإسرائيلي ، أثار مشاعر المقاتلين على طول خط الجبهة حمية وحماسا واستعدادا للمواجهة
المنتظرة .
· معارك القوات الجوية : خلال يومي 14 و 15 يوليو 1967، نفذت القوات الجوية المصرية طلعات هجومية جريئة ضد القوات الإسرائيلية في
سيناء، أحدثت فيها خسائر فادحة ، بل أدت إلى فرار بعض من الأفراد الإسرائيليين من مواقعها
, ومن هنا زادت الثقة لدى المقاتلين في قواتهم الجوية بعد هذه العملية الناجحة
.
· معارك المدفعية : كان الاشتباك الكبير الذي ركزت فيه المدفعية المصرية كل إمكانياتها في قطاع
شرق الإسماعيلية يوم 20 سبتمبر 1967، والذي تمكنت فيه من تدمير وإصابة عدد غير قليل من الدبابات الإسرائيلية، وصل
إلى 9 دبابات مدمرة ، فضلا عن الإصابات في الدبابات الأخرى وعربتين لاسلكي ، وقاذف
مدفعية صاروخية ، بالإضافة إلى 25 قتيل و 300 جريح منهم ضابطين برتبة كبيرة .
· إغراق المدمرة البحرية الإسرائيلية إيلات : كان ذلك يوم 21 أكتوبر 1967، إذ تمكنت زوارق صواريخ البحرية
المصرية من إغراق المدمرة إيلات في منطقة شمال شرق بورسعيد ، وتعد هذه المعركة أول
استخدام للصواريخ سطح سطح . وكانت خسارة فادحة للقوات البحرية الإسرائيلية، خاصة وأن هذه المدمرة كانت تمثل أهمية كبيرة للبحرية
الإسرائيلية في ذلك الوقت ، كما كانت خسائرها كبيرة في الأرواح ، الأمر الذي دفعها
لاستئذان مصر عن طريق الأمم المتحدة في البحث عن القتلى والغرقى ، في منطقة التدمير
شمال بورسعيد، واستمرت في عمليات البحث والإنقاذ لأكثر من 48 ساعة بعد أن وافقت مصر على
ذلك .
مصفاة نقط محترقة بالسويس اصابتها قذائف المدفعية الاسرائيلية
ومع استكمال الخطوط الدفاعية وتماسكها في نطاقات عميقة غرب القناة ، تكونت احتياطيات
الجبهة خفيفة الحركة .
وكانت الخطط النيرانية تعتمد على المدفعية بأعيرتها المختلفة , وعندها بدأت الدوريات المصرية
المقاتلة من المشاة والقوات الخاصة والمهندسين في التسلل شرقا، ومهاجمة المواقع الدفاعية
الإسرائيلية ، مع التركيز ضد المناطق الإدارية الإسرائيلية وكانت المدفعية تؤمن أعمالها
بالنيران .
كما استمرت معارك المدفعية والتراشق بالنيران طوال مرحلة الصمود ، استهلكت فيها
آلاف الأطنان من الذخائر بمعدل فاق جميع الحروب السابقة. إضافة إلى نشاط أفراد القناصة
المهرة ، الذين دربوا لقنص أفراد الجيش الإسرائيلي وقادته ، سواء في نقاط المراقبة
، أو أثناء تحركهم على الضفة الشرقية للقناة .
وعلى صعيد رد الفعل الإسرائيلي بعد معركة رأس العش، قامت القوات الإسرائيلية
يوم 4 يوليو 1967، بمحاولة فاشلة لإنزال لنشات وقوارب في قناة السويس في مناطق القنطرة، وكبريت
والشط، وبور توفيق ، لإبراز سيطرتها على القناة .
إلا أن القوات المصرية تصدت لها في
البر والبحر والجو، مما أدى إلى إفشال جميع المحاولات بعد أن أصيب لإسرائيل 8 طائرات ، و8 زوارق بحرية ، فضلاً عن إصابة
وتدمير 19 دبابة ، و18 مركبة مدرعة ، و27 مركبة محملة بالذخائر، إضافة إلى خسائر كبيرة في الأفراد .
في حين كانت خسائر القوات المصرية 25 شهيد و 108 جرحى ، وفي المعدات 3 طائرات ، وزورقان بحريان .
واستمر تبادل المبادأة وردود الأفعال بين الجانبين , فبعد ثلاثة أيام من تدمير المدمرة
ايلات ، أي في 24 أكتوبر 1967، وجهت القوات الإسرائيلية على طول الجبهة، قصفات نيرانية مركزة ضد مدن القناة
ومصانعها وضد المدنيين .
وبطبيعة الحال كان رد القوات المصرية
الفوري عليها، حيث اشتعل القتال بالتراشق النيراني ، على مدى 24 ساعة متصلة ، تكبد فيها الجانبان
كثيرا من الخسائر، خاصة في الأفراد المدنيين المتبقين بمدن القناة .
وفي 3 يناير 1968، حاولت هيئة قناة السويس فتح ممر الملاحة بالقناة. فدفعت زورق لاستطلاع مجرى القناة
، إلا أن القوات الإسرائيلية فتحت نيرانها عليه، مما اضطر طاقم الزورق إلى العودة .
ثم جرت محاولة مرة أخرى قبل ظهر اليوم
نفسه وفشلت للمرة الثانية , وعند ذلك تصاعدت الاشتباكات على كلا ضفتي القناة وشملت الجبهة كلها .
وقد انتقلت ردود الفعل كذلك إلى الجانب الإسرائيلي ، في نهاية مرحلة الصمود
في يونيو 1968، بسبب تكثيف القوات المصرية ، من عمليات دفع الدوريات والكمائن إلى الضفة الشرقية
للقناة وبمعدل شبه يومي ، وفي مناطق متفرقة وغير متوقعة ، مع نجاح معظمها في تحقيق
نتائج جيدة من تدمير، وخطف أسرى ، ووثائق ، وأسلحة ، والعودة بمعلومات قيمة. فكثفت القوات الإسرائيلية نشاط
طيرانها ، ضد أهداف مدنية في العمق المصري ، مع تصيعدها للقصف المدفعي والدبابات ،
والتي شملت أحيانا مواجهة الجبهة بالكامل .
واستمر الحال على هذا المنوال طوال
مرحلة الصمود ، التي استنزفت وأجهدت القوات الإسرائيلية ، في حرب طويلة ثابتة لم يتعودوا
عليها .
مرحلة الدفاع النشط أو المواجهة : يعد يوم 8 سبتمبر 1968، نقطة تحول الرئيسية في تنشيط الجبهة , فكان هذا اليوم بداية مرحلة
الدفاع النشط ، التي أرادت مصر أن تبـدأها بقوة ، تعلن عن نفسها إقليميا وعالميا ،
وتصاب فيها القوات الإسرائيلية بأكبر قدر من الخسائر , وقد شملت أعمال قتال هذا اليوم
على قصفات مدفعية ، مدبرة وتحت سترها تدفع دوريات قتال على طول الجبهة .
وقد خططت هذه القصفات مركزيا بحيث تشمل جميع الأهداف الإسرائيلية شرقي القناة
حتى عمق 20 كيلومترا , وروعي أن تبدأ قبل آخر ضوء بفترة مناسبة ، وتستمر إلى ما بعد آخر ضوء ، وقد
اشترك في هذه القصفات 38 كتيبة مدفعية من مختلف الأعيرة ، أطلقت نيرانها لمدة ثلاث ساعات ، من الرابعة
والنصف إلى السابعة والنصف مساء ، وشاركت جميع الأسلحة المضادة للدبابات ، لتطلق نيرانها
من الضفة الغربية للقناة ، على الأهداف المعادية المرئية على الضفة الشرقية .
واستهدفت هذه القصفات خط بارليف ، الجاري إنشاءه في المقام الأول ، ثم جميع
مواقع الصـواريخ 216 مم ، 240 مم التي يستخدمها الجانب الآخر في التأثير على مدن القناة ، وجميع مواقع المدفعية
، ومناطق الشؤون الإدارية ، ومناطق تمركز الأفراد , وقد شكلت هذه القصفات صدمة
نفسية للجانب الآخر، حيث شعر لأول مرة أن السيطرة النيرانية قد آلت للقوات المسلحة
المصرية .
وتكبدت إسرائيل خسائر جسيمة ، شملت تدمير 19 دبابة ، وثمانية مواقع صواريخ
، وعشرات الدشم ، ومناطق الشؤون الإدارية ، ومناطق التمركز, وأسكتت خلالها جميع مدفعيات
إسرائيل ، التي قدرت وقتها بسبعة عشر بطارية مدفعية .
جنود مصريون قبل احدى عمليات الاغارة
على القوات الإسرائيلية شرق القناة خلال حرب الاستنزاف
وفي 26 أكتوبر تكررت قصفات المدفعية المركزة ، ولكن بصورة أقل ، حيث اشتركت فيها 23 كتيبة مدفعية ، أطلقت نيرانها
لمدة سبعين دقيقة. واستهدفت بالدرجة الأولى تدمير مواقع الصواريخ 216 ، 240
مم بعد تحديدها بدقة من خلال الدوريات التي سبق دفعها ، ومن خلال صور جوية حديثة
.
وتحت ستر هذه القصفات، دفع العديد من الكـمائن لاصطياد الدبابات والمركبات التي
تحاول الهروب أثناء القصف .
وقد نجح هذا القصف كذلك ، وشكل للجانب الآخر صورة غير مألوفة من الإزعاج ، نتيجة
للخسائر التي تكبدها ، والتي حددها بعد ذلك بأنها 49 فردا بين قتيل وجريح علاوة
على تدمير وحدات الصواريخ .
وطبقا للفكر الإسرائيلي ، الذي تلقى خسائر ليست هينة على جبهة القناة ، واقتنع
بأن التفوق آل إلى المصريين في هذه المنطقة ، فقد لجأ إلى توسيع الجبهة وامتدادها إلى
مناطق بعيدة للغاية ، حتى تضطر القيادة المصرية إلى نشر قواتها على مواجهة ألف كيلومترا
، تمثل طول الحدود الشرقية المصرية بالكامل ، ومن ثم يتلاشى التفوق المصري على الجبهة
.
ووضع القيادة السياسية في مأزق ، عندما يشعر الشعب أن إسرائيل اخترقت أعماقه
، ودمرت أهدافا حيوية دون أن تتعرض لها القوات المسلحة المسؤولة أساساً عن تأمين هذا
الشعب .
وقد اختارت إسرائيل هدفها في نجع حمادي ، وفي محطة محولات كهرباء السد العالي
بالتحديد ، حتى يكون التأثير محسوساً لدى الشعب كله , وقد تمت هذه العملية ليلة 1 نوفمبر 1968، من خلال عملية ليلية، أريد
بها هدفاً سياسيا وليس عسكريا .
واختير أفراد القوة الإسرائيلية من المظليين الذين يتكلمون العربية بطلاقه ،
حتى أعتقد أهالي المنطقة أنهم مصريون , ولذلك لم يتعرضوا لهم في البداية ، مما أدى إلى نجاح هذه
العملية التي كان تأثيرها ضعيفا ، ولم تحقق الهدف السياسي الذي خططته إسرائيل .
أما على الجانب العسكري المصري ، فكان لا بد من إعادة النظر في تأمين العمق
المصري ، حتى لا تلجأ إسرائيل لتكرار هذه العملية .
وفي الوقت نفسه أعيد تقييم العمليات العسكرية ، لتأخذ صورة أخرى أشد من قصفات
المدفعية , وقد كان ذلك سببا في تهدئة الأوضاع على الجبهة إلا من الاشتباكات بالأسلحة الصغيرة
، وإطلاق حرية قنص أفراد الجيش الإسرائيلي، ومنعهم من التحرك بحرية على طول الجبهة
، مع تكثيف دفع دوريات الاستطلاع ، للحصول على أكبر قدر من المعلومات للمرحلة القادمة
.
أما في عمق الدولة ، فقد نفذ العديد من إجراءات التأمين ، من خلال وحدات الدفاع
الشعبي على مستوياتها المختلفة , وقد استغلت القوات الإسرائيلية هذه المرحلة في تحسين موقفها الدفاعي ، واستكمال
تحصينات خط بارليف ، الذي تابعته القوات المصرية جيدا ، واكتشفت نقاط ضعفه ، تمهيداً
لتدميره في مراحل لاحقة .مرحلة التحدي والردع أو الاستنزاف : طبقا للتخطيط المصري ، كان
شهر فبراير 1969 يمثل نهاية الشهور الستة المحددة ، كمرحلة انتقالية بما كان يطلق عليه الدفاع
النشط .
وشهد مارس 1969 أهم مراحل التصعيد العسكري
ما بين الجولتين الثالثة والرابعة في الصراع العربي الإسرائيلي .
وقد أديرت هذه المرحلة سياسيا وعسكريا بتنسيق متكامل لتحقق الهدف منها ولتتوازن
في التصعيد والتهدئة .
وتحددت مهامها في تقييد حرية تحركات العدو على الضفة الشرقية للقناة ، وإرهاقه
وإحداث أكبر خسائر به ، وكانت هـذه المرحلة التي امتدت من يوم 8 مارس 1969 إلى 8 أغسطس 1970، طويلة وشاقة ، وهي لا تقـل
عسكريا عن أي جولة من جولات الصراع العربي الإسرائيلي ، بل تعد أطول جولة في تاريخ
هذا الصراع .
· من 8 مارس وحتى 19 يوليو 1969
بدأت هذه المرحلة صباح 8 مارس 1969، وامتدت إلى 19 يوليو من العام نفسه، وتميزت بسيطرة مطلقة للقوات المصرية على خط الجبهة . وكانت المدفعية هي الوسيلة
الرئيسية للعمل خلالها ، حيث صبت على حصون خط بارليف ، والأهداف الأخرى ، حوالي 40 ألف قذيفة ، بادئة أعمالها
يوم 8 مارس بأكبر حشد نيراني مؤثر منذ توقفت نيران حرب يونيو . واستمر هذا القصف ساعات متواصلة
، اشتركت فيه 34 كتيبة مدفعية ، يعاونها حشد من أسلحة الضرب المباشر كالمدافع المضادة للدبابات
، والدبابات الثقيلة عيار 122 مم ، لتدمير مزاغل نيران دشم خط بارليف . وقد أحدث هذا القصف تأثيرا
شديدا على الطرف الآخر القابع شرق القناة، حتى وصل حجم الخسائر تدمير حوالي 29 دبابة ، و30 دشمة في خط بارليف، وإسكات
20 بطارية مدفعية ، وحرائق شديدة في ست مناطق إدارية ، وغير ذلك من الخسائر .
وفي الساعة 3:30 من بعد ظهر يوم 9 مارس 1969، استشهد الفريق عبد المنعم رياض أثناء جولة له ومعه مجموعة قيادته ، في قطاع
الجيش الثاني الميداني، في منطقة النقطة الرقم 6 بالإسماعيلية ، وذلك عندما
أطلق الجانب الإسرائيلي نيران مدفعيته وانفجار إحدى الدانات بالقرب منهم ، حيث أصابتهم
جميعا واستشهد الفريق عبد المنعم رياض أثناء إخلائه .
قاذفة اليوشين مصرية تقصف أهداف إسرائيلية شرق القناة خلال حرب الاستنزاف
في 13 مارس 1969، وقع حدثان متضادان في وقت واحد وفي منطقة واحدة، حيث بدأت إغارات القوات المصرية
لتدمير موقع للجيش الإسرائيلي، في منقطة جنوب البحيرات نفذتها الكتيبة 33 صاعقة، ونجحت في مهمتها ودمرت
الموقع، وخطفت أسيراً، وأصابت دبابتين، وغنمت عينات من أسلحة العدو وألغامه.
وفي الوقت نفسه ، كانت القوات الإسرائيلية تحاول إنزال قوارب ، والإغارة على
منطقة قريبة في منطقة جنوب البحيرات أيضا ، حيث قوبلت بنيران شديدة من القوات المصرية
التي كانت على أعلى درجة الاستعداد لتأمين إغارتها . وبذلك أفشلت المحاولة واستمرت
الاشتباكات بالنيران طوال الليل .
ولم تجد القوات الإسرائيلية وسيلة للرد سوى إعادة قصف مدن القناة . فقصفت قطار السكة الحديد في
مساره بين الإسماعيلية والسويس في منطقة الشلوفة . واستمرت القوات المصرية في
تصعيد أعمالها القتالية . حتى كان يوم 17 إبريل 1969، حيث نفذت قوات الجيش الثاني الخطة هدير، بتوجيه مدافع الدبابات الثقيلة إلى
فتحات المراقبة والتسديد لدشم خط بارليف لتخترقها . وتفجرت الدشم من الداخل وقتل
الأفراد المتحصنين بها . وقد نجحت الخطة تماما بما أدى إلى تطاير تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال
موشى ديان ، واعدا ومهددا القوات المصرية التي لم تعبأ بتهديده ، بل أعادت الإغارة
على نقطة دفاعية قوية جنوب البلاح لتدمرها . وكان الرد الإسرائيلي متوقعا
، حيث أغار يوم 29 إبريل 1969 على محطة محولات نجع حمادي للمرة الثانية، وأسقط عبوات ناسفة زمنية قرب إدفو
أصابت بعض المدنيين الأبرياء . وكان الرد المصري مباشرا وسريعا وفي الليلة التالية مباشرة ، بالإغارة على نقطة
جنوب البلاح للمرة الثانية ونسفها بالكامل .
خلال شهري يونيو ويوليو، تصاعدت الإغارات من الجانبين . فقد نفذ الجانب الإسرائيلي
خمس إغارات ، استهدفت مواقع منعزلة على ساحل خليج السويس والبحر الأحمر، كان أهمها
العملية بولموس أو الإغارة على الجزيرة الخضراء شمالي الخليج يوم 19 يوليو 1969، التي قادها الجنرال رفائيل
إيتان ، واستهدفت في الأساس موقع الرادار في الجزيرة . وقد أبدت القوات المدافعة جسارة
نادرة شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء ، لدرجة أن قائد الموقع لما شاهد نجاح القوات الإسرائيلية
في الوصول إلى الجزيرة ، طلب من المدفعية قصف الجزيرة بالكامل ، بما فيها من إسرائيليين
ومصريين وكان من نتيجة ذلك أن فشلت الإغارة وتكبد الإسرائيليون خسائر كبيرة، أجبرت
الجنرال إيتان على الانسحاب .
وفي المقابل شنت القوات المصرية غارات ناجحة على نقط الجيش الإسرائيلي القوية
، أحدثت تدميرا وخسائر في نقطتي شمال البلاح والشط . أما الإغارة على نقطة لسان
التمساح شرق مدينة الإسماعيلية ، وهي النقطة التي أصابت الشهيد الفريق عبد المنعم رياض
، فكانت هي الثأر المدبر من القوات الخاصة المصرية بقيادة الشهيد المقدم إبراهيم الرفاعي
. فقد أغارت هذه القوات المدربة على أعلى مستوى ليلة 8 يوليو 1969، وقتلت وأصابت حوالي 30 جنديا إسرائيليا ، ودمرت دبابتين،
ونسفت 4 دشم ، وخسرت هذه القوات 9 شهداء . أما الإغارة الأخرى التي أصابت القيادة الإسرائيلية في مقتل فكانت هي الإغارة
على نقطة لسان بور توفيق ليلة 11 يوليو، وفي التوقيت نفسه ، إغارة أخرى على النقطة القوية في منطقة القرش شمال
الإسماعيلية . وقد نتج عن إغارة لسان بور توفيق قتل وجرح 40 فردا ، وتدمير خمس دبابات وأربع
دشم ، وأسير واحد ، دون أن تتكبد القوات المصرية أي خسائر .
وقد أدت نتائج هذه الإغارات الأليمة إلى تغيير جذري في خطط إسرائيل لمجابهة
الاستنزاف المصري، والتصعيد بالاستنزاف المضاد ، إلى مرحلة أكثر شمولا بإدخال الطيران
الإسرائيلي ذراع إسرائيل الطويلة في المعركة وتنفيذ العملية بوكسر . ويقول زئيف شيف المحلل الإسرائيلي
في كتابه عن حرب الاستنزاف . أن عملية لسان بور توفيق هي التي أنهت الجدل داخل أروقة القيادة الإسرائيلية
حول حتمية تدخل الطيران في المعركة . ويستطرد: " لقد كان هذا النجاح هو أبرز ما حققه
المصريون ، ومن الواضح أنه كان سيحفزهم إلى نشاط أكبر، لا مناص عن إيقافهم عنه بسرعة
".
كما ذكرت صحيفة معاريف نقلا عن المتحدث العسكري الإسرائيلي: " أمام الضغط الهائل الذي مارسه
المصريون في الجبهة، والحياة التي أصبحت لا تطاق على الضفة الشرقية للقناة، أقدمت القيادة
الإسرائيلية على استخدام سلاح الطيران ، الذي كانت كل الآراء تصر على الاحتفاظ به للمستقبل
". وقد مهدت القوات الإسرائيلية لدفع الطيران بمحاولة التخلص من بعض الرادارات
المصرية ونقط المراقبة الجوية . لذلك كان القصف الجوي ضد وحدة الرادار المصرية في الأردن يوم 22 إبريل 1969، وكذلك إغارة الجزيرة الخضراء،
وإغارة الأدبية، ضد نقطة مراقبة جوية منعزلة .
· من 20 يوليو وحتى نهاية عام 1969
اعتبارا من 20 يوليو 1969، بدأت المرحلة الثانية من حرب الاستنزاف بإدخال إسرائيل لعامل رئيسي جديد في
هذه الحرب ، اتسعت من خلاله مجالات المواجهة ليشمل مسارح العمليات بالكامل ، بعد أن
كانت مقتصرة على المسرح البري خلال الفترة السابقة . وقد افتتحت إسرائيل هذه المرحلة
بتنفيذ العملية بوكسر، التي تتلخص في تنفيذ 500 طلعة طائرة تقصف 2500 قنبلة بإجمالي 500 طن على أهداف منتخبة خلال 10 أيام ، وهي مواقع الدفاع الجوي
والرادارات ، ومواقع المدفعيات ، والقوات في الجبهة . ويفخر رئيس الأركان الإسرائيلي
الجنرال حاييم بارليف ، بأنه خلال الفترة من 20 يوليو وحتى 7 سبتمبر 1969، نفذت الطائرات الإسرائيلية
1000 غارة لإجبار مصر على نشر قواتها وتخفيف الحشد في جبهة القناة .
وفي يوم 9 سبتمبر 1969 قامت إسرائيل بإنزال سرية دبابات ت 55 من مخلفات حرب يونيو في منطقة
أبو الدرج على ساحل البحر الأحمر، اتجهت جنوبا إلى الزعفرانة مدمرة كل الأهداف والسيارات
المدنية التي اعترضت طريقها ، مستغلة خلو المنطقة تماما من أية قوات عسكرية سوى بعض
نقاط المراقـبة ، ونقطة تمركز بحرية بها لنشي طوربيد مصريين حرصت على تدميرهما قبل
بداية الإنزال بواسطة الضفادع البشرية . وقد نجحت الإغارة دعائيا على الرغم من أنها لم يكن لها
مردود عسكري مؤثر، إلا أن رد فعل الإغارة كان عميقا في القيادة العامة ، لتحديد مسئولية
عدم اكتشاف قوة الإغارة أثناء وجودها على الشاطئ الشرقي للخليج قبل تنفيذ العملية ،
وكذلك مسئولية عدم اتخاذ إجراء إيجابي قوي لمواجهة القوة بعد نزولها على الشاطئ الغربي
وبقائها 6 ساعات . وقد استغلت إسرائيل هذه الإغارة إعلاميا بطريقة مثيرة ، بعد أن سجلت لها فيلما
عرضته على الشعب الإسرائيلي .
افتتحت القوات الخاصة المصرية أول أيام شهر أكتوبر 1969، بعملية كبري للرد على إنزال
العدو في الزعفرانة . فقد أبرت قوة من المجموعة 39 عمليات خاصة بحرا وجوا في منطقة رأس ملعب . وتقدمت على الطريق الساحلي
في هذه المنطقة حتى رأس مطارمة ، ونسفت جميع الأهداف العسكرية ثم نسفت الطريق نفسه. ووضعت ألغاما وشراكا خداعية
في بعض المناطق وعادت سالمة . وقد انفجرت هذه الألغام في القوات الإسرائيلية التي هرعت للنجدة بعد انسحاب
القوة . في شهري نوفمبر وديسمبر، تملكت القوات المصرية زمام المبادرة وتوسعت في أعمال
الكمائن النهارية ، بعد أن أوقفت إسرائيل التحركات الليلية تفاديا للكمائن التي دمرت
الكثير من قواته المتحركة. ومن أهم الإغارات التي نفذت خلال هذه الفترة :
· ليلة 28 نوفمبر 1969: نسفت القوات الخاصة طريق شرم الشيخ ـ الطور في منطقة جنوب سيناء، من خلال عملية
إبرار بحري وجوي ، كما أغارت على بعض الأهداف، في المنطقة.
· ليلة 30 نوفمبر 1969: أغارت مجموعة من القوات الخاصة على موقع شمالي الشط ، أدى إلى قتل وإصابة 70 فردا ، وتدمير 3 دبابات ، وعدد من الدشم .
· يوم 6 ديسمبر 1969: احتلت قوة تقدر بحوالي مجموعه كتيبة مشاة الضفة الشرقية للقناة، بعد تدمير جميع
الأهداف المعادية ، والاحتياطيات المحلية، ومنطقة شؤونه الإدارية ، مع التمسك بالأرض
. وطلب قائد الجيش الثاني استمرار هذه القوة في مواقعها شرقا على أن يتولى الجيش
تأمين أعمال قتالها ، ولكن وزير الحربية أمر بعودة القوة حتى لا يتم الخروج عن الأهداف
المخططة لحرب الاستنزاف . وبالفعل عادت القوة بعد آخر ضوء يوم 7 ديسمبر بعد أن ثبتت العلم المصري
على الضفة الشرقية، وظل مرفوعا تحميه نيران القوات المصرية من الشاطئ الآخر حتى إيقاف
إطلاق النيران .
· يوم 14 ديسمبر 1969: تمكن كمين نهاري من اللواء 117 مشاة ، من تدمير عربة جيب متقدمة على الطريق ، وقتل 4 أفراد ، وأسر أول ضابط إسرائيلي
في حرب الاستنزاف وهو النقيب دان أفيدان ، وقد حمله الجنود وعادوا به إلى الضفة الغربية
نظـرا لإصابته .
جاء رد الجانب الإسرائيلي على نشاط القوات المصرية في اتجاه رأس غارب ليلة 27 ديسمبر 1969، من خلال العملية روستر التي
استهدفت خطف محطة رادار ب 12 حديثة . وكان لهذا الرادار موقع رئيسي وموقع هيكلي والمسافة بينهم كبيرة، وحتى يمكن
الخداع عن مكان محطة الرادار الحقيقية تركت بأقل عدد من أفراد الحراسة ، حتى تظهر على
أنها هي المحطة الرئيسية . وقد اكتشفت إسرائيل هذه الخدعة سواء من خلال التصوير الجوي أو من خلال عملاء. ونفذت العملية بتركيز القصف
الجوي على المحطة الخداعية وضد قوات الحراسة والاحتياطيات . ولكن كانت هناك عملية أخرى
تنفذ في الوقت نفسه ، وهي دفع طائرتين مروحيتين لحمل جهاز الرادار الحقيقي إلى الشاطئ
الآخر من الخليج . ولم يتوقف القصف ضد الرادار الهيكلي أو قوات الحراسة والاحتياطيات إلا بعد وصول
الرادار إلى الشاطئ الآخر .
انتهى عام 1969 والقوات المسلحة المصرية متماسكة تماما . وقد تجاوزت الحاجز النفسي الذي
سببته نتائج حرب يونيو وتخطت حاجز الخوف . وقد نجحت مراحل الاستنزاف في
تحقيق أهدافها. أما ذراع إسرائيل الطويلة فلم تتمكن من تحقيق أهداف القيادة السياسية الإسرائيلية،
على الرغم من أنها شنت في الفترة من 20 يوليو وحتى نهاية عام 1969 حوالي 3500 طلعة جوية في مقابل 2900 طلعة جوية مصرية معظمها للحماية
والتأمين . ودارت بين القوات الجوية المصرية والإسرائيلية 22 معركة جوية اشتركت فيها 130 مقاتلة إسرائيلية في مواجهة
110 مقاتلة مصرية . وكانت خسائر المصريين 26 طائرة وخسائر العدو 14 طائرة ، نظرا للفارق بين نوع الطائرات ومستوى تدريب الطيارين ، حيث كانت تحرص
إسرائيل على دفع أحسن طياريها المحترفين للقيام بالاشتباكات والمعارك الجوية ، بينما
كان معظم الطيارين المصريين حديثي الخدمة بعد حرب يونيو . أما العمليات البرية الإيجابية
الناجحة خلال عام 1969، فكانت 44 عملية ما بين إغارة وكمين ، نفذ منها 5 أعمال في عمق إسرائيل ، بينما
نفذت إسرائيل 28 عملا إيجابيا منها 16 عملا في العمق المصري . وكانت خسائر القوات المصرية، استشهاد 16 ضابطا ، و150 رتبا أخرى ، أما الجرحى فكانوا
19 ضابطا ، 299 رتبا أخرى ، في مقابل 133 قتيل ، و320 جريح في صفوف القوات الإسرائيلية طبقا لما صرح به موشي ديان .
· من يناير 1970
وحتى نهاية الحرب
كان واضحا أمام القيادة الإسرائيلية أن مراحل الاستنزاف المضاد لم تتمكن من
تحقيق أهدافها . فالقوات المصرية لم تتشتت في الجبهة لمواجهة أعمال الاستنزاف الإسرائيلية في
عمق الصعيد والبحر الأحمر . لذلك كان لا بد من التفكير في الدخول في مرحلة جديدة للاستنزاف ، يكون الهدف
منها استخدام سلاح الجو الإسرائيلي لقصف العمق المصري بكثافة أكبر، لزيادة الضغط على
الشعب المصري ودفعه إلى الثورة على قيادته لإيقاف حرب الاستنزاف ، وإضعاف نظام الرئيس
عبدالناصر أو الإطاحة به . وقد كان مهندس هذه العملية هو الجنرال عزرا وايزمان مدير العمليات برئاسة الأركان
وقتها . ووضعت الخطة بريها في رئاسة الأركان الإسرائيلية وعرضت على رئاسة الوزراء وتم
التصديق عليها .
حطام مقاتلة فانتوم إسرائيلية أسقتطها صواريخ الدفاع الجوي المصري خلال حرب
الاستنزاف
وقد بدأ تنفيذ الخطة بريها اعتبارا من فجر 7 يناير 1970 بطلعة جوية فوق سماء القاهرة،
تخترق حاجز الصوت وتحدث فرقعة شديدة لتعلن عن بدء مرحلة جديدة من تصعيد حرب الاستنزاف
. وقد شدت هذه المرحلة انتباه المعسكرين الشرقي والغربي في آن واحد ، حيث تشترك
المقاتلات الأمريكية الحديثة من طراز فانتوم التي حصلت عليها إسرائيل ودخلت الخدمة
فعلا اعتبارا من شهر سبتمبر 1969، وكذلك لوجود تشابه بين نظام الدفاع الجوي المصري الجاري إنشائه في هذه المرحلة
ونظام الدفاع الجوي لحلف وارسو . وقد استمر القصف الجوي العنيف من الطائرات الحربية الإسرائيلية طوال الأربعة
أشهر الأولى من عام 1970. حيث صرحت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل لصحيفة الفاينانشيال تايمز يوم 6 يوليو 1970 بأن طائراتها كانت تسقط ألف
قنبلة على المصريين يوميا .
من أهم العمليات التي قام بها الإسرائيليون خلال شهر يناير 70 كان الهجوم على جزيرة شدوان
، وهي جزيرة منعزلة بالقرب من منطقة تفرع خليج السويس وخليج العقبة بالبحر الأحمر،
وتؤمنها سرية صاعقة ورادار بحري لتأمين الملاحة البحرية في المنطقة . وقد وقع هذا الهجوم ليلة 22 يناير في عملية إسرائيلية ضخمة
شملت إبرار بحري وجوي وقصف جوي استمر لعدة ساعات على الجزيرة ، وضد بعض موانئ البحر
الأحمر التي يحتمل أن تدفع نجدة للقوات المصرية. وقد استمر قتال ضار لمدة ستة
ساعات كاملة بين كتيبة المظلات الإسرائيلية وسرية الصاعقة المصرية . وقد ظل القطاع الذي يحوي الرادار
في الجزيرة يقاوم بعنف دون أن تتمكن القوات الإسرائيلية الاقتراب منه . وقد برر وزير الدفاع الإسرائيلي
أسباب هذا الهجوم الفاشـل بأنه رد على مهاجمة القوات المصرية لميناء إيلات الإسرائيلي
في شهر نوفمبر 1969. وكان الرد الفوري المصري على هذه العملية غارة جوية على معسكر إسرائيلي في العريش
في 24 يناير أحدثت خسائر كبيرة في قواته. ثم أعقب هذا الهجوم آخر في
27 يناير نفذته منظمة تحرير سيناء بقصف مستعمرة ناحال تكفا، حيث أصابت بعض المباني
وقتلت وجرحت 35 فردا إسرائيليا .
توسعت القوات المصرية في أعمال القتال البرية نتيجة لعاملين : أولهما الانتقام من غارات العمق
الإسرائيلية بإحداث أكبر خسائر في قوات العدو، والثانية كسر الحاجز النفسي وتسابق الوحدات
والأفراد على الاشتراك في عمليات العبور، التي كانت دائما تنجح نتيجة للتخطيط السليم،
والتأمين المتكامل مما منح ثقة مطلقة للمقاتلين المشاركين فيها. وقد نفذت 16 إغارة وكمين ناجح على طول الجبهة
، علاوة على ثلاث إغارات في العمق الطور وإيلات. وكانت جميع الكمائن ناجحة تماما
، وأحدثت خسائر كبيرة في العدو، مما اضطره إلى تحجيم تحركاته إلى اقل حد ممكن، بل إِن
تحركاته أصبحت تتم ، من خلال تأمينها بمجموعات قتالية ضخمة ، ومع ذلك فلم تسلم هذه
الأرتال من نيران القوات المصرية . ومن أهم الكمائن التي نفذت خلال هذه الفترة :
1- كمين الشط (11 فبراير 1970) : من أهم الكمائن التي أحدثت خسائر كبيرة في الجانب الإسرائيلي، هي كمين نهاري
من الفرقة 19 مشاة في منطقة شمال الشط يوم 11 فبراير 1970، حيث تمكن من تدمير دبابة وثلاثة عربات، وقتل 18 فردا، وأسر فردين .
2- كمين شرق الدفرسوار (25 مارس 1970) : تمكن كمين من اللواء 117 مشاة، من تدمير دبابة وعربتين نصف جنزير، وقتل وجرح 15 فردا ، في منطقة شرق الدفرسوار
.
3- كمين السبت الحزين (30 مايو 1970) : في 30 مايو 1970 نفذ هذا الكمين في منطقة رقبة الوزة شمال القنطرة حتى جنوب بورسعيد وقد خطط
للثأر لأطفال بحر البقر، واشتركت فيه مجموعة قتال من اللواء 135 مشاة ومجموعة قتال من الكتيبة
83 صاعقة . وحددت قيادة موحدة للقوتين وقد عبرت هذه القوات ليلا ، واحتلت مواقعها لاصطياد
مجموعات الإجازات للجنود الإسرائيليين ، التي تحرسـها قوات مقاتلة مكونة من الدبابات
والعربات المدرعة . وعند الظهر، خرجت على طريق القنطرة متجهة إلى جنوب بور فؤاد مجموعة القتال الإسرائيلية
، المكونة من 4 دبابة ، 4 عربات مدرعة ، وحافلتا ركاب إجازات. وكان على الكمين الرقم 1 المكون من عناصر الصاعقة عدم
التعرض لها ، ويتركها تمر إلى أن تصل إلى الكمين الرقم 2 في منطقة جنوب التينة، حيث
يفتح عليها أقصى معدلات النيران . وقد جرى تنفيذ ذلك تماما ، وأصيبت دبابتان وعربة مدرعة وحافلة . وحاول الجزء المتبقي الهروب
والعودة إلى القنطرة ليقع في شراك الكمين الرقم 1، حيث انقضت عناصر الصاعقة
لتجهز على ما تبقى من القوة . وقد أسر فردان ، وتدمرت الدبابات والعربات ، وقتل وجرح حوالي 35 إسرائيليا ، حيث أطلق على هذا
اليوم السبت الحزين في إسرائيل . وكان الرد الإسرائيلي عنيفا ، استمر حوالي 48 ساعة قصف شبه متواصل على مواقع
القنطرة ورقبة الوزة ، ولكنه لم يحدث أي خسائر ذات أثر على القوات المصرية .
وقد استمرت الأعمال القتالية المتبادلة حتى حدث تغير هائل بعد ظهر الثلاثين
من يونيو 1970، ليحسم الصراع الدائر بين بناة مواقع الصواريخ المصرية وبين ذراع إسرائيل الطويلة،
حيث احتلت بعض كتائب الصواريخ مواقعها من خلال تنظيم صندوقي لعناصر الدفاع الجوي، ابتكرته
العقول المصرية في قيادة الدفاع الجوي المصري . وبدأ عقب ذلك تساقط الطائرات
الإسرائيلية فيما عرف بأسبوع تساقط الفانتوم ، ليصاب الطيران الإسرائيلي بأول نكسة
في تاريخه أثرت على أسس نظرية الأمن الإسرائيلي بالكامل. وكان هذا اليوم بمثابة إعلان
لخسارة إسرائيل لجهودها في معارك حرب الاستنزاف ، التي ركزت خلالها على عدم إنشاء أي
مواقع صواريخ في مسرح العمليات .
وقف إطلاق النار : مع توالي الأحداث وتصاعدها ، زاد الإحساس لدى القيادة الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي
بأن حرب الاستنزاف المضاد ما هي إلا استنزاف آخر لإسرائيل نفسها. وبدأت تتصاعد موجات السخط مع
الإعلان عن خسائر إسرائيل التي تتزايد يوما بعد يوم . وفي داخل القيادة الإسرائيلية
نفسها ، بدأت الصراعات بين الحمائم والصقور تكيل الاتهامات لبعضها . فالعملية بريها لم تحقق شيئا
سوى الدعم السوفيتي سواء بالسلاح أو الوجود على مسرح القتال ، ولم ينتج عنها إلا تآكل
الجيش والطيران الإسرائيلي. ومردودها الوحيد هو تصاعد العمليات العسكرية المصرية .
ولم يأت النقد العنيف من داخل إسرائيل وحدها ، بل من الولايات المتحدة الأمريكية
أيضا ، التي صدمت من زيادة الوجود السوفياتي في مسرح الشرق الأوسط . وشعرت أوروبا أن تأثيرات الحرب
انعكست عليها ، خصوصا بعد أن انتقلت حرب الاستنزاف إلى أبعاد جديدة ، بتدمير الحفار
الإسرائيلي كيتنج في ميناء أبيدجان عاصمة ساحل العاج ، ويحتمل أن يمتد ذلك إلى مناطق
بترولية للتأثير على المصالح الغربية .
وجدت الولايات المتحدة الأمريكية أن استمرار الحرب لا يحقق مصالحها أو مصالح
إسرائيل، لذلك سعت إلى تقديم مبادرة روجرز، التي تقدم بها فعلا وزير الخارجية الأمريكي
، الذي تحمل المبادرة اسمه ، يوم 19 يونيو 1970 إلى كل من مصر وإسرائيل . جاء في نصها الآتي:
" تعلن أطراف النزاع في الشرق
الأوسط ، وتنفذ وقفا محدوداً لإطلاق النار مدته تسعون يوما، وفي هذه الفترة ينشط السفير
جونار يارنج لينفذ قرار مجلس الأمن رقم 242، وبالتحديد فيما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق سلام عادل ودائم
، يقوم على الاعتراف المتبادل والسيادة ووحدة الأراضي والاستقلال السياسي ، بسحب إسرائيل
قواتها من الأراضي التي احتلتها في معركة 1967 " .
وكانت المبادرة بهذه الصيغة المتوازنة تنبع من روح قرار مجلس الأمن 242. ووجد الرئيس جمال عبدالناصر
أن قبولها أمر ممكن ، لإعطاء فرصة للقوات المسلحة لاستعادة كفاءتها القتالية بعد حرب
متصلة استمرت قرابة الألف يوم . ووجدت فيها إسرائيل فرصة للخروج من أزمتها وإيقاف نزيف الخسائر الذي تتعرض له
، وقبلت الأطراف المبادرة وأُعلن وقف إطلاق النيران اعتبارا من يوم 8 أغسطس 1970.
· ولتوضيح صورة الأعمال القتالية في تلك المرحلة ، تبرز الحقائق الآتية :
أولاً : أنواع الطائرات : كانت الطائرات الإسرائيلية " الأمريكية
والفرنسية الصنع " ، أكثر تقدماً من الطائرات المصرية " السوفيتية الصنع
" . حيث كانت متفوقة عليها في المدى ، والحمولات ، ووسائل الملاحة ، والتنسيق
، والإنذار، والمناورة .
ثانياً : وسائل التوجيه : كانت الطائرات الأمريكية مزودة بوسائل إلكترونية
متقدمة ، يعتمد عليها الطيار بصورة شبه كاملة . خلافاً للطائرات المصرية ، التي
تعتمد على كفاءة الموجه .
ثالثاً : الطيارون : اعتمدت إسرائيل على أكفأ طياريها في مرحلة حرب
الاستنزاف ، وفي الوقت نفسه جنـدت عدداً كبيراً من الطيارين الأجانب والمتطوعين ،
بحيث كانت نسبة الطيارين إلى الطائرات 1.7 : 1. بينما كان الطيارون المصريون من
الشباب المتخرج حديثاً ، والجاري إعداده وتدريبه ، والذي اكتسب خبرته القتالية
أساساً من الاشتباكات ، مع الطائرات الإسرائيلية ، أثناء حرب الاستنزاف .
رابعاً : في بداية حرب الاستنزاف قررت القيادة الإسرائيلية ـ التي كانت على
علم تام بالفارق بين القوات الجوية المصرية وقواتها الجوية ـ استدراج المقاتلات
المصرية ، إلى معارك جوية مدبّرة ، حشدت لها أكفأ طياريها ، بحيث تدمر هذه القوات
مبكرا وتضمن السيادة الجوية بعد ذلك . وقد نجحت إسرائيل في استدراج الطائرات
المصرية في عدة معارك ، إلى أن تم اكتشاف الخطة الإسرائيلية، ونفّذت الخطط المضادة
لها .
خامساً : كان هناك فارق كبير بين أهداف استخدام القوات الجوية للطرفين :
فبينما كانت إسرائيل تهدف إلى تحقيق السيطرة الجوية ، واستخدام الطيران ، كأداة
ردع لتحقيق أهداف إستراتيجية ، لتدمير القدرة والإرادة المصرية ، والضغط على
القيادة السياسية المصرية ، كانت أهداف القوات الجوية المصرية تنحصر في أهداف
دفاعية مطلقة ( وقد نبعت الأهداف من القدرات أساساً ) . وقد بلغ متوسط المجهود
الشـهري الإسرائيلي خلال النصف الثاني عام 1969، حوالي 573 طائرة ، زادت خلال عام
1970 إلى حوالي 892 طائرة .
· وتلخص نتائج تقييم أعمال القوات الجوية المصرية ، خلال حرب الاستنزاف ، في
الآتي :
1- المشاركة في توفير المعلومات عن قوات العدو، في سيناء والبحرين الأبيض
والأحمر .
2- المشاركة في استنزاف قوات العدو في سيناء .
3- تأمين التجمعات الرئيسية للقوات البرية ، والأهداف الحيوية ، عن الدولة
.
4- الاستنزاف على الجبهة الشرقية .
القوات الجوية المصرية في حرب الاستنزاف : كانت نتيجة حرب الأيام الستة أشد
إيلاما على القوات الجوية المصرية ، من أي أسلحة أخرى . لذلك اتجهت فور انتهاء
الحرب ، إلى عملية إعادة البناء واستعواض خسائرها ، في الوقت الذي كان الجانب
الآخر مستمراً في الاختراقات الجوية بهدف الاستطلاع ، وقتل الروح المعنوية .
وقد أدى ذلك إلى أن تبذل القوات الجوية قصارى جهدها فيما بين استعداد قتالي
ـ بما تيسر لديها من إمكانيات للتصدي للعدو ـ علاوة على المهمة الرئيسية ، في
إعادة البناء .
وقد تصاعدت الاشتباكات الجوية فعلاً ، في أعقاب معركة رأس العش ، حيث تطورت
الاشتباكات ، مع تنفيذ مهام القصف الجوي يومي 14،15 يوليه 1967، بهدف حماية القوات
البرية ، من تأثير أعمال العدو الجوية . وقد أسفرت هذه المعارك عن إصابة ثلاث
طائرات ميراج معادية ، في مقابل ثلاث طائرات مصرية ، دون إصابات في الطيارين ، مع
تكبيد العدو شرق القناة خسائر كبيرة في قواته ، التي كانت لا تزال في العراء ، حتى
ذلك الحـين . وقد توقف استخدام الطيران مرحليا بعد هذا الاشتباك الكبير، واقتصر
على اشتباكات جوية فردية ، أو معارك جوية متباعدة ، كان أهمها معارك 23 أكتوبر، 3
نوفمبر، 10 ديسمبر 1968، التي أسفـرت عـن إسقاط طائرتي ميراج إسرائيليتين ،
وطائرتي ميج ـ 17 مصريتين . ولا شك أن القوات الجوية المصرية ، على مختلف
مستوياتها التخصصية ، استفادت من هذه الفترة في الإعداد والتنظيم والتدريب ،
تمهيدا للمرحلة الرئيسية التي بدأت اعتباراً من مارس 1969. علما بأن القيادة العسكرية
، كانت متحفظة على الزج بالقوات الجوية في تلك الحرب ، حتى تضمن استكمال استعدادها
، خصوصا أن المرحلة الأولى من حرب الاستنزاف اقتصر نشاط العدو الجوي فيها ، على
أعمال الاستطلاع، والكمائن ، لاصطياد الطائرات، دون الدخول في أعمال قتالية واسعة
. ولكنه اعتبارا من 20 يوليه 1969، ومع بداية المرحلة الثانية لحرب الاستنزاف ،
توسع في استخدام قواته الجوية كعنصر تفوق للاستنزاف المضاد ، بهدف إجبار القيادة
السياسية على عدم الاسترسال في حرب الاستنزاف وإيقافها . وقد أدى هذا التطور، إلى
إجبار القوات الجوية على عدم التخلي عن مسئولياتها في حماية القوات البرية على
الرغم من عدم استكمال استعداداتها ، خصوصا أن قوات الدفاع الجوي ، لم تكن قد
استعدت للقيام بمهامها بصورة مناسبة .
وقد صدرت الأوامر للقوات الجوية المصرية يوم 20 يوليه ، بالرد على القصف
الجوي المعادي حيث شاركت 50 طائرة في قصف أهداف إسرائيلية شرقي القناة، منها مواقع
صواريخ هوك في رمانة ، ومحطة رادار شرق الإسماعيلية ، علاوة على التجمعات
الإسرائيلية، وأوقعت بها خسائر كبيرة . وقد تكرر هذا القصف يوم 24 يوليه ، بقوة
أربعة أسـراب ، ثم يوم 11 سـبتمبر في ضـربة جـوية مصغرة ، ثم تكررت الهجمات خلال
شهري أكتوبر ونوفمبر 1969، حتى بلغ إجمالي الطلعات الجوية المصرية ، خلال الفترة
من 20 يوليه إلى 31 ديسمبر 1969، حوالي 3200 طلعة جوية ، لأغراض التأمين والقصف
والاستطلاع .
ثم تطور النشاط الجوي بصورة أكبر، مع تصاعد تنفيذ العدو للخطة
"بريما" ، التي يقوم فيها بغارات ضد العمق المصري ، إذ كانت لديه طائرات
الفانتوم ، ذات المدى البعيد ، والحمولات الكبيرة . وقد كان الرد المصري بصورة شبه
، يومية ضد أهداف العدو شرقي القناة ، واشتركت طائرات الأليوشن ـ 28 في قصف جزيرة
شدوان، عند احتلالها بواسطة العدو ليلة 23/ 24 يناير 70.
وقد أدى وصول وحدات الدعم السوفيتية ، التي تولت تأمين العمق المصري ، إلى
سحب الأسراب الجوية المصرية ، التي كانت مكلفة بهذه المهام ، لتدعيم القوات على
الجبهة ، حيث زادت كثافة القصف المصري ، ضد العدو خلال شهري إبريل ومايو70.
وقد بلغ إجمالي الطلعات الجوية ، خلال المرحلة الأخيرة من حرب الاستنزاف ،
حوالي 4000 طلعة جوية ، شملت التأمين والقصف والاستطلاع . وبذلك ، بلغ إجمالي
المجهود الجوي ، خلال مرحلة الاستنزاف ، حوالي 7200 طلعة جوية .
خرائط مرحلة الاستنزاف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق