الخميس، 6 أكتوبر 2011

عندما جلست سوزان وجمال على منصة «أكتوبر».. وغاب الفريق الشاذلى


 كتب /أيمن الحسيني 6 / 10 2011             الفريق سعد الدين الشاذلي 


فى كتابه «النصر المحير»، وصف الكولونيل الأمريكى «ديبوى»، الفريق سعد الشاذلى بأنه أستاذ التفاصيل وأهم أعلام العسكرية العربية المعاصرة. وفى الفترة بين هزيمة يونيو ونصر أكتوبر، كانت سيرة الشاذلى أكثر ما يشعل وطنيتنا ورغبتنا فى استعادة الأرض ومحو عار الهزيمة، وتمنحنا الثقة فى أن هذا اليوم آت.
كانت حكايات جولاته على الجبهة وبساطته وجديته ونزوله المفاجئ والمتكرر من سيارته الجيب على الجنود فى المواقع الأمامية وتعليماته الذكية وروحه المرحة، كان كل ذلك يجعلنا نحسد أولئك الذين قابلوه أو عايشوه من أهالينا، كما كان يستقر فى وجداننا كأنه جزء من كينونتنا.
الشاذلى المعجبانى بـ«التأفيزة» الشهيرة وقوامه الفارع وزى المظلات الذى يزهو به والطاقية العسكرية المطوية والمعلقة تحت «إسبلايت» الرتبة ومشيته الرياضية- كان المثال الذى يحاول كل جندى أن يقلده.
                                 المجلس العسكري الحقيقي لحرب أكتوبر 


فى المقابل فإن صورة الشاذلى فى عيون العسكريين والخبراء: رجل شديد الاستقامة، صارم فى الحق، عقل عصرى وتحليلى متفوق، مخطط دقيق، صاحب خيال مختلف، وذو نظرة ثاقبة، وشجاعة غير مألوفة.
كان الشاذلى صاحب خطة المآذن العالية التى قامت على أساسها حرب أكتوبر، وصاحب فكرة العملية الهجومية المحدودة والتمركز لحين بناء قدرات تسمح بالاستمرار فى القتال من أجل تحرير كامل التراب الوطنى.
وفى عام ١٩٩٨، أقيمت ندوة بعنوان «الندوة الاستراتيجية عن حرب أكتوبر» بمناسبة اليوبيل الفضى للحرب، وشاركت سوزان مبارك فى جلسة خاصة، كما شارك جمال مبارك، وتحدث فى جلسة أدارها الدكتور مصطفى خليل، رئيس الوزراء الأسبق، وكان المشهد غريبا، جمال وسوزان وغيرهما على المنصة، والفريق سعد الدين الشاذلى غائب. كنت وقتها محرراً فى جريدة «الأهالى» ومكلفاً بتغطية الشؤون العسكرية، تساءلت عن سبب استبعاد الشاذلى وسر التشدد فى منع وسائل الإعلام من إثارة تلك القضية أو إجراء مقابلات معه، وجاءنى الرد المراوغ «الدوائر العليا تخشى من أن يفضفض الشاذلى بما لا يجب البوح به الآن أو يدخل فى مناقشات عنيفة- كطبعه فى ذلك الوقت من جراء ما ذاقه من ظلم وتجاهل- ما يمنح إسرائيل مساحة لاستغلال أى معلومة فى دعم حملة ضخمة استبقت بها الندوة لقلب الحقائق وإظهار نفسها منتصرة».
                              سعد الدين الشاذلي في غرفة عمليات الحرب 


قلت للواء أحمد فخر منسق الندوة: «لو كان ذلك حقيقياً وتقتضى المصلحة الوطنية غياب الشاذلى فالأكثر منطقية أن يتم توجيه دعوة إليه وإقناعه بأن يعتذر لتفويت الفرصة على إسرائيل وأنا مستعد أن أشارك فى هذا الجهد، لأن عدم حضوره سيكون علامة استفهام مستفزة»، ورد على اللواء فخر «فات الأوان.. جاى تقوللى دلوقت».
فى تلك الأثناء فكرت أن أقترح على الفريق الشاذلى توجيه أهم ٢٥ سؤالاً عن الحرب إلى المشاركين فى الندوة عبر «الأهالى» ولقيت الفكرة استجابة من الشجاع الأستاذ عبدالعال الباقورى، رئيس التحرير، وبعدها شرحت للفريق الشاذلى مقصدى، وقلت إن سبب اقتراحى هو تحريك الحوار فى الندوة لنكشف ما نريد من مواقف وحقائق ضمن إطار الأسئلة وبذلك نخدم حق الرأى العام فى المعرفة، وفى الوقت نفسه تتجنب «الأهالى» المساءلة ممن حظروا إجراء حوارات مع الشاذلى.
وتحمس الفريق وكتب بخط أنيق أسئلة تتضمن أهم علامات استفهام تحيط بالحرب، وبداخلها رؤى ومواقف الأطراف المختلفة: «السادات، أحمد إسماعيل، الجمسى، هيكل، الروس، الأمريكان، إلخ»، ثم طلب منى زيارته فى بيته وراجعناها معاً وعدلنا ما توجب تعديله لأسباب مختلفة، واتفقنا على دمج بعضها ليصل العدد إلى ٢٥ سؤالاً لزوم العنوان الصحفى «أهم ٢٥ سؤالاً حول الحرب بعد مرور ٢٥ عاماً عليها» واليوم ننشرها كاملة وليس ٢٥ فقط.
ونشرت الأسئلة قبيل الندوة مباشرة بمقدمة منى تؤكد أننا لا نوافق الشاذلى على كل ما جاء فى أسئلته كما لا نعتبر كل خصومه مخطئين ونرفض بصفة خاصة تلميحه بأن قيام السادات بتطوير الهجوم فى ١٤ أكتوبر رغم معارضة القادة الميدانيين عمل مشبوه، كما نرفض إدانة قرار السادات عدم الموافقة على خطة الشاذلى لضرب الثغرة بسحب ٤ لواءات من الشرق لأن الموضوع يقبل وجهات نظر، وحسب السادات «فإن رؤية قوات تنسحب ستعيد إلى الأذهان يونيو ٦٧ وتهدم معنويات المقاتلين»، واتفقت مع الفريق أيضاً على حذف العبارة التى يتساءل فيها: هل كان السادات خائناً؟ وقلت له: «الأختام معهم يا سيادة الفريق ويستطيعون اصطناع أوراق وتسريبها، مختومة، تقول إنك قصرت فى كذا أو كذا ما يوجب أن توصف معه بالخائن فدعنا نتجنب هذا الطريق» ووافق.
«أخبار الغد الجديد بالدقهلية» تنشر أسئلة الشاذلى كاملة لأول مرة، مؤكدة أنها إذ تحترم فيه المقاتل الجسور والوطنى المتفرد والعسكرى المثقف، فإنها أيضاً ضد التخوين وضد التقليل من جهود آخرين اختلف معهم الشاذلى أو اختلفوا معه، ونتمنى أن تثير الأسئلة الـ٢٥ شهية آخرين لديهم علامات استفهام أخرى ولديهم إجابات عن هذا السؤال أو ذاك ليدلوا بدلوهم حتى نتعلم من تاريخنا ونصنع مستقبلنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Ads Inside Post