كتب أيمن الحسيني
خاضت «أخبار الغد الجديدبالدقهلية» مغامرة مرافقة الحفارين للتنقيب عن الآثار فى محافظتى الأقصر وأسوان.. رحلة يقرر الكثيرون هنا خوضها بحثاً عن حلم، قد يبدل حياتهم.
كثير من الحالمين بالثراء السريع هنا رأوا أن أحلامهم، قد تتحقق بإيجاد قطعة آثار، رحلة طويلة وشاقة يتعاون فيها أكثر من طرف، وحدوا هدفهم من بداية الطريق لنهايته، وكونوا منظومات متكاملة، تسلم كل حلقة فيها للحلقة التى تليها، وكل خطوة لما فوقها، وصولاً لأعلى مرحلة، وهى مرحلة «المشترين الكبار» إذا نجحت محاولة البحث.
نجحت «أخبار الغد الجديد بالدقهلية» فى اختراق هذا العالم، واستطاعت رسم الخطوط الأساسية لملامحه من خلال عدة لقاءات، أجرتها مع عدد من الحفارين والمنقبين عن الآثار بين الأقصر وأسوان، رفضوا الإفصاح عن أسمائهم الحقيقية، أو أى أوصاف لهم، جمعت من خلال تلك اللقاءات شهادات، على مسؤولية أصحابها، حول هذا العالم الذى لا يعرف أحد عنه شيئاً.
وتمكنت الصحيفة أن تنفرد بالحصول على صور من مواقع الحفر، التى يقوم المنقبون بتحديدها والعمل فيها، كما تمكنت من الحصول على صور، من المقابر التى يتم النبش فيها، بحثاً عن الآثار.
روى المنقبون عن حكاياتهم مع «شيوخ البحث عن الآثار»، و«الجان»، وذوى أحلام الثراء الواسع السريع، ورحلات طويلة لا تنتهى من البحث الدائم المتواصل، تنجح أحياناً فى حصول الباحث على ما يأمله. قرى كاملة فى محافظة أسوان قرر أغلب سكانها الحفر تحت منازلهم البسيطة المبنية من دور واحد، والتى تسترهم جدرانها، بحثاً عن قطع أثرية قد تحول البيت البسيط لعمارة كاملة أو قصر.
بدأنا البحث عن الحفارين والمنقبين عن الآثار، من خلال اتصالات ومحاولات كثيرة مع أناس يسكنون القرى التى يكثر بها المنقبون عن الآثار بمحافظة أسوان، للوصول إلى أحد الذين يعملون بشكل ثابت فى التنقيب عن الآثار، ويتخذونها وسيلة رزق ثابتة ودائمة لهم، نجحت المحاولة فى أن نصل إلى «محروس»، وليس هذا اسمه الحقيقى، «٣٦ عاماً» أحد «الحفارين» الذين قرروا أن يعملوا فى مجال التنقيب عن الآثار بشكل غير شرعى.
لم يجد «محروس» غضاضة فى مساعدتنا وخوض الرحلة معنا شريطة عدم السؤال حتى عن اسمه الحقيقى أو مكان سكنه، فقد تطوع أن يوصلنا بحفارين آخرين، وحلقات أخرى فى دائرة البحث عن الآثار، لم يتعاون الكثيرون منهم بسهولة، وبدا البعض الآخر متحفظاً فى الكلام، لنخرج بعد محاولات عديدة خاليى الوفاض، وقبل آخر الحديث فقط فى التليفون، بينما بدا ثالث متحفظاً حتى فى أن نرى ملامح وجهه، فتكلم من وراء كوفية لا يظهر منها سوى عينيه، وعلى اختلاف الطرق التى تخفيهم اتفقوا جميعاً على أن ما يفعلونه وإن منعته الحكومة وجرمه القانون، ليس بالحظر ولا الحرام شرعاً «دى كنوز مدفونة»، على حد قولهم.
بدأ «محروس» حديثه حول أماكن التنقيب، قائلاً: «غالباً يبحث الناس عن القطع الأثرية فى الأماكن المحيطة بالمعابد، على مساحة ١٠ كم حول المعبد، أو أن حد عنده أرض أو بيت وحاسس إن هيبقى تحتها آثار، محدش بيتحرك ويبدأ يحفر إلا لو شاف شاهد على وجود آثار فى المكان، الشاهد ده غالباً بيكون أثر الجن الموجود فى المكان، يعنى مثلاً ممكن يشوف نور فى المكان فجأة، أو حد يشوف رؤية إن حد بيدله إن فى آثار مخبأة فى مكان معين، أو سمع من أجداده إن فيه آثار تحت أرضه، فبياخد قرار إنه هيطلع الآثار دى، فيبدأ يدور على الحلقة الثانية فى منظومته وهى الوسيط والشيخ».
«شيخ البحث عن الآثار»، هو أهم حلقة فى منظومة التنقيب، وهو الذى يتولى الأمر من بدايته لنهايته، الشيخ هو أساس المصالحة مع الجان اللى بيحافظوا على الآثار، وحماية أرواح الناس اللى بتنقب واللى موجودة فى المكان، وتفادى العكوسات اللى ممكن تحصل أثناء عملية التنقيب، كما قال «محروس».
وأوضح «الوسيط ده بيبقى زى سكرتير للشيخ، وفيه نوعين من الشيوخ، شيخ روحانى، وآخر علمى، العلمى ده يابيكون أستاذ فى كلية آثار، يا خبير فى إحدى البعثات اللى جاية تنقب عن الآثار، ودول بيبقوا أجانب، والناس هنا بتقول عليهم شيوخ، أما الشيخ الروحانى، فدول بيبقوا معروفين عندنا بالاسم، وممكن يبقى الشيخ الروحانى مسلم أو مسيحى، ولكل منهم طقوس معينة للقيام بمهمته، والناس بتبقى مطمنة لهم، وبنقول عليهم شيوخ الآثار، وهما أهم حلقة فى عملية التنقيب، أحياناً فيه بعثات علمية بتستعين بشيوخ الآثار الروحانيين، لتظبيط عكوسات المكان».
وسرد سعيد «٣٣ سنة»، حفار، بدا راضياً أنه سيشرح وجهة نظره فى مدى مشروعية عمله بعدما طمأنه «محروس» أنه لن يتم إيذاؤه، واقعة استعانت فيها بعثة تنقيب بأحد الشيوخ الروحانيين، قائلاً: «آخر واقعة نفتكرها لما بعثة علمية دخلت بمعدات كبيرة وبلدوزرات ضخمة، وأول ما دخلت المكان واستعدت لبدء العمل البلدوزر عطل، غير حاجات كتير مش منطقى أنها تحصل، فبيسمعوا من العمال اللى بيشتغلوا معاهم، والناس فى المكان اللى بيشتغلوا فيه عن الشيوخ الروحانيين، فيبدأوا يستعينوا بيهم، لتأمين المكان وربط الجان المسيطرين عليه، أنا مرة سألت واحد من دكاترة البعثات دى عن نسبة البعثات اللى بتستعين بالشيوخ الروحانيين، فقال لى إن أغلب البعثات بتستعين بيهم، ولما قلتله إننا مش بنشوفهم وإحنا شغالين، كان بيقول إنهم بيبقوا حريصين أنهم يبينوهم أشخاص عاديين ضمن أفراد البعثة، ومن غير جلابية وقفطان.
أما عبدالله، وهو وسيط أحد شيوخ الآثار، ٤٠ عاماً، فكان الوصول إليه ومحاولة إقناعه بالتحدث أمر يبدو مستحيلاً، لولا تعاون «محروس» وإقناعه أنه لن يتم إيذاؤه، وأننا سنحصل منه على قصص من عمله فقط.
بدأ «عبدالله» حديثه عن دور الشيخ وأهميته قائلاً: «مهمة الشيخ تبدأ من «تربيع» المكان، أى تحديد المكان الذى سيتم الحفر فيه على وجه الدقة، فيقف الشيخ الروحانى فى المكان، ويحدد إذا كانت هناك آثار فى المكان أم لا، ويحدد الآثار المدفونة فى المكان سواء كانت تماثيل أو سبائك ذهب، ويعرف ذلك من الكشف اللى عنده، ممكن الشيخ ييجى ويقف فى المكان ويعرف إن مفيش حاجة فميكملش الاتفاق ويمشى».
وأضاف: «لو الشيخ لقى فيه آثار وقرر يشتغل فى المكان بيبدأوا يحددوا الاتفاق المادى، والاتفاق بيكون إن صاحب المكان هياخد ثلث القيمة المادية للآثار اللى هنلاقيها، والشيخ بياخد الثلث، والعمال اللى هيتولوا الجهد البدنى فى الحفر واستخراج الآثار بياخدوا الثلث، والعمال دول لازم يكونوا حفارين شغالين فى الآثار أو فى الأوقاف ويبقوا معروفين، لأننا منقدرش نجيب أى حد خوفاً من أن تكون «الداخلية» زارعة مخبرين وسطهم، وبعد تواجد الأطراف الثلاثة وتحديد الاتفاق المادى، يبدأ تحديد اليوم الذى سيتم بدء العمل فيه لإخلاء المكان من النساء والأطفال خوفاً عليهم من الجن فى المكان، لأن إحدى مهام الشيخ الحفاظ على الناس الموجودة فى المكان، من أى حركة إيذاء محتملة من الجان فى المكان».
وتابع «عبدالله»: «فى اليوم المحدد تأتى الأطراف المنوط بها العمل، فى البداية يبدأ الشيخ قراءة بعض آيات القرآن الكريم، والأدعية، فيبدأ بقراءة سورة يس عدة مرات، و«القسم البرهتى» وهو قسم مكون من قصار السور بالقرآن الكريم، والتى تقرأ بعدد معين، فقط ليقيم علاقة طيبة مع الجان فى المكان، وليبدأ فى معرفة المعلومات منهم، حول كم العمق الذى سيقوم العمال بالحفر إليه، وده الشيخ «المحترم». أما الشيخ «المجرم» فده بيبقى مخاوى الجن فى المكان، فأول ما بيدخل بيفهم منهم تعليمات الشغل، ويبدأ يشتغل فوراً، وأنا ما اشتغلتش قبل كده مع شيخ مسيحى ومعرفش نظام شغله إيه، لكن عرفت من الناس اللى بتشتغل معاهم، إنه بيقرأ جزء من مزامير داوود قبل العمل، لتحديد المكان الذى سيبدأ الحفر فيه».
وتابع: «فيه شيخ مبيحبش يعطى معلومات للحفارين وهما بيشتغلوا، يقولهم مثلاً احفروا عمق ٥ متر مثلاً، وبعدين يسيبهم ويقعد لغاية ما يخلصوا، وفيه شيخ تانى بيدى معلومات للحفارين وهما بيشتغلوا، يعنى مثلا بعد متر هتلاقوا شىء معين وبعد مترين تانى هتلاقى شىء تانى، وفعلاً بنلاقيه، وده بيطمن الناس اللى معاه لصحة كلامه، فبيفضل يطمنهم لغاية ما يوصلوا لـ«الدليل»، والدليل ده عبارة عن ٣ طبقات فوق المقبرة مباشرة، طبقة من الفحم المحفور، وطبقة من البودرة الحمراء، وطبقة عجينة الحكمة، وعجينة الحكمة دى بنبقى عارفين إن كهان الفراعنة هما اللى بيعملوها ويحطوها على أبواب مقابرهم، وفيه ناس كتير اشتغلت وحفرت ومالقيتش الدليل فضاع جهدها ووقتها وفلوسها.
وأضاف: «عبدالله»: بايجاد الدليل ده بيبقى قربنا نوصل للمقبرة، ووقتها بينزل الشيخ ويبدأ يحفر بنفسه لغاية ما يوصل للمقبرة، والمقبرة بتبقى عبارة عن حجرة فى باطن الأرض، قدامها عدد من السلالم، فى المقابر اللى دخلتها لا يتجاوز عددها ٧ سلالم، لغاية ما يوصل الشيخ لباب المقبرة، وهنا لازم يبقى عنده خبرة يتصرف وفقاً لقواعد علمية محددة، لأن الحجرة ممتلئة بغاز «السيانيد» القاتل، بسبب إغلاق المكان منذ آلاف السنين، فيه شيخ يقول إن مهمته وقفت عند النقطة دى، ويترك مهمة فتح الباب واستخراج الآثار لغيره، ويعود ليستكمل عمله بعد استخراجها، لأن لديه مهمة أخرى بعد استخراج التماثيل، وفيه شيخ بيكمل من البداية للنهاية».
وأوضح: «الشيخ اللى بيكمل بيكسر الباب بيده، وبيكون حريص إنه يربط وجهه وأنفه بشاش، وأول ما الباب يتفتح بيسيبه ويجرى، ويسيب المكان يوم كامل عشان يتهوى، ويرجع له بعدها بيوم معاه قطعة قماش، قام بدهانها بالجاز أو البنزين، ويقوم بإلقائها فى الحجرة، لاختبار مدى خلوها من الغاز، إذا احترقت القماشة فمعنى ذلك أنه مازالت هناك كمية من الغاز الخطر، ولو لم تحترق أصبح آمنا دخول المقبرة، وهنا من الممكن أن نصل إلى هذه المرحلة لنجد المقبرة خاوية تماماً، فالعمل معرض للفشل حتى آخر مرحلة، أما إذا وجدت الآثار فهنا لابد من عودة الشيخ الروحانى إذا كان قد أوقف مهمته عند النقطة السابقة، لأن الشيخ وحده هو من يستطيع حراسة الآثار من الجان اللى عليها لأنه لا يتركها».
مع العلم أني تقدمت للحاكم العسكري أنذاك بمبني الدقهلية ببلاغ وقاموا بالقبض علي الشخص ولكن تم الإفراج عنه لعدم كفاية الأدلة بالرغم من ان وراءة حيتان كبيرة في ذلك المجال ونريد مراقبة هؤلاء للوصول لرؤس الأفعي وليس الذيول .!
تحقيق وكتابه / أيمن الحسيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق