بينما يتأهب2011 للملمة آخر أوراقه, ووضع نقطة النهاية لعام حافل بالأحداث الساخنة
ونقاط التحول الرئيسة في تاريخ مصر بداية من ثورة
يناير المجيدة ومرورا بالمرحلتين الأولي والثانية من انتخابات مجلس الشعب, مازال الكثير من الخبراء والمحللين ينظرون بكثير من القلق والريبة والتفاؤل أيضا لما ستحمله أوراق العام الجديد2012 من تحديات علي الصعيدين الداخلي والخارجي وبما يمهد الطريق نحو
التحول الديمقراطي الشامل الذي ينشده جميع المصريين.
الدكتور محمد مجاهد الزيات نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط الذي أكد في بداية حديثه أنه لا يقلقه من سيحكم مصر في الفترة القادمة ولكن الذي يقلقه هو كيف سيحكم مصر, لأن من سيحكمون أيا كانوا هم قوي سياسية فازت في انتخابات نزيهة ولديها تفويض شعبي, ويصبح السؤال هنا هو كيف ستحكم هذه القوي مصر وما هي رؤيتها لحل المشكلات التي تعاني منها, وكيف ستتعامل مع القوي السياسية الأخري؟ فهذا هو المعيار الأساسي.
* سألناه كيف تري المشهد السياسي المصري في الوقت الحالي؟
** بقراءة سريعة في نتائج المرحلة الاولي للانتخابات البرلمانية سنكتشف عددا من المؤشرات منها حضور القوي الإسلامية السياسية( الإخوان والسلفيين) بصورة كبيرة فاقت كل التوقعات سواء علي المستوي الفردي أو علي مستوي القوائم.
* وبم تفسر ذلك؟
** إن الاخوان أقدم حركة سياسية في مصر ولها تنظيم قوي ونجحت في زيادة فاعليتها وقواعدها منذ الثورة وحتي الأن, أما السلفيون فلم يكن لهم حزب من قبل وكان حضورهم مقصورا علي المستوي الشعبي لذا فهم أكثر القوي تنظيما وشعبية.
* ولماذا غابت قوي الثورة في الجولة الانتخابية الأولي؟
** ذلك يرجع لأن قيادات ائتلافات الثورة التي نستثني منها القوي الثورية انشغلت بالإعلام اكثر من استعدادها للانتخابات وحرصت علي مخاطبة الخارج أكثر من الداخل, وبعضها ترك الساحة السياسية واتجه لالقاء محاضرات خارجية لتؤكد حضورها الدولي ولم تنجح في جمع القوي الشبابية التي خرجت للميدان وبدلا من التركيز علي الوطن ركزت علي قضايا فرعية لتؤكد قدرتها كجماعة ضغط وليست كحزب سياسي.
* وهل تتوقع أن تغيب عن البرلمان القادم؟
** من المرجح أن تغيب بصورة أساسية عنه والمسئول عن ذلك أيضا عدد من القيادات السياسية والاعلامية التي شغلت تلك الجموع الشبابية بالقضايا الفرعية وتحقيق الصدام بينها وبين القوي السياسية الاسلامية.
* وما هي الملاحظات الاخري علي تلك الانتخابات؟
** غياب الاحزاب الليبرالية رغم أن الكتلة التي تعتبر أكبر تجمع ليبرالي حصلت علي نسبة لا بأس بها إلا أنها تأثرت بصورة كبيرة بتصريحات بعض قياداتها التي جانبها الصواب ولم تحظ بقبول شعبي في بعض الأحيان, وبدا أن هناك نوعا من الاستعلاء لديها خاصة في نظرتها لما حققته القوي الاسلامية من مكاسب.
* وماذا عن وثيقة د. علي السلمي التي اثارت جدلا واسعا؟
** من الملاحظات المهمة في المشهد السياسي المصري هو توقف الحديث عن وثيقة د. السلمي التي أثارت الكثير من الاختلافات بين القوي السياسية المصرية والتي مثلت في جوهرها محاولة لفرض وصاية علي مجلس الشعب القادم وعملية تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور.
* وما هو تقييمك للمرحلة الاولي للانتخابات البرلمانية؟
** الملاحظ أن المرحلة الاولي للانتخابات البرلمانية تعطي مؤشرا لنتائج الانتخابات بأكملها, ولذا أرجح أن يحقق التيار الاسلامي مكاسب في مجمل العملية الانتخابية بحيث يمثل هذا التيار القوة الأساسية في البرلمان القادم.
* وماذا عن المخاوف التي أثيرت بشأن الحضور القوي للتيار الاسلامي؟
** لا اتفق مع كل ما أثير من مخاوف بهذا الشأن, فمن الضروري أن يلتزم الجميع بنتائج صناديق الانتخابات واذا كان الشعب أعطي صوته في انتخابات حرة ونزيهة لحزب الحرية والعدالة وحزب النور فعلي الاخرين ان يحترموا رأي الشعب فهذه هي الديمقراطية, طالما أنهم احترموا المعايير الديمقراطية, فالديمقراطية في رأي علماء السياسة ليست انتخابات وحرية صحافة ورأي فقط لكنها قيم أيضا تنص علي عدم الاقصاء والمشاركة السياسية الواسعة ومراعاة مصالح الوطن, بالتالي أتصور أن علي التيار الاسلامي أيضا ان يقدم برامج أكثر اطمئنانا تستوعب تحفظات وتخوفات الاخرين وتفتح الباب أمام التوافق الاجتماعي.
* وماذا عن تعامل القوي الليبرالية مع تقدم الإسلاميين؟
** يجب أن يكون التيار الاسلامي أكثر مرونة في التعامل مع المحاولات التي بدأت بعض القوي الليبرالية تشد المجتمع إليها فبعض الأحزاب الليبرالية بعد فشلها في تحقيق مكاسب بدأت توجه انتقادات حادة للتيار الاسلامي يمكن ان تزيد من الاحتقان المجتمعي وعلي الطرف الأخر أن يستوعب ذلك حتي تستمر اللعبة السياسية في حدودها المأمونة.
* وما هي القضايا التي ينبغي أن يركز عليها التيار الإسلامي داخل البرلمان القادم؟
** يجب أن يركز علي تحقيق الأمن ومواجهة الأزمة الاقتصادية والحد من البطالة وتحقيق الاستقرار ودفع عجلة التنمية, وأن تتواري إلي الخلف القضايا الفرعية الشائكة التي تثير المخاوف.
* كيف تري حدود صلاحيات البرلمان القادم؟
** من علامات الاستفهام التي تثار حاليا مدي الصلاحيات الممنوحة للبرلمان القادم, وفي رأيي أن هذه القضية جديرة بالمناقشة الهادئة, فالبرلمان القادم يجب أن يمتلك جميع صلاحياته خاصة فيما يتعلق بمحاسبة الحكومة, وان ينفرد بالعملية التشريعية دون مشاركة من جهات أخري, وأن يكون له التأثير الأساسي أو السلطة الاساسية في عملية تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور علي ارضية التوافق حول المبادئ العليا التي تستند اليها اللجنة التأسيسية لاعداد الدستور وذلك من خلال حوار هادئ مع كل القوي السياسية والشخصيات المستقلة والنقابات واتحادات العمال, وغيرها وأن يستلهم الجميع مصلحة الوطن بالدرجة الاولي.
* وماهي توقعاتك بالنسبة للانتخابات الرئاسية القادمة؟
** الحديث عن الانتخابات الرئاسية سابق لأوانه لأن هناك مجموعة من المرشحين شهدنا من معظمهم مزايدات كبيرة وحتي برامجهم فيما يتعلق بالشئون الداخلية لم تكن واضحة بالدرجة الكافية ولا تزال, والسياسة الخارجية باستثناء مرشح أو اثنين فالباقون ليس لهم رؤية واضحة لملفات السياسة الخارجية وهي نقطة ضعف كبيرة, وأري أن خريطة القوي السياسية التي ستتشكل بعد الانتخابات البرلمانية سوف تحدد مساحة الحركة امام مرشحي الرئاسة والمساندة التي ستوجهها تلك القوي للمرشح القادم.
* وكيف توقف نزيف الاقتصاد؟
** في اعتقادي أن المشكلة ليست اقتصادية فقط ولكن سياسية وأمنية, ففي ظل غياب الرؤية السياسية للمرحلة الحالية والقادمة, وفي ظل الخلافات التي أصبحت أكثر حدة بين القوي السياسية, ومع استمرار حالة الفراغ الامني, وعدم الاستقرار تتراجع ثقة المستثمرين الاجانب والمصريين ويزداد القلق, ويمثل الاستقرار السياسي وعودة الأمن نقطة البداية لتطبيق أي حلول لمواجهة الازمة الاقتصادية
* وما هي أولي الخطوات التي تضمن عودة الأمن؟
** لن يعود الأمن إلا بعودة تطبيق القانون وأن يدرك الجميع أن تطبيقه لا تقوم به إلا الدولة ومؤسساتها, واذا كنا نطالب بعودة الشرطة لعملها فإننا نطالب أيضا بضرورة عودة ثقة الشعب في الشرطة, واذا كنا نطالب بضرورة تغيير قطاع الشرطة والأمن لأسلوب تعامله مع الشعب فنطالب بضرورة احترام أفراد الشرطة وعدم التجاوز معهم, والحرص علي احترام وزارة الداخلية التي تمثل هيبة الدولة المصرية.
* وكيف تتحرك مصر لمجابهة التطورات الاقليمية المتلاحقة من حولها؟
** من الثوابت أن مصر دولة محورية وهذا قدرها ويجب أن تستعيد بسرعة دورها الخارجي وقدرتها علي التأثير في محيطها الاقليمي خاصة في ظل ما يشهده من تطورات متلاحقة تحمل معها الكثير من المخاطر.
* فكيف تري الوضع الآن علي الحدود الغربية بعد رحيل القذافي ونظامه؟
** لا تزال التطورات في ليبيا غير مستقرة وغير معروف طبيعة القوي التي ستحكمها وتوجهاتها, وفي ظل حالة عدم اليقين وعدم الاستقرار في طرابلس تبقي الحدود مصدر خطر علي الأمن القومي المصري.
* وبالنسبة للحدود الجنوبية؟
** يشهد شمال السودان تحركات سياسية نشطة ليس معروفا الي أين ستنتهي وهل يمكن أن تؤثر علي الاستقرار من عدمه, كما أن هناك خلافات بين الشمال والجنوب, ويفترض أن يستوعب ذلك الكثير من الاهتمام المصري.
* وماذا عن الحدود الشرقية, والعلاقات المصرية ـ الإسرائيلية؟
** هناك قلق إسرائيلي من التطورات المصرية, وتحركات عسكرية إسرائيلية تضمنت احياء المنطقة الجنوبية وإعادة هيكلة وإعادة انتشار الجيش الإسرائيلي ونشر لواء جديد بالقرب من الحدود المصرية والحديث يتزايد داخل إسرائيل حول ضرورة تغيير نظرية الأمن الإسرائيلي بعد الثورة المصرية, وهو ما يشير الي أن العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية مرشحة للمزيد من التغيير.
* وماذا تتطلب هذه التطورات الإقليمية؟
** هذه التفاعلات في دول الجوار ينبغي أن ينتبه لها متخذو القرار في مصر, وكذلك القوي السياسية الحزبية علي اختلافها, وإذا كان من الضروري الانشغال بدرجة أساسية بعملية البناء الداخلي فيجب ألا يغيب عن الذهن كيفية التعامل مع هذه التفاعلات.
* وهل تنذر التطورات السورية بنشوب حرب جديدة بالمنطقة؟
** هناك تطورات جارية في سوريا بالتحديد قلبت معادلة التوازن في المشرق العربي, المؤشرات تشير الي قرب سقوط نظام بشار الأسد إلا أن المعارضة السورية غير متماسكة لتمثل بديلا جاهزا, ولذا فالموقف الدولي مازال بطيئا, والملاحظة الأساسية أن جامعة الدول العربية اتخذت مماطلة النظام السوري في التجاوب مع مطالب الجامعة إلا أنه من الملاحظ أن الجامعة تتجه وبدفع من بعض الدول الخليجية لإبراء ذمتها من القضية السورية وتوفير غطاء لتدخل خارجي في دمشق, وفي تقديري أن تركيا سوف تقود هذا التدخل بدعم من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وسوف يبدأ ذلك بمنطقة عازلة للاجئين ثم يليها حظر جوي فوقها وهي تجارب شهدنا مثيلا لها سابقا في العراق وليبيا.
* وكيف سيغير ذلك الخريطة الاقليمية؟
** الخطورة فيما يحدث في سوريا هو تداعياتها علي لبنان وعلي الموقف الإسرائيلي والنفوذ الإيراني بصفة عامة في المشرق العربي, فتنامي الدور التركي سيكون علي حساب النفوذ الإيراني في المنطقة, وبطبيعة الحال فإن انشغال مصر لفترة طويلة بشئونها الداخلية سيؤدي لغيابها عن المحاولات الجارية لترتيب الأوضاع الاقليمية, وبالتالي صياغة تحالفات تحكم معادلة التوازن خلال الفترة القادمة لا تكون مصر شريكة فيها.
* وكيف نواجه ذلك؟
** يجب أن نتنبه إلي ذلك وننشط الاتصالات بالقوي السياسية الفاعلة في المنطقة حتي نؤكد الحضور المصري, وأن تكون هناك مبادرات مصرية مطروحة تتعامل مع التطورات الجارية وتنشئ تحالفات مع الدول المؤثرة اقليميا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق