الأربعاء، 18 أبريل 2012

القنبلة الموقوتة في جنوب مصر النوية وتهميش الحكومات المتعاقبة لسكانها



تقرير إخباري / أيمن الحسيني محرر أخبار غد الثورة بالدقهلية 
«المخاوف من اتصالنا بأبناء نوبة السودان ليس لها مبرر، فهم أولاد عمومتنا».. هكذا قال أهالي النوبة الذين التيقتهم خلال جولتنا في مركز نصر النوبة بأسوان.
والمركز يبعد عن مدينة أسوان حوالي ٦٠ كيلومترا، حيث تم تهجير النوبيين إليه عام ١٩٦٤، وتقع معظم أراضيه علي امتداد وادي كوم أمبو، وتم إطلاق أسماء القري النوبية القديمة علي القري الجديدة التي تم تهجير النوبيين إليها، ولذلك تجد علي جانبي الطريق اللوحات الإرشادية بأسماء قري «بلانة - أبوسمبل - عنيبة - خريت - المالكي - قورته - الدكة». والنوبيون ينقسمون إلي ثلاث قبائل رئيسية وهي «الكنوز والفاديكا والعرب».
وفي مدخل قرية أبوسمبل يواجهك عدد من البيوت النوبية مهدمة وخالية من السكان فيما البعض الآخر متشقق وآيل للسقوط، وقدر البعض هنا عدد البيوت المتشققة في قري النوبيين بحوالي ٥٠%، من إجمالي المنازل وهناك مطالبات كبيرة للحكومة بإعادة ترميمها، وذكر البعض أن قيام الحكومة ببناء هذه البيوت علي الأرض الرخوة سبب تصدعات وشقوقا فيها، ووصف عدد من النوبيين هذا الوضع بأن «فلوس النوبيين ضايعة علي ترميم هذه البيوت».
 وصادفنا خلال الزيارة إحدي النوبيات، وهي زوجة لمواطن نوبي ، وسألتنا عندما وجدت زميلي يقوم بتصوير المنازل «حتعملوا إيه في البيوت دي، الراجل زوجي كبير في السن ولا يملك من النقود ما يكفي لترميم البيت».
وذكرت أن منزلهم متصدع. وأنها وزوجها وأبناءها تركوا الغرف وعايشين في «حوش البيت»، خوفاً من انهيار الغرف عليهم. وطلبت مساعدتهم في ترميم البيت لعدم قدرتهم علي تحمل تكاليف الترميم.
 أحد القيادات النوبية، أكد أن المسؤولين المصريين أثناء بناء السد العالي في الستينيات لم يتعاملوا مع القضية النوبية بما يتفق مع عظمة مشروع السد العالي، وقال: «إن الثورة تعاملت معنا علي أساس أننا مجتمع مهمش وهو نفس المنطق الذي تعاملت به الحكومات المصرية المتعاقبة مع النوبيين في عصر ما بعد الثورة».
وأضاف: «الحسنة الوحيدة لحكومة الثورة هي إنقاذ النوبيين من الغرق، بعدما أنشأت لهم قري التهجير في صحراء كوم أمبو وأوصلت لها المرافق» واستطرد قائلاً «ولكن ليست هذه هي القضية بالنسبة لنا، فقد تم تقسيم المواطنين النوبيين إلي قسمين «مقيمين ومغتربين»، وتم بناء حوالي ١٧ ألف بيت للمقيمين في القري النوبية من بلانة حتي المضيق.
وأوضح أن ٥٠% من هذه البيوت آيلة للسقوط حيث تم اختيار المكان الخاطئ لبنائها، ولم تكن هناك دراسات لاختيار الأماكن الأصلح لبنائها.
وشدد علي أن الحكومات المصرية المتعاقبة لم تعط المسألة النوبية الاهتمام الكافي الذي يحافظ علي كيان المجتمع النوبي.
وأشارإلي أن الإعلام المصري لم يستطع توصيل مطالب النوبيين بتوطينهم في القري الجديدة حول بحيرة السد العالي، إلي الحكومة بشكل صحيح، معتبراً أن الحديث عن عودة النوبيين جميعاً إلي هذه القري غير صحيح.
وقال: «نحن نطالب بأن تكون هذه القري الجديدة امتدادنا الطبيعي». وتساءل «كيف تبيع الدولة الأراضي حول البحيرة للمستثمرين وعندما يطالب النوبيون بإعطائهم جزءاً يتم ترديد نغمة إننا انفصاليون؟»، موضحاً أن هذا الأمر مجرد «شوشرة» أمنية ليس لها أساس من الصحة.
وقال: «نحن نريد توضيح الحقيقة في هذا الأمر، فكل ما نطلبه هو أن يعاد تسكين أبناء النوبة الراغبين في الإقامة في القري الجديدة أو الشباب النوبي الذي لا يجد أرضاً للبناء عليها في قري التهجير».
وأكد رفض النوبيين إعادة توطينهم في وادي النقرة، موضحاً أن هذا الوادي مرفوض شكلاً وموضوعاً لأنه غير ملائم. ودعا إلي ضرورة بناء مساكن المغتربين وعددها ٥ آلاف مسكن علي ضفاف البحيرة، كما طالب باستمرار عمليات الإحلال والتجديد للمساكن المتصدعة في قري التهجير.
وشرح مراحل تهجير النوبيين عن أراضيهم والتي بدأت عند بناء خزان أسوان عام ١٩٠٢، حيث تمت هجرة داخلية لست قري نوبية هي «دابود ودهميت وأمبركاب وكلابشة وأبو هور ومرواو»، وانتقل أهالي هذه القري إلي الجبل.
وأشار إلي أنه عند قيام الدولة بالتعلية الأولي لخزان أسوان عام ١٩١٢ هاجر النوبيون داخلياً أيضاً وفي التعلية الثالثة عام ١٩٣٣، وأخيراً تم تهجير النوبيين عن قراهم إلي نصر النوبة عام ١٩٦٤. وقال قيادي بمركز نصر النوبة «إن مقولة إن النوبيين انفصاليون غير صحيحة، فنحن نعتبر أنفسنا أصل مصر، والإنسان النوبي إذا جرحته ينزف وطنية».
وأضاف: «مطالبنا ليست إلا أن يكون لنا امتداد عمراني حول البحيرة». وأشار إلي قرار الرئيس المخلوع السابق مبارك بإعطاء النوبيين وأبناء أسوان الأولوية في التوطين في القري الجديدة حول البحيرة، موضحاً أن كل ما يطلبه النوبيون هو تفعيل هذا القرار. الذي لم ينفذ حتي بعد هدم النظام السابق ولفت إلي أن النوبيين عقدوا عدداً من المؤتمرات لتفعيل هذا القرار، وقال «ليس لدينا أي نوايا انفصالية فمعظمنا موظفون في الحكومة وكل مطالبنا نقدمها عبر الطرق الشرعية».
وأوضح مختار أن المسؤولين في محافظة أسوان يرددون أنه سيتم توطين النوبيين في وادي النقرة وهو ما يرفضه الأهالي هنا، فالوادي ليس به مكان يسع بناء ٥٢٢١ بيتاً للمغتربين و١٠ آلاف فدان حق النوبيين علي الدولة.
وقال: «هناك إحساس عام لدي معظم النوبيين بأن محافظة أسوان تعاملنا معاملة غير لائقة».
وأشارإلي مشكلة انتشار البطالة بين الشباب النوبي، مؤكداً أهمية قيام الدولة بإدراج نصر النوبة في مشروعاتها المستقبلية بإنشاء المناطق الصناعية الجديدة في الصعيد من أجل توفير فرص عمل للشباب النوبي العاطل، مشيراً إلي لجنة التنمية البشرية التي كانت تترأسها الدكتورة فرخندة حسن بمجلس الشوري السابق خلال زيارتها للقري النوبية أشارت إلي أن نسبة البطالة تصل إلي ٤٥%.
وقال إن المصدر الرئيسي للدخل هنا الزراعة، وخروج النوبيين للعمل في الخارج، موضحاً أن كثرة طلب النوبيين السفر للخارج يقابلها عقبة رئيسية هذه الأيام وهي ارتفاع أسعار عقود العمل بصورة كبيرة.
وأشارإلي روح التعاون التي تربط بين النوبيين حيث يتعاونون مع بعضهم البعض في الأحزان والأفراح واحتفاظهم بعاداتهم منذ آلاف السنين.
واعتبرأن المخاوف التي يرددها البعض بوجود اتصالات بين أهالي النوبة المصرية والنوبة السودانية ليس لها ما يبرره، وقال: «الاتصال بيننا أمر طبيعي ويمتد منذ قديم الأزل، وهم أولاد عمنا، فهل أترك صلة رحمي حتي لا يصفنا البعض بأننا انفصاليون».
وقال ناشط نوبي: « نحن النوبيين نضع أنفسنا تحت نطاق سكان الأرض الأصلية، وهناك بالفعل اتفاقيات وقرارات دولية وقعت عليها مصر تنص علي ضرورة الحفاظ علي سكان المناطق الأصلية والحفاظ علي حضارتهم وتراثهم وتنمية المجتمع الذي يعيشون فيه وليس المنتقلين إليه.
وأضاف: «نحن نطالب بتفعيل هذه القرارات الدولية للحفاظ علي التراثي النوبي».
وأشار أبوبكر إلي أن النوبيين يناشدون دائما بمطالبهم داخل مصر، موضحاً أنه تم عقد العديد من المؤتمرات منذ التهجير وحتي الآن لعرض هذه المطالب، وهناك بالفعل العديد من القرارات الحكومية حول المسألة النوبية، ولكن لم تر النور حتي الآن.
 وقال: ولكننا نقول للدولة الآن إن هناك جرساً أحمر لعدم إعطاء الفرصة للغرب للتدخل في هذه المسألة، لأن الغرب عندما يتدخل لا يتدخل لصالح مصر أو لصالح النوبيين، وإنما لمصالح خاصة به.
 ونفي ما يردده البعض عن وجود تفرقة بين أبناء النوبة من الفاديكا والكنوز والعرب، وقال «كلنا نوبيون ولا تفرقة بيننا فكل من عاش في النوبة فهو نوبي، والنوبة تحتوي من يعيش فيها، ونحن بصدد قضية تجمعنا جميعا وليس هناك أي فرق بيننا».
وأشار قيادي أخر بمركز نصر النوبة، إلي وجود صراع أجيال بين النوبيين حول حق العودة، وقال: «رغم أن هناك تطابقا كبيرا بين الجانبين علي حق العودة، إلا أن هناك اختلافاً في أسلوب المطالبة بهذا الحق».
وأوضح أنه بالرغم من أن الجيل الجديد لم ير النوبة القديمة، إلا أن الجيل القديم زرع به الحنين إليها، مشيرا إلي أن الجيل الحالي في أمسّ الحاجة للعودة نظرا لضيق المساحة هنا وضيق المعيشة، كما أن القري الجديدة حول البحيرة هي المتنفس الوحيد لنا.
وقال: الجيل القديم نظرته للعودة تتمحور حول عودته لقريته القديمة ليموت هناك ويدفن بجوار أجداده.
وقال: إن مركز نصر النوبة له ظروف خاصة تؤدي إلي زيادة الآثار السلبية لإهمال النوبة، حيث إن هذا المركز يقع في منطقة صحراوية جرداء شديدة الحرارة ولا يوجد بها أي وجه من وجوه الاستثمار ومصدر الدخل الوحيد هو دخل الموظفين بالحكومة.
وأشارإلي أنه منذ تهجير النوبيين إلي نصر النوبة كان هناك العديد من القرارات تعطي أهالي النوبة الحق في التعويض عن الأراضي الزراعية التي كانوا يمتلكونها وتعويضهم عن مساكنهم.
ولفت إلي أن الدولة، وبعد بدء استصلاح الأراضي حول بحيرة السد العالي، لا تستجيب لمطالب النوبيين العادلة بإعطائهم الأولوية في الأراضي المستصلحة باعتبارهم أصحابها الأصليين، وقال: «هم لا يطالبون بالاستقلال كما يزعم البعض وإنما يطالبون بالأولوية».
وأشارإلي أن الدولة لديها هاجس أمني ليس له مبرر حول فكرة استقلال النوبيين، موضحا أن النوبيين لديهم اعتقاد بأنهم أصل الحضارة المصرية، وليس من المنطقي أن يفكروا في الاستقلال عن مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Ads Inside Post