عام على الثورة في مصر: الوجه الجديد لمصر
لو طلبوا مني أن أصف وضع مصر اليوم، بعد مرور عام على الثورة التي فاجأت العالم، وزرعت الأمل في قلوب الملايين، أقول بدرجة كبيرة من الثقة، إن الوضع عبارة عن خليط من الريبة وعدم اليقين.
لقد نزل العشرات إلى الشوارع، وضحوا بحياتهم من أجل تغيير حقيقي، ولكن التغيير لم يحدث. الغالبية الساحقة من المصريين لا يعرفون ماذا ينتظرهم في المستقبل، وهذا وضع لا يميّز الثورات عادة. لقد عشت الأيام الأولى من الثورة، وكان الشعور السائد أن التغيير على الأبواب، وكان الحديث يدور بين الجميع عن الأمل في عيون الملايين، الذين تحدثوا عن عصر جديد في مصر. في الواقع لم يحدث أي من هذا. على الاكثر، المناوبة هي التي تبدّلت.
من هذه الناحية، تختلف ثورة مصر عن الثورة الفرنسية أو البلشفية أو الرومانية أو حتى التشيكية، حيث أن هذه الثورات الأخيرة أنجبت قادة وخلقت مسيرة، ولكن الثورة المصرية لم تقم بذلك حتى الآن. في البداية، كانت ثورة الشباب في جوهرها حبا للوطن، ودون شعارات قديمة بالنضال ضد الامبريالية، إنما نداء لفحص النفس من الداخل ولحياة بأسلوب آخر. ولكن، وبعيد فترة قصيرة من البداية، ذهبت الثورة باتجاه آخر، وهي مستمرة بهذا الاتجاه، حيث أن الجيش الذي وضع على عاتقه إرساء الحكم كان معدوم الخبرة السياسية، وكان له عالمه الخاص، لأن مبارك أبقاه بعيداً عن السياسة فبدأ باقتراف الأخطاء.
الخطأ الأول والأهم وربما هو كسر للقاعدة المصرية التقليدية، التي تمثلت في عدم السماح بإقامة أحزاب على أساس ديني، حيث سمح الجيش للحركتين الإسلاميتين، السلفية والإخوان المسلمين، بالانتظام كحركات وأحزاب سياسية. جاء هذا القرار الخاطئ بتوقيت مبكر وكان ينبغي تأجيل هذا ريثما يتم استكمال إقامة المؤسسات الجديدة أولاً، ومن ثم فتح آفاق الحياة السياسية أمام الجميع. بعد أن مُنع الإسلاميون من تنظيم وإقامة الأحزاب السياسية بموجب القانون على مدار عشرات السنين، سُمح للإسلاميين بالانتظام وأقاموا حزبين هما حزب النور السلفي وحزب الحرية والعدالة الخاص بالإخوان المسلمين.
معظم شباب الثورة من الليبراليين، وهم أيضا عديمو الخبرة في المجال السياسي، ودخلوا إلى عالم السياسة بأحلام مليئة بالرومانسية كما يليق بالثورة، ولكنهم لم ينجحوا بتنظيم أنفسهم في أطر سياسية وتشكيل ثقل مقابل التيارات الإسلامية. من وجهة نظري، لم يحاول الشباب السيطرة على الحكم وربما لم يكن بوسعهم القيام بذلك أيضاً، مما قاد الإخوان المسلمين إلى استغلال هذا الفراغ الحاصل ودخلوا فيه بقوة. المفارقة التي حصلت هي أن شباب الثورة قد نجحوا بإسقاط نظام قوي خلال 18 يوماً فقط، ولكنهم لم ينجحوا بإيجاد بديل له خلال 365 يوماً.
تمخضت الثورة عن إنجازات ولكنها كانت محصورة، فقد تم كسر حاجز الخوف لدى الجماهير، وشهدنا لأول مرة انتخابات بمستوى عالٍ من الشفافية ونسبة قليلة من التزوير. كانت نسبة المشاركين هي الأعلى منذ عشرات السنين، لكن المشاكل التي أدت إليها الثورة صعبة للغاية، فلا يوجد أمان على المستوى الشخصي، وهناك انتشار لأعمال الاختطاف والعربدة في كل مكان. الوضع في سيناء على كف عفريت وبعيد كل البعد عن السيطرة، وهناك انخفاض في احتياطي مصر من العملة الأجنبية وصل إلى خط أحمر، فلا يوجد سياحة، واحتياطي القمح يكفي لأشهر معدودة فقط، فضلاً عن مغادرة المستثمرين، ولم نتحدث بعد عن غلاء المعيشة. هذه مشاكل من العيار الثقيل وينبغي معالجتها دون تأجيل، لذلك فإن الحلم الجميل بخصوص التغيير يجب أن ينتظر.
مصر دولة مهمة، واستقرارها هو استقرار الشرق الأوسط. وكجزء من السعي نحو الاستقرار، تطالب جهات من الداخل ومن الغرب بنقل السلطة إلى أيادي مدنية. لكن، لمن؟ لم تُنجب الثورة القائد المحنك الذي يجمع الجماهير من حوله. هناك مرشحون لمنصب الرئيس لكنهم ليسوا بالمستوى المطلوب. من وجهة نظري، أُفضّل الانتقال إلى الحياة المدنية، ولكن مع واقع الوضع الحالي في مصر ومع وجود كل هذه المشاكل، من الأفضل معالجة المشاكل الحساسة في مصر أولاً، ومن ثم نقل السلطة إلى أيادٍ مدنية. في الوقت الحالي كأن شيء لم يحدث. هناك تهجم من شخصيات مصرية مثل نائب رئيس الحكومة السابق، الجمل، على الولايات المتحدة وإسرائيل متهماً إياهم بقيادة ثورة معاكسة، وهناك شخصيات أخرى ترغب في إجراء استفتاء شعبي حول اتفاقية السلام مع إسرائيل، وهناك من هم مستعدون للتنازل عن المساعدات الأمريكية بقيمة نحو 1.5 مليار دولار، إضافة إلى أن قطع إمدادات الغاز عن إسرائيل يقلص من مدخولات مصر السنوية بقيمة 1 مليار دولار. هذا هو انعدام اليقين في هذه الأيام.
إما أن تستسلم مصر لهذه الأصوات، وإما أن تضع المصلحة العليا لمصر فوق كل اعتبار! أعتقد أن نظام التوازن الداخلي سوف يجد السبيل لتوجيه الأمور لصالح مصر بالاتجاه الصحيح. لقد أدركت إسرائيل صعوبة الوضع في مصر بعد الثورة، وتثبت سياسية إسرائيل تجاه مصر الدليل على ذلك. كمن عاش الثورة وتحدث مع العديد من المصريين، وعاش في داخل شعبه في إسرائيل، أقول أنه لا شك بوجود عدم اليقين بخصوص المستقبل، لكن الجميع يريدون مصلحة مصر، وإسرائيل هي على رأس الدول التي تريد ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق