رجل عجوز، يرتسم العناد على قسمات وجهه، يرقد على سرير طبي في قفص الاتهام في قاعة محكمة. يرتدي نظارات سوداء. شعره مصبوغ بعناية. يداه ترتاحان عي أغطية السرير وأساور بيجامته تطل على استحياء من تحت أكمام الروب. إبناه، وهما أيضا موضع اتهام في المحكمة، يتخذان مواقف الحراس التي تقصد حجبه عن الكاميرات.
هكذا كان وصف جريدة الجارديان البريطانية للرئيس المخلوع حسني مبارك، رئيس مصر لمدة ثلاثين عاما، ومخلوعها الذي يحاكم منذ عام. متساءلة هل هذه الصورة، التي توحي بصور قادة المافيا - ستكون آخر صورة نراه عليها؟
وأضافت الصحيفة قائلة إنه في السنة التي مضت منذ خلع مبارك صار مزاج الشعب أقل تسامحا، فبدأ تعليق المشانق الرمزية في ميدان التحرير وأمام المحكمة - تلك المشانق التي يولع بها الإعلام الغربي - بعد أسابيع من بدء الثورة. لم يكن الثوار راغبون يوما في العدالة الاستثنائية؛ كانوا يريدون محاكمة شاملة، عادلة، ويعرفون أنها ستستغرق وقتا. ولكن: كم من الوقت؟ جرت المحاكمة بطيئة، بطيئة، وتكشف في ذات الوقت حجم التخريب الممنهج الذي أشرف عليه الرجل، تخريب بلادنا، قائم نصب أعيننا: الصناعات التي فككوها، الوزارات التي أفلسوها، المياة التي سمموها، الذهب والآثار التي هربوها، الديون التي راكموها واختلسوها، الحياة - حياة الناس - التي أهدروها.
وتؤكد الصحيفة البريطانية على أن مبارك لا زال يعيش حياة البذخ: أولا في سجنه الاستشفائي الشاطئي في شرم الشيخ، ثم فيما يوصف بأنه جناح مجهز بالهواتف والتلفزيونات في المركز الطبي العالمي. تحمله طائرة خاصة من الـ"جيم" الرياضي بالمركز إلى سرير المستشفى قي قفص الاتهام.
وتواصل الجارديان قائلة إن ضرورة لمحاكمة مبارك على دوره في قتل المتظاهرين في يناير وفبراير أثناء الثورة، لكن هذا القتل كان تتويجا لمسيرة يستحق عليها أن يحاكم بتهمة الخيانة العظمى، لإدارته للبلاد بما يصب في مصالح غير مصالح مواطنيها. فليس من المستغرب أن تشكو إسرائيل فقدان كنزها الاستراتيجي، ولا أن يقضي مبارك عشرين دقيقة يشكو لصديقه، وزير دفاع إسرائيل السابق، بنيامين بن أليعازر، من تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عنه بعد أعوامه في خدمتها. لكن المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى كانت سوف تكشف، كما تقول الصحيفة، المصالح الكبيرة والرؤوس الكبيرة، لذا فهو يحاكم على قتل المتظاهرين وتظل التحقيقات في نطاق الأمور الداخلية.
وتابعت إن كل هذا البذخ الذي يعيشه مبارك في حين البلاد تعاني من تدهور اقتصادي قوي جدا، يدفع الكثير من الناس لتمني التحرك السريع بعيدا عن عهد مبارك الماضي، والتركيز على الحاضر والمستقبل، لكن مع ذلك فإن كثيرا من الناس الذين فقدوا أبنائهم أو أطرافهم، يريدون العدالة إنهم يريدون القصاص، والقصاص هو العدالة.
وأوضحت الصحيفة إن الرأي العام في البلاد يتجه إلى أن مبارك يستحق العقاب، وينبغي أن يحصل على أقصى عقوبة ممكنة، وهي الإعدام، لكن المجلس العسكري الحاكم مع ولائهم التام للتسلسل الهرمي واحترام رؤساء القوات المسلحة، صعب عليه رؤية الرجل الذي كان لمدة 30 عاما القائد العام للقوات المسلحة يحصل على عقوبة التي يستحقها، وقد حدد القاضي أحمد رفعت موعدا لإصدار الحكم في مطلع يونيو،وتتساءل الصحيفة مبارك الآن في الـ 84 من العمر. فهل سيعيش حتى هذا التاريخ؟ والأكثر أهمية: ماذا يحدث لأموال مصر وللديون التي تكبدتها ؟".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق