عندما ينضم إلى قافلة الثوار تلاميذ مدارس فى عمر الزهور، يصبح شيئا عبثيا أن يقال إن الدعوة إلى الإضراب العام لم تحقق شيئا من أهدافها.. وعندما يتحدى الصغار تهديدات الكبار ويلفظون تعليماتهم المرتعشة ويتمردون على وسائل الترهيب ويخرجون فى مسيرات إلى الشوارع، فإن شيئا كبيرا يكون قد حدث.
ولو أن الراحل الجميل جلال عامر أتيح له أن يلقى نظرة على عصافير المدارس وهى تغرد مطالبة بحق الشهيد وزوال حكم العسكر، ربما كان من الممكن أن ينتعش قلبه المتعب ويصمد أمام الأزمة الأخيرة.
إن بيان «العسكرى» الذى يحتفل بالانتصار على الثوار، ويشكر الشعب الذى أيده فى الحرب على الشعب، يثبت مرة أخرى أن الشعب أنضج وأوعى كثيرا من حكامه، فضلا عن أن البيان أغمض عينيه وصم أذنيه عن مشاهد مبهرة احتضنتها ساحات الجامعات وأفنية المدارس أمس الأول، كانت بمثابة احتفالية بتخريج دفعات جديدة من الثوار الصغار ينضمون إلى جيش التغيير والحلم بمستقبل أنظف.
لقد أرادوا ألا يروا إلا ما هو قابع فى أذهانهم من أوهام، وعلى سبيل المثال عندما يخرج وزير التعليم العالى من جامعة حلوان شبه مطرود تلاحقه هتافات الغضب وصيحات الامتناع عن الانتظام فى الدراسة، ثم يقول لوسائل الإعلام إن الدراسة منتظمة والأمور تسير بشكل طبيعى، فإنه هنا يبدو وفيا تماما لمنهج نظام مبارك، فى التعامل مع الأشياء.. ولعلك تذكر ذلك اليقين الواثق الذى تحدث به رجال مبارك عندما سئلوا عن تأثير ثورة تونس على مصر، والدعوات للتظاهر فى ٢٥ يناير ٢٠١١، حيث لم تكن الإجابات تخرج عن ابتسامات ساخرة وتأكيدات على أن ما جرى فى تونس لا يهز شعرة فى النظام الحاكم فى مصر، كما قال حبيب العادلى فى حوارات وتصريحات قبل اندلاع الثورة.
وأزعم أنه لو وصل مائة ألف متظاهر إلى وزارة الدفاع، مطالبين بحكم مدنى وعودة العسكر إلى مكانهم الطبيعى، فإن تغييرا مذهلا قد وقع، مع الوضع فى الاعتبار تلك الحرب الشعواء التى شنت ضد المشاركين فى هذه الفاعليات، بما اشتملت عليه من تكفير دينى وتخوين وطنى، فى أجواء مخجلة من التعامى الإعلامى، الذى كشفت الأحداث عن نكوصه إلى تلك الأيام التعبيرية، حين كان يقال فى صحف الحكومة عن عشرات الآلاف إنهم بضع عشرات من المتظاهرين، وتهرب كاميرات ماسبيرو من بحر البشر الهادر فى الميدان، إلى السمك الراقص فى النيل ابتهاجا بالحياة فى كنف نظام مبارك.
غير أن الخطير فى مسألة تهنئة الشعب وشكره على الانتصار على الشعب، أنها تظهر أن العقلية الحاكمة لا تزال تصر على مواصلة اللعب بالنار، امتدادا لتلك اللعبة الخطرة التى بدأت فى بورسعيد ولا يريد صانعوها أن يتوقفوا عن ركل كرة النار فى ربوع مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق