الفساد في أبسط معانيه يعني “سوء استخدام المنصب العام
الفساد في أبسط معانيه يعني “سوء استخدام المنصب العام من أجل التربح الخاص”، حيث يمكن للقائمين على المناصب العامة أن يستغلونها في التربح والكسب بطرق غير شرعية. كما أن الفساد يرتبط بمجموعة من المفاهيم وهي الشفافية والمساءلة والنزاهة، ويقصد بالشفافية” توافر المعلومات التي تتعلق بالسياسات والنظم والقوانين والقرارات واللوائح لكافة المواطنين”. أما المساءلة فهي “مسئولية الأفراد عما يقترفون من أعمال، ووجوب مساءلتهم عن أدائهم الوظيفي وما يصدر عنهم من سلوكيات وتصرفات”. أما النزاهة فتعني “الجوانب الأخلاقية والقيم المرتبطة بقيام الموظف بأداء مهامه مثل الأمانة والصدق والعناية والإتقان والحفاظ على المال العام وصونه”. ولما كان الفساد عبارة عن مجموعة من الأفعال التي يقدم على ممارستها شخص أو مجموعة من الأشخاص بدون وجه حق للحصول على منافع ومزايا بطرق ووسائل مخالفة لما نصت علية القوانين والتشريعات الداخلية أو الوطنية، فإن هذه الجريمة يترتب عليها العديد من الآثار الوخيمة المؤثرة على مسيرة الإصلاح والتنمية.
الفساد على المستوى الحكومي :- تفشى الفساد في منظومة المؤسسات الحكومية ، وانتشرت تلك الظاهرة نتيجة وجود خلل في الرقابة والتشريعات سمح لها بأن تتمدد وتنتشر خاصة على صعيد المحليات ، فهناك عدة مظاهر للفساد داخل المؤسسات الحكومية :- ما يتم تسميته بالتزاوج بين السلطة والإدارة أو فساد “الكبار” من رجال المال والأعمال والوزراء والمسئولين وعدد من المحافظين فساد الموظفين والذي يتم عن طريق آليات الإفقار النسبي ، اى جعل الناس وخاصة صغار الموظفين في القطاعات الخدمية المختلفة يندفعون دفعاً للفساد ، حيث إن نظام المرتبات السائد منذ سنوات طويلة يدفعهم إلى ما يسمى “التركيز الجبري الخاطئ” اى قبول الرشوة والإكراميات[، المدرسون مثلاً ساهموا في سوق ضخم اسمه “الدروس الخصوصية” ، حيث أصبح المدرسون جزءا من منظومة فساد وضحية لسياسات أوصلتهم لذلك . وجود ما يسمى “إفساد المجتمع” ، عندما يكون النظام السياسي وكمصر،جاله فاسدون فإنه يسعى لإفساد المجتمع ككل حتى يسكتوا عنه ويكونوا شركاء قروض رجال الأعمال من البنوك التي لم يتم تسديدها وتم تسويتها ، وعاد بعضهم وتم استقباله استقبال الأبطال وكأنهم لم يسرقوا ، وصل حجم القروض المتعسرة لأكثر من حوالي 40 مليار جنيه مما أثر على المحافظ المالية لكثير من البنوك وجعلها في وضع شديد الخطورة . انتشار ظاهرة ما يسمى “التوريث الفئوي”وانتشارها في كل أنحاء مصر ، “ابن العمدة عمدة وابن الضابط ضابط وأبن الصحفي صحفي وابن القاضي قاضٍ.. الخ”، التوريث مبنى على اعتبارات غير موضوعية تعلى من قيمة المحسوبية وتلقى بالكفاءات على الأرض ، تبدو تلك الظاهرة واضحة في أربع فئات ، هي السلك القضائي والدبلوماسي والشرطة والإعلام ، لدرجة أن هناك أسرا كاملة يعمل كل من فيها في نفس المهنة ، التوريث الفئوي هو أشد أنواع الفساد خطراً لأنه يعنى نزيف الكفاءات التي يتم إهدارها .انتشار الفساد في المحليات حيث بلغ حجم الفساد في المحليات طبقا لتقارير الجهاز المركزي للمحاسبات حوالي 390 مليون جنيه في عام واحد، وإحالة 54 ألف مهندس في الإدارات الهندسية بالمحافظات والمدن والأحياء لتحقيقات النيابة الإدارية، وهناك مليار جنيه حصل عليه الفاسدون في المحليات وحدها، المصريون يرون أن الفساد في المحليات منتشر بشكل يثير الانتباه ، 73% منهم ذلك طبقا لاستطلاع أجراه مجلس الوزراء ، حجم الأموال التي يتم إهدارها في قطاع الوحدات المحلية بلغ 431 مليون جنيه و419 ألفا موزعة بين القطاعات المختلفة، حيث بلغت في قطاع الأوقاف 38 مليون جنيه وفى قطاع الصرف الصحي 70 مليون جنيه والري 574 مليون جنيه ، فساد المحليات هبط بالشعب المصري إلى الحضيض على مستوى كل الخدمات بل والاحتياجات الأساسية بداية من تلوث المياه وفساد المزروعات وسوء التخطيط في توزيع كل السلع الأساسية من رغيف العيش لأنابيب البوتاجاز حتى أصبح الفساد ضارباً بقوة في كل تفاصيل الحياة المعيشية المصرية ، فضلاً عن اتجاه الإدارات المحلية لفرض إتاوات ورشاوى عليهم لإنهاء مصالحهم ، وبات الفساد عنواناً للإدارات المحلية على مستوى محافظات الجمهورية واستغلال النفوذ من جانب القيادات وكبار المسئولين في المحليات، هناك ألف قضية ضد مسئولين بالجهاز الإداري للدولة تتعلق باختلاس المال العام والاستيلاء عليه والرشوة والتزوير ولا تزال تلك القضايا منظورة أمام القضاء دون البت فيها. يقدر حجم الرشوة المدفوعة بالمحليات بمليار جنيه سنوياً بمعدل 3 ملايين جنيه يومياً ، وتشير التقارير إلى أن رخصة البناء تبدأ “تسعيرتها” بخمسة آلاف جنيه وتصل إلى 60 ألف جنيه ، فيما أصبح هناك ما يسمى “عمولات الكبار” وهى أكثر من 500 مليون جنيه سنوياً
كان الفساد في المحليات على عهد مبارك وفقا لتعبير النائب زكريا عزمى فسادا للركب، قبل أن يتحول بعد ثورتين إلى فساد حتى الحلقوم.
الإدارة المحلية التي ظلت تعمل بعد ثورة يناير مطلقة اليد تماما بعد حل المجالس الشعبية المحلية، التي كانت تقريبا صنيعة الحزب الوطني وفساده، وبالتالى ظلت لأكثر من خمس سنوات الآن تعمل بلا أي رقابة.
هذا الجهاز الذي يضم ثلاثة ملايين و600 ألف موظف، والذين نجح جلهم في تحويل الفساد إلى ثقافة مؤسسية كاملة نجحت في النجاة من أي عقاب أو مساءلة، حتى أن أحد أكفأ المحافظين الذين تولوا إدارة هذا الملف لفترة قصيرة وهو اللواء أحمد زكى عابدين، يؤكد من واقع خبرته أن الفساد أصبح ثقافة داخل الأجهزة المحلية، مشيرا إلى أن موظفى الأحياء أغلبهم مرتشون ويقننون الرشوة، من خلال مكاتب استشارية يتم توجيه المواطنين إليها، حيث لا يتم اعتماد أي تصاريح إلا من خلال هذه المكاتب التى يتعاملون معها.تعمد تلك المكاتب إلى رفع سعر التصميم حتى تستطيع تلك المكاتب تخصيص نسبة من السعر لموظفي الأحياء والإدارات الهندسية، وبالتالي لا تتمكن أي جهة رقابية من كشف ذلك، تخيلوا حجم الصلاحيات والمسؤوليات الملقاة على عاتق هؤلاء الموظفين في الإدارات الهندسية، وبعضهم تأهيلهم العلمي لا يتخطى "دبلوم فني" باب الرشوة أحد الأبواب، لكن هناك بابا آخر أطلق عليه البعض مغارة علي بابا، هى الصناديق الخاصة التى وصل عدد التابع منها للإدارة المحلية 6223 صندوق، تصرف أكثر من 85 % من إيراداتها على لجان وهمية ومصاريف انتقال.
نكتشف حجم الخطر المرتبط بكون هؤلاء الموظفين مرتشون فاسدون حين نقرأ فى دراسة خرجت عن وزارة الإسكان، تؤكد أن نسبة مخالفات المباني في مصر بلغت 90 % من إجمالي العقارات الموجودة، والتي قدرتها الوزارة ب4.9 مليون وحدة، القاعدة إذن هى المخالفة وإهدار القانون، يفتقر 50 % منها لأعمال الصيانة حيث تشير الدراسة إلى أن نسبة مخالفات المباني في حي السلام مثلا 94% وعين شمس 96 %، إذا عرفنا أن هذه الأحياء هي من أكثر الأحياء اكتظاظا بالسكان ندرك حجم الكلفة البشرية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة على ذلك الفساد.الإدارة المحلية سِجل أرقامها حافل بالكوارث، منها 450 ألف عقار بدون رخصة بناء أصلا، مليون حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية ، 120 ألف فدان خرجت من نظاق الرقعة الزراعية، مليون عقار آيل للسقوط يعني 5 ملايين أسرة معرضة لخطر الموت حدث ولا حرج.
تدور معارك طاحنة حول البرلمان ودوره رغم أن الخيال السياسي الصحيح والتقدير الأكثر رشدا إذا كنا معنيين بإصلاح حقيقي، كان يقضي أن نبدأ بالمحليات والمجالس الشعبية المحلية، التي يفترض أنها إذا شُكلت بشكل صحيح وفعّال تفتح الباب لأن يحظى المصريون ببرلمان يتفرغ لمهمتى التشريع والرقابة، دون إهدار الوقت والجهد والمال والدور فى لهث النائب خلف الوزير، ليحظى بموافقته على كوبري أو تطهير ترعة أو غيرها من الأمور التي مكانها الطبيعي المجالس المحلية.هذا لو كنا معنيين بتطوير حياتنا أو بالأصح إنقاذ ما تبقى منها، فضلا عن تطوير الحياة السياسية عبر المحليات واحتكاك الشباب بتجربة تطوير محلي تصعد به إلى الساحة القومية، بعد أن يتلقى التدريب ويحظى بممارسة مناسبة، هذه المساحة التي تحتاج جهد وطاقة الشباب فضلا عن نظافتهم.لا أعلم متى يتم اختيار المحافظ بالانتخاب ومن أبناء محافظته ؟ ولا يشهرن أحد شبهة أنه سيحابي أقاربه فستبقى هناك جهات تراقب، أزمتنا في الحقيقة ليست في أجهزة الرقابة التي تبدو متنوعة، لكنها لا تمكن فى بعض الأحيان من كشف تقاريرها التي يجب أن تذاع على الرأى العام، حتى يكون الرأي العام شريكا فى متابعة الإجراءات التي تتجه إلى محاصرة الفساد.من أخطر ملامح الفساد أيضا انتقاله إلى المدن الجديدة التي كانت تحظى في السابق بإطار إداري أكثر صرامة ورقابة ومتابعة أكبر من السلطة التنفيذية، لكن الجديد أن المدن الجديدة التي كانت محاولة صحيحة للخروج من العشوائية والازدحام وغياب التخطيط والتوسع العشوائي الأفقى والرأسي، انتقل إلى تلك المدن فيروس الفساد خصوصا فى أجهزة المدن التى تحولت إلى بؤرة فساد شوهت جمال الشوراع والحدائق والأرصفة، بل وامتد العدوان إلى عمارات سكنية تحولت حدائقها وأرصفتها ومداخلها بل ومناورها إلى مقاهٍ شعبية، تنفس دخانها وضجيجها في صدور وعيون السكان لتلحق المدن الجديدة بصندوق تطوير العشوائيات.بأت الفساد خانقا بعد أن تعرّضت مساحة الحقوق الخاصة للناس إلى عدوان سافر، يستدعي ثورة جديدة لا ترفع شعارات الحرية وتداول السلطة، بل فقط الحق في الحياة مثل كل البشر في الدنيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق