الأحد، 4 أكتوبر 2015

لموساد الإسرائيلي وتجنيد العملاء والجواسيس

الموساد الإسرائيلي وتجنيد العملاء والجواسيس   
المقدِّمة

إن ظاهرة الجاسوسية قديمةٌ في التاريخ وهي من أعمال الدولة والأجهزة الأمنيَّة التابعة لها، والتي تهدف إلى الحصول على المعلومات التي تحتاجها لتأمين مصالحها، وبناء سياساتها وتقوية نفوذها بين باقي الدول. لا يقتصر عمل الجاسوسية على السياسة والدبلوماسية والمجال العسكري أو الأمني، بل يتعداه ليطاول جميع المجالات ومنها العلوم، الإقتصاد، الصناعة والتكنولوجيا، من هنا نستطيع القول أن الجاسوسية تكتسب الأهميَّة في زمن السلم كما في زمن الحرب مع تبدُّل أولوياتها، كما أن نطاقها يطاول الدول الصديقة أو الحليفة مثلما يطال الدول العدوة.
إذا كانت المعرفة تشكِّل ضرورة للإنسان كي يواكب عصره كعنصرٍ واعٍ ومؤثِّر في دائرة وجوده، فإن معرفة دائرة المخابرات تشَكّل ضرورة قصوى لإنسان العصر، ذلك أن الجاسوسيَّة تبلغ حدًا من الأهميَّة يجعلها تقرِّر مصير الشعوب والدول، عرف الإنسان منذ القِدم أهميَّة أنشطة المخابرات والجاسوسيَّة وخصوصًا جمع المعلومات وتحليلها، والتي بنتيجتها نهضت شعوب وأمم، وتقوَّضت دعائم أخرى إنطلاقًا من مدى إتقانها لفنون الحصول على المعلومات، وحسن استخدامها، وبخاصة تلك التي تحتاجها في استمراريتها وتعزيز وجودها.
يعتبر جهاز الموساد أحد أكثر أجهزة المخابرات السريَّة غموضًا في العالم، وتحوطه السلطات الإسرائيليَّة بكتمانٍ شديدٍ، لدرجة أن إسم رئيس هذا الجهاز لا يُعلن إلا بعد أن يصبح الرئيس السابق للموساد، فهذا الجهاز يشكّل الخط الدفاعي الأول الذي تعوِّل عليه إسرائيل في القيام بعمليات التجسُّس والتصفية الجسديَّة ومكافحة عمليات المقاومة. ينصبُّ الهدف الرئيس للموساد على الدول العربيَّة والمنظمات التابعة لها والمنتشرة في أنحاء العالم، كما يتركَّز نشاط عملائها أيضًا في الدول الغربيَّة والأمم المتحدة.

نتيجة بحث الصور عن الموساد الإسرائيلي وتجنيد العملاء
كان واضحًا أن العدو الإسرائيلي لن يسكت عن هزيمته في حرب تموز/يوليو 2006، وقبلها اندحاره عن الجزء الأكبر من الأراضي اللبنانيَّة المحتلَّة في أيار/مايو 2000، لذلك جاء تركيزه على تجنيد العملاء ومحاولة اختراق الساحة اللبنانيَّة وزرع الفتنة بين اللبنانيين، بهدف تحويل هزيمته إلى إنتصار. وممَّا لا شك فيه أن المناخ السياسي غير المستقرّ الذي عرفه لبنان في تلك الحقبة، شكّل بيئة مؤاتية أمام العدو للنفاذ إلى الداخل. إلاّ أنّ حال انعدام الاستقرار يصبح عديم الجدوى ما لم يتوافر له بعض ضعاف النفوس الذين يتم تجنيدهم تحت تأثير الإغراءات الماديَّة أو الجنسيَّة، مما يؤدّي إلى إقامة علاقات مشبوهة، يهدِّدهم العدو بعدها بفضح أمرهم في حال عدم تعاونهم.
إن معرفة الأساليب التي تتَّبعها الأجهزة الإستخباراتيَّة الإسرائيليَّة في تجنيدها للعملاء، هي من الأمور المهمَّة التي يجب معرفتها من قبل أفراد القوى الأمنيَّة بهدف توعيتهم حول هذه الأساليب وبالتالي ضمان عدم وقوعهم في براثنه، لأن جريمة التجسُّس هي من أعظم الجرائم التي قد يرتكبها الإنسان بحق أُمَتِهِ ووطنِهِ ودينِهِ. وقد أثبت جهاز المخابرات في الجيش اللبناني خلال السنوات السابقة قدرته على كشف شبكات التجسُّس وتوقيفها، لكن يبقى للمواطن دورٌ مهم في مساعدة الأجهزة الأمنية للقيام بمهماتها في مكافحة الجاسوسية.
هذا وتكتسب الدراسة المتعلِّقة بتجنيد العملاء من قبل جهاز الموساد الإسرائيلي واستغلالهم والتخلِّي عن بعضهم أهميَّة خاصة في ظلِّ ما كشف النقاب عنه من اكتشاف لشبكات التجسُّس الإسرائيليَّة  في لبنان خلال السنوات الأخيرة من خلال رفع مستوى الحسِّ الأمني لدى القوى العسكريَّة والأمنيَّة، وذلك بمعرفة الأساليب التي يتَّبعها جهاز الموساد الإسرائيلي في تجنيد العملاء، بالإضافة إلى إظهار خطورة جريمة التجسُّس على أمن لبنان والقوى العسكريَّة والأمنية، وتسليط الضوء على الجوانب المظلمة للجاسوسيَّة وتوضيح عواقبها على الجاسوس نفسه.
تتناول الدراسة موضوع عملاء الموساد الإسرائيلي والتخلِّي المدروس عن بعضهم، علمًا بأن كل ما يقوم به الموساد هو في مجمله أعمال سريَّة، وذلك ينطبق على أيِّ جهاز مخابرات في العالم، أي أن القضيَّة المطروحة غير مرئيَّة وكل ما يمكن التوصُّل إليه يتمّ إما عن طريق المصادر المتوافرة والتي تشكِّل في أغلبها ما يسمح الجهاز بنشره، أو عن طريق كتابات خصوم الموساد، والتي قد يكون بعضها دعائيًا أو على الأقَّل تختلط فيه الحقيقة بالخيال. هذا الواقع لا ينفي أن هناك بعض الحوادث المؤكَّدة والمسلَّم بها، بدليل توقيف عدد كبير من العملاء وإحالتهم  القضاء وصدور أحكام بحقِّهم.

أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة

إعتُبر التجسُّس في الماضي عملاً مشينًا، ملاصقًا للخيانة، وكان من خلال النظرة الإجتماعيَّة نشاطًا غامضًا ومنبوذًا، كما كانت الدول تُنكر إستخدامها له وتتَّهم به أعداءها. أمّا في أيامنا هذه، فقد تبدَّلت نظرة الناس تجاه التجسُّس، فالدول لا تُعلن عن عمليات التجسُّس حتى لا يُضر هذا الإعلان بمصالحها، لكنها تمنح جواسيسها أوسمة وتلقبِّهم بالأبطال مثل تكريم إسرائيل لشولا كوهين


أو تسمح لهم بنشر مذكّراتهم، وتفاخر بانتصاراتهم، وتتستَّر على فشلهم، كالسماح للجاسوس فيكتور أوستروفسكي بنشر مذكراته. 

يُشدِّد العديد من كبار قادة الإستخبارات في إسرائيل على أن المعلومة الإستخباراتيَّة تمثِّل في الحقيقة جزءًا أساسيًا من النظريَّة الأمنيَّة الإسرائيلية. ويقول رئيس شعبة الإستخبارات الإسرائيلي الأسبق شلومو غازيت «أن توافّر المعلومات الإستخباراتيَّة الدقيقة منح الجيش الإسرائيلي القدرة على توجيه ضربات قاسية وخاطفة للجيوش العربيَّة والمقاومة الفلسطينيَّة، وهذا ما أدَّى إلى تقليص فترات الحروب مع الدول العربيَّة، الأمر الذي سمح بعودة الحياة الطبيعيَّة إلى مسارها في إسرائيل بسرعة كبيرة». من ناحيته يقول الخبير الأمني الإسرائيلي أمير أورن أن قدرة إسرائيل على الحصول على إستخبارات ممتازة مكَّنتها من الاحتفاظ بجيش نظامي صغير، بحيث أنه لا يتُم استدعاء قوات الإحتياط إلا في حال شُنَّت حرب هجوميَّة على الدولة.
تنطلق أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة من افتراض وجوب زرع عملاء لها في كل المؤسَّسات في العالم العربي، من أجل الحصول على المعلومات التي يمكن على أساسها إتِّخاذ القرارات السياسيَّة والعسكريَّة المناسبة. وتتَّخذ الإستخبارات الإسرائيليَّة النظريَّة القائلة بأن لدى كل إنسان نقاط ضعف، من هنا أهمية إنطلاق التفتيش عن ضعاف النفوس وتجنيدهم. وتخضع عمليَّة الإيقاع بهؤلاء والسيطرة عليهم لخطوات معقَّدة. من هذا المنطلق، أجاد رجال الموساد إستخدام هذه النظريَّة وأخذوا يجرِّبون كل السُبل لتجنيد عملاء لهم في كل مكان، فمن كان يبحث عن المال وجد ضالته لديهم، ومن كان يسعى وراء نزواته أرسلوا إليه النساء لإغرائه، ومن ضاقت به الحياة في بلده أمَّنوا له عملاً وهميًا يقوده في النهاية إلى مصيدة الجاسوسيَّة، من دون أن يدري.


نشأة أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة ومهماتها

حرِصت الحركة الصهيونيَّة منذ قيامها على تنفيذ العمليات السريَّة لتحقيق أهدافها في احتلال الأراضي الفلسطينيَّة، فكانت البداية عندما أُنشأت منظَّمة سريَّة في العام 1904 أُطلق عليها إسم "بيلو"، وكان هدفها التأثير على السلطات العثمانيَّة للسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، لكن السلطان عبد الحميد الثاني وقف موقفًا صلبًا إزاء الهجرة اليهوديَّة ممّا دفع بهذه المنظمة إلى المساهمة بإسقاطه وإيصال زعماء حزب «تركيا الفتاة» إلى الحكم، والذين فتحوا باب هجرة اليهود إلى فلسطين على مصراعيه.
تتميَّز نشأة الإستخبارات الإسرائيليَّة بأنها سبقت نشوء الكيان الإسرائيلي، وهي ترجع إلى انعقاد أول مؤتمر للحركة الصهيونيَّة في بازل في العام 1897 حيث وضع الأُسُس والمخطَّطات والسياسات التي ينبغي عليها اتِّباعها للوصول إلى أهدافها. في العام 1914، تمَّ إنشاء منظمة سريَّة إسمها يلي إتَّخذت منطقة عتليت مقرًا لها، وكانت مهمتها الأساسيَّة مساعدة بريطانيا في الإستيلاء على ممتلكات الدولة العثمانيَّة في أثناء الحرب العالميَّة الأولى، وجمع المعلومات عن القوات التركيَّة والألمانيَّة، وقد نجحت هذه الجماعة في نقل المعلومات التي تمثَّلت في سرقة أسرار غـاز "الخردل" وبعض الأسلحة الألمانيَّة الحديثة ونقلها إلى بريطانيا.
مع إنشاء كيان إسرائيل الجديد الذي أُطلق عليه إسم «جيش الدفاع الإسرائيلي»، تمَّ تأسيس مجموعة الإستخبارات الإسرائيلية أو مؤسَّسة الإستخبارات الإسرائيلية، وقد تألفت من الأجهزة الآتية:

- وكالة شين بيت "Shin Bet".

- الإستخبارات العسكريَّة أمان "Aman". 

- إدارة الإستخبارات الخارجيَّة.

- مجمَّع الهجرة.

يعتبر جهـاز الإستخبارات العسكريَّة "أمان"، الجهاز المُسيطر على الأنشطة الإستخباراتية العسكرية الإسرائيلية الداخلية والخارجية، سُمِّي عند تأسيسه "إدارة إستخبارات الجيش"، ثم عُرف لاحقًا بإسم "أمان" أي الأمن، وقد كُلِّف بمهماتٍ عديدةٍ منها جمع المعلومات عن الجيوش العربيَّة، الرقابة على الصحف الإسرائيليَّة، ضمان الأمن داخل الجيش الإسرائيلي ومكافحة الجاسوسيَّة، تزويد وزارة الدفاع المعلومات حول القوات العسكريَّة العربيَّة وقياداتها، والوحدات القتاليَّة ودراسة إمكاناتها وأهدافها.

في العام 1951، عمدت الحكومة الإسرائيليَّة إلى إعادة تنظيم البُنية الأساسيَّة لأجهزة الإستخبارات والأمن الإسرائيليَّة تنظيمًا شاملاً، فتكوَّنت لجنة مديري الأجهزة "أفعادات"، التي عَمِلت على تنظيم الأجهزة وخدماتها وفق المهمات والمسؤوليات من خلال دمج مخابرات البحريَّة، مخابرات الطيران وجهاز الأمن في جهاز الإستخبارات العسكريَّة، أما جهاز الإستخبارات السياسيَّة فقد جُعل مستقلاً عن وزارة الخارجيَّة وأُعيد تنظيمه كجهاز للمخابرات السريَّة والذي عُرف لاحقًا بجهاز الموساد. أمَّا جهاز مكافحة الجاسوسيَّة والأمن الداخلي "الشين بيت" ويعرف أيضًا بإسم "الشاباك"، فهو إختصار للإسم الكامل بالعبريَّة الذي يعني "إدارة الأمن العام"، وكانت مهمته تعقُّب أعداء الدولة العبريَّة داخل إسرائيل، فهذا الجهاز مسؤول عن جمع المعلومات حول أجهزة الإستخبارات الأجنبيَّة الصديقة والمعادية ونشاطهـا.

جهـاز الإستخبارات السريَّة (الموسـاد)

يُطلق إسم "الموساد" على جهاز الإستخبارات الخارجيَّة الإسرائيلي، والإسم الكامل للموساد هو "مؤسسة الإستخبارات والمهمات الخاصة". حرصت الدولة العبريَّة منذ تأسيس هذا الجهاز على إضفاء هالة من الغموض وستار من السريَّة والتكتُّم الشديدين على تنظيمه وأعماله وأنشطته التجسُّسيَّة وعملياته الخاصة. تأسَّس الموساد فى العام 1951 بقرار صدر عن أول رئيس وزراء للدولة العبريَّة دايفيد بن غوريون، ليشكِّل ذراع الإستخبارات الخارجيَّة الرئيسة ضمن أجهزة الإستخبارات السريَّة المتعدِّدة التي عملت في حينها على خدمة الحركة الصهيونيَّة ودولتها، التي لم يكن قد مضى على إعلان قيامها فى الجزء الأكبر من حدود فلسطين التاريخيَّة سوى ثلاث سنوات.
تشكَّل هذا الجهاز على أنقاض الدائرة السياسيَّة التي عملت فى نطاق وزارة الخارجيَّة الإسرائيليَّة، وكانت مهمتها الرئيسة جمع المعلومات خارج إسرائيل، وقد عمل الموساد فى البداية تحت تسميات مختلفة، منها "المركز الرئيسي للتنسيق"، ثم "المؤسَّسة الرئيسة للاستخبارات والأمن" وانتهى أخيرًا بظهوره بإسمه الرسمي الحالي "مؤسسة الإستخبارات والمهمات الخاصة"، وتلخَّصت مهـامه في:
جمع المعلومات من خارج إسرائيل وذلك عبر زرع العملاء والجواسيس في مُختلف دول العالم، وخصوصًا الدول ذات الأهميَّة الإستراتيجيَّة، والدول العربيَّة المؤثّرة على أمنها وقدراتها العسكريَّة.
السعي لتجنيد اليهود الذين يتبوؤن مراكز مهمة في الدول الأجنبيَّة بهدف الحصول على المعلومات، خصوصًا الأسرار التكنولوجيَّة المتطوِّرة من جميع دول العالم ومتابعة حصول الدول العربيَّة والإسلاميَّة عليها.
التنسيق مع أجهزة الإستخبارات في الدول الصديقة في مجال الإهتمامات المشتركة التي تحقِّق مصالح الجانبين وبخاصةٍ المصالح الإسرائيلية.
رصد النشاطات الإقتصاديَّة والتطوُّر التكنولوجي في منطقة الشرق الأوسط لمنع دولها، وخصوصًا الدول العربيَّة من امتلاك أي تكنولوجيا متقدّمة تؤثّر على ميزان القوى مستقبلاً، والعمل على بثِّ التفرقة بين الدول العربيَّة والإسلاميَّة لعدم حشد قواها ضد إسرائيل.
متابعة الأنشطة والعمليات الموجَهة ضد الأهداف الإسرائيليَّة في الخارج ورصدها. 
يُعتبر جهاز الموساد من أجهزة الإستخبارات القليلة في العالم التي تعتمد في انتشارها على دعم مجموعات المتطوّعين، حيث يُمثِّل اليهود المنتشرون في أنحاء العالم عنصرًا مهمًا في تنفيذ الخطط والبرامج والإختراق الأمني. يُعرف عن جهاز الموساد إهتمامه بالدعاية الإعلاميَّة لأعماله في محاولة لإبرازه على المستويين الداخلي والخارجي، ولإيهام الإسرائليين بأنهم يملكون جهازًا قويًا من خلال إلقاء الضوء على إنجازاته. 

يتميَّز جهازا الموساد والشاباك في المجال البشري، أي تجنيد العملاء وإجراء التحقيقات مع الجواسيس، والعمليات الوقائيَّة والتنفيذيَّة الخاصة بهما، وفي حين أن الموساد يتَّسم بديناميكيَّة خاصة في ما يتعلق بالعمليات السريَّة خارج البلاد، فإن الشاباك يتميَّز بهذه الديناميكيَّة في العمليات داخل الأراضي التي تُسيطر عليها إسرائيل. أمَّا جهاز "أمان" فيُعدّ أكبر جهاز إستخباراتي إسرائيلي من بين جميع الأجهزة الأخرى في ما يتعلَّق بالهيكل التنظيمي والإداري لأجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة، كما أنه الأبرز بين بقيَّة الأجهزة في مجالات التنصُّت، التصوير الجوي، والمهمات الخاصة.


إن الخلفيَّة التاريخيَّة التي توضح الظروف والملابسات والقواعد التي تمَّ من خلالها تأسيس جهاز الموساد تختلف كثيرًا عن أُسُس مقارنته بأجهزة الإستخبارات في الدول الأخرى، بسبب اختلاف طبيعة نشأته وتكوين دولته، ولم ينجح هذا الجهاز في الحدّ من تأثير العوامل النفسيَّة التي تجعل معنويات الإسرائيليين في حال اهتزاز دائم وعدم توازن وقلق أمني وشعور بالتهديد، والتي تفرض ابتعادهم عن مسار الحياة الطبيعيَّة المطمئنة كالشعوب الأخرى المستقرَّة في أوطانها. تحتَلّ أجهزة الإستخبارات والأمن الإسرائيليَّة أهميَّة بالغة في البنية الإسرائيليَّة، وقد أدَّت أدوارًا رئيسة وخطيرة في مجال تعزيز وجود الكيان الإسرائيلي وحمايته وتوسُّعه، لهذا تعتبر هذه الأجهزة من أهمّ أدوات الإستراتيجية الإسرائيلية ونظريتها الأمنيَّة والذراع الطويلة في مواجهة تحديات الأمن القومي الإسرائيلي بمختلف أشكالها. تعتمد القيادة الإسرائيلية على هذه الأجهزة وما تقدِّمه من معلومات وتقديرات إستخباريَّة على الأصعدة الإستراتيجية والعملياتية والتكتية في عمليَّة صنع القرارات وفي توجيه سياساتها الداخلية والخارجية على حدٍ سواء.
تقوم نظرية الإستخبارات الإسرائيلية على أساس تعدُديَّة الأجهزة الأمنيَّة والإستخباراتيَّة والبحثيَّة بهدف خلق حال من التنافس في ما بينها من أجل خدمة الأمن القومي الإسرائيلي وللتقليل من احتمالات الخطأ والمباغتة العربيَّة، بالإضافة إلى بناء أجهزة متعدِّدة تقوم على أساس التخصُّص في المهمات والعمل حسب الموقع الجغرافي، كما أن الخبرة الإستخباراتيَّة التي يتلقاها المسؤولون الإسرائيليون من الغرب بشكل خاص تنعكس هي الأخرى على وضع نظريَّة الإستخبارات موضع التطبيق في مجالات التنظيم والتخصُّص، ولهذا نجدها في الغالب من حيث المهمات والمسؤوليات والتنظيم تتشابه مع مثيلاتها من الأجهزة الأخرى في الدول الغربيَّة.
تنبع فلسفة الإستخبارات الإسرائيليَّة من طبيعة المجتمع الإسرائيلي حيث أن السمة الغالبة لهذا المجتمع هي التنافر وعدم الانسجام نتيجة لتعدُّد الجنسيات واختلاف البيئات التي قدِم منها اليهود للإستيطان في فلسطين، فقد نقلت جماعات المهاجرين عاداتها وتقاليدها وطرق معيشتها المتباينة إلى إسرائيل، ويتَّضح ذلك التنافر في التفرقة العنصريَّة السائدة داخل الكيان الإسرائيلي بين طوائف الإشكنازيم والسفاراديم واليهود السود (الفلاشا) وغيرهم، وتتأكَّد هذه الخلافات أيضًا داخل المجتمع الإسرائيلي حيث ينقسم إلى جناحين رئيسين، الأول ديني والثاني علماني، الأمر الذي ترك بصمات إجتماعيَّة سلبيَّة على مُجمل الحياة داخل إسرائيل، وفي ضوء هذا الواقع تعمل القيادة الإسرائيليَّة على صهر المجتمع الإسرائيلي في بوتقة واحدة في محاولة منها لخلق مجتمع متجانس له طابعه وسماته المشتركة.


 الموساد الإسرائيلي وتجنيد العملاء والجواسيس    

عمليات الإستخبارات الإسرائيليَّة 

على الرغم من الحرص الشديد الذي يبديه مسؤولو الموساد حول سريَّة نشاطات الجهاز وعملياته إلا أن التسريبات التي تمَّت بقصد أو من دون قصد، تسمح بإلقاء نظرة على سجلّ "النجاح والفشل" للعمليات التي نفَّذها أو التي نُسب إليه الوقوف وراء تنفيذها، هذا ويرتبط إسم الموساد بسلسلة طويلة من الإخفاقات والعمليات الفاشلة التي هزَّت صورته وألحقت ضررًا بعلاقات إسرائيل على المستوى الدولي.

أبرز العمليات الناجحة لأجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة

إختطاف طائرة "ميغ21" الروسيَّة من قبل الطيار العراقي منير روفا إلى إسرائيل العام 1966 ممَّا ساهم في كشف بعض أسرار القوة الجويَّة في مصر وسوريا والعراق وساعد في تحقيق التفوُّق الجوي الإسرائيلي في حرب العام 1967.

تنفيذ عمليَّة إنقاذ ركاب طائرة فرنسيَّة في مطار «عينتيبي» في أوغندا العام 1976 بعد أن تمَّ اختطافها في رحلة من تل أبيب إلى باريس من قبل أربعة عناصر من الجبهة الشعبيَّة لتحرير فلسطين، بهدف الضغط على إسرائيل لإطلاق موقوفين فلسطينيين لديها ولدى بعض الدول الأجنبيَّة، أسفرت العمليَّة عن مقتل الخاطفين وإنقاذ الرهائن بإستثناء أربعة إسرائيليين قتلوا في أثناء العمليَّة.

إغتيال عدد من قادة تنظيم أيلول الاسود الفلسطيني وأعضائه الذين نفَّذوا في العام 1972 عمليَّة ميونيخ فى ألمانيا والتي قتل خلالها (11) رياضيًا إسرائيليًا كانوا يشاركون فى دورة الألعاب الأولمبيَّة التى أُقيمت هناك، وقد نفَّذ فريق إغتيالات تابع للموساد، شُكِّل بقرار من رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير، قرارًا بقتل 12 فلسطينيًا بسبب ضلوعهم في تنفيذ عمليَّة ميونخ.

تفجير المخزن الفرنسي في ميناء (La Seyne Sur Mer) الذي احتوى الرؤوس النوويَّة  قبل نقلها إلى العراق في العام 1979، في عمليَّة سمِّيت "أبو الهول"، وتدمير منشآت المفاعل النووي العراقي "أوزيراك" العام 1981.
سرقة تصاميم طائرة الميراج الفرنسيَّة من سويسرا في العام 1968 بواسطة العميل ألفرد فرانكنشت، والتمكُّن من تطوير التصاميم لصنع طائرة "كفير".
خطف القائد الألماني النازي أدولف إيخمان من الأرجنتين ونقله إلى إسرائيل حيث حوكم بتهمة إرتكاب جرائم ضد الاسرائيليين وأُعدم بتاريخ 31 أيار/مايو 1962.


إستدراج مردخاى فعنونو، وهو عالم نووي يهودي، من لندن إلى روما ثم خطفه وإحضاره إلى إسرائيل في العام 1986، حُكم عليه بالسجن بتهمة التجسُّس وإفشاء أسرار حول مفاعلها النووي فى ديمونا الذي عمل فيه مهندسًا.


أبرز العمليات الفاشلة لأجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة

توقيف السلطات المصريَّة شبكة كاملة من الجواسيس العام 1954 في ما عُرف بفضيحة "لافون"، فقد قام 13 مصريًا يهوديًا بوضع متفجّرات في منشآت أميركية وبريطانية في القاهرة والإسكندرية بهدف توتير العلاقات بين مصر والدولتين وإضعاف نظام الحكم الثوروي في مصر، وإظهار افتقاره إلى الإستقرار أمام العالم، وقد أدَّى هذا الفشل إلى استقالة موشيه دوشاريت من رئاسة الوزراء ووزير الدفاع بنحاس لافون ورئيس الإستخبارات بنيامين غبلي.

إكتشاف العميل «إيلي كوهين» الذي يُعدّ أحد أشهر الجواسيس في تاريخ إسرائيل على الإطلاق حيث تمَّ تجنيده من قبل الموساد وزرعه داخل قيادات الحكومة السوريَّة خلال العام 1960 وتمكَّن من تزويد إسرائيل معلومات في غاية الأهميَّة، وذلك قبل القبض عليه وإعدامه علنيًا في دمشق العام 1966.


عدم التمكُّن من كشف النوايا المصريَّة والسوريَّة خلال الإعداد لحرب تشرين في العام 1973.
فضيحة العميل جوناثان بولارد الذي التحق بخدمة الإستخبارات البحريَّة الأميركيَّة في العام 1979، حيث عمل محلّلاً إستخباراتيًا مدنيًا، وتدرَّج في عمله حتى أصبح له حقّ الإطلاع على العديد من المعلومات الحسَّاسة، ثم تمَّ تجنيده لصالح الإستخبارات الإسرائيليَّة، واستطاع تزويدها كمًّا هائلاً من المعلومات الخاصة بإسرائيل والدول العربيَّة ودول أخرى، حُكم عليه في العام 1987 بالسجن المؤبَّد، وفى منتصف التسعينيات منحته الدولة العبريَّة الجنسيَّة الإسرائيلية فى نطاق ضغوطها على السلطات الأميركية لإطلاق سراحه، لكن محاولاتها لم تنجح على الرغم من تعهُّدها أمام الولايات المتحدة ودول أخرى، بألا تستخدم اليهود فيها لمهمات تجسُّس أو لخدمة أي جهاز مخابرات إسرائيلي، لأن مثل هذا الإستخدام سيُلحق الضرر الكبير بالمواطنين اليهود في تلك الدول.


في تموز/يوليو العام 2004، حاول جهاز الموساد الحصول على جوازات نيوزيلانديَّة لاستخدامها في تنفيذ عمليات إغتيال ضدّ عدد من قادة حزب الله والتنظيمات الفلسطينيَّة في مختلف أنحاء العالم، إلا أن المحاولة فشلت وأُلقي القبض على عنصرين من الموساد، حكم عليهما بالسجن لمدة ستّة أشهر، وقد طالبت السلطات الدولة العبريَّة بالإعتذار، إلا أن هذه الأخيرة خشيت من أن الإقدام على خطوة كهذه سيثير القضاء فى نيوزيلاندا، فيعيد محاكمة الجواسيس ويضاعف عقوباتهم، لذلك إختارت الصمت، واتهمت نيوزيلاندا، حكومة إسرائيل بالعودة إلى سياسة إستخدام يهود العالم لخدمة جهاز الموساد.
نجاح أجهزة الإستخبارات اللبنانيَّة في كشف عدد كبير من شبكات التجسُّس التي نفّذت مهمات تخريب من خلال تزويد الموساد المعلومات بالإضافة إلى تنفيذ بعض الإغتيالات لصالحه، مثل شبكة العميل محمود رافع الذي نفّّذ عمليَّة إغتيال الأخوين مجذوب.
إخفاق الموساد في 25 أيلول/سبتمبر 1997 في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في العاصمة الأردنيَّة عمان، عندما حاول عميلان للموساد حقنه بمادة سامَّة، إلا أن العمليَّة فشلت وألقي القبض على العميلين، ولم يوافق العاهل الأردني آنذاك الملك حسين بن طلال على تسليم عميلي الموساد إلا بعد تقديم إعتذار رسمي من إسرائيل عن الحادثة وإحضار الترياق المضاد للسمّ لإنقاذ مشعل، وأدَّت هذه الحادثة إلى إستقالة رئيس جهاز الموساد داني ياتون.

إخفاق المخابرات الإسرائيلية في معرفة مدى قدرة حزب الله على المواجهة والذي كان من الأسباب الرئيسة في إخفاق الجيش الإسرائيلي وخسارته في حرب تموز/يوليو 2006  
إرتكبت الإستخبارات الإسرائيليَّة سلسلة من التقديرات الخاطئة، وعلى الرغم من أن الكشف عن هذه الإخفاقات يمسّ صورتها التقليديَّة، يرى قادتها وجوب التقدّم نحو تحسين الأداء، وعدم ارتكاب أخطاء مصيريَّة، على الرغم من أن من يعترف بأخطائه من العاملين في عالم الإستخبارات أِقليَّة، فالحقيقة أن الأجهزة الأمنيَّة الإسرائيلية، قد أصابها الكثير من مظاهر الفساد والترهُّل مع مرور الوقت، وبسبب كونها أجهزة تجسُّسيَّة سريَّة تعمل بعيدًا من الأضواء وخارج أُطُر الرقابة القانونيَّة والقضائية، من هنا الدعوات المتكرّرة، ولاسيَّما بعد كل فضيحة كبرى أو فشل ذريع تتعرَّض له، إلى ضرورة إجراء إصلاحات داخليَّة، وإعادة تنظيم جذريَّة لأقسامها وهياكلها وحتى مهماتها ووظائفها.


 الموساد الإسرائيلي وتجنيد العملاء  والجواسيس   
الموساد وآليَّة إستدراج العملاء

يؤكّد خبراء الموساد أن ظروفهم تختلف عن باقي الأجهزة الإستخباراتيَّة في العالم، لأن الخطر الذي يتهدَّدهم قائم باستمرار، وأن أي تراخٍ أو ضعفٍ تتعرّض له إسرائيل من شأنه إصدار الحكم بنهايتها، لذا فهم يتستَّرون خلف أعذار واهية في تنفيذ عملياتهم الإجراميَّة حيث يصبح التجنيد في الموساد، من وجهة نظرهم، عمليَّة فنيَّة تحتاج لمهارات عالية وإيمان راسخ بالمسألة الصهيونيَّة لتحقيق أهداف إسرائيل التوسعيَّة في جميع الأقطار العربيَّة.
لا يوجد قيود أو تحديدات لدى الموساد في استخدام وسائل تجنيد العملاء عملاً بمبدأ الغاية تبرِّر الوسيلة، ويمُرّ العميل غالبًا بعدة مراحل تبدأ بدراسة الجدوى من تجنيده لصالح الموساد، وذلك وفق أهميَّة المُرشَح وموقعه ودرجة تأثيره، ثم بمرحلة الترشيح ومن خلالها تتُمّ دراسة المُرشَّح من جميع النواحي النفسيَّة والإجتماعيَّة والسياسيَّة والعلميَّة، وخلال مرحلة إختيار العميل وتجنيده يتَبع عناصر الموساد جميع السُبل لكي يتعاون فيها العميل.
إن كلمة "عميل سري" لا تعني جاسوسًا بالمعنى الشامل، فالعميل السرِّي هو من يعمل لحساب دولة ما بناءً على طلبها، سواء كان موظفًا أو متطوّعًا فإنه في نظرها عميل حتى ولو خان بلده من أجلها، الوحيدون الذين يفرِّقون بين عميل وعميل هم البريطانيون، فتقاليدهم التي تفرِّق دائمًا بين ما هو إنكليزي وغير إنكليزي دفعتهم إلى تسمية العميل الغريب «مخبرًا»، وحده البريطاني بنظرهم يستحق لقب عميل.
يُصبح من الضروري أحيانًا، وفي سبيل إستمراريَّة العمل، البحث عن عملاء جدد لتحسين مستوى العمليات الجارية او للقيام بعمليات جديدة، لذا فإن عمليَّة رصد العملاء تُعتبر نشاطًا دائمًا ومستمرًا لإختيار العملاء الجدد ودراستهم، أما عمليَّة «تطويع العميل» فهي الطريقة التي تتُّم بها رعاية العميل وتشجيعه وتجنيده. ولا يدرك العميل في أغلب الأحيان أنه أصبح عميلاً في بداية تجنيده بل يكتشف ذلك بعد تورُّطه في أعمال التجسُّس، واللافت في الأمر أن بعض الجواسيس الذين سقطوا في قبضة المخابرات العربيَّة كانوا يجهلون أنهم عملاء لإسرائيل وتبيَّن لهم ذلك فقط عندما ووجهوا بالحقائق والأدلَّة التي تدينهم وتؤكِّد تورّطهم بالتجسُّس، ذلك أن صائدي العملاء يستخدمون كل أسلحة التأثير النفسي والمغريات لخداعهم وتشتيت تركيزهم.
تتنوّع أساليب الموساد في تجنيد العملاء وتدريبهم والسيطرة عليهم وتختلف باختلاف الهدف ومجال العمليات، وحسب القسم المسؤول عن العميل في المركز الرئيس، لا توجد قاعدة واضحة محدَّدة تستلزم الحصول على موافقة المركز الرئيس قبل تجنيد عملاء، فالإسرائيليون مستعدّون لاستغلال أي نوع من الدوافع لكسب عملاء جدد كما أنهم يستغلُون إلى حدٍ بعيدٍ نقاط الضعف التي يتصف بها أولئك العملاء. يركِّز الموساد على تجنيد الأشخاص ذوي الأهميَّة في دولهم كالذين يعملون في حقل القوات المسلحة والأجهزة الأمنيَّة، وقد تمكّن جهاز الموساد من تسجيل الكثير من النجاحات في تجنيد العديد من ضِعاف النفوس بطرقٍ كثيرةٍ وحسب دوافع هؤلاء الأشخاص، مُستغلِّين نقاط الضعف لديهم إضافةً إلى تقديم الإغراءات المختلفة لهم. لقد نجحت أجهزة الإستخبارات الإسرائيليَّة في تجنيد الطيار العراقي الذي هرب بطائرته نوع «ميغ» إلى إسرائيل في الستينيات، وكذلك نجحت في تجنيد أحد العلماء العراقيين المدعو «حليم» أحد خبراء الصناعة النوويَّة حيث حصل الإسرائيليون على الكثير من المعلومات منه حول المفاعل النووي العراقي وعن العالم المصري يحيى المشد، الذي كان مشرفًا على البرنامج النووي العراقي وقد اغتاله الموساد في فرنسا في العام 1980 بسبب عدم تعاونه معهم.

الظروف المساعدة لتجنيد العملاء

يقول يعكوف بيري، الرئيس الأسبق للشاباك في كتابه "الآتي لقتلك"، أن عمليَّة تجنيد العملاء تعتمد بشكل أساس على القدرات الإبداعيَّة التي يتمتَّع بها القيِّمون على هذه المهمة، وقدرتهم على تطوير أدائهم بما يتناسب مع حجم المسؤوليَّة الملقاة على عاتقهم، ويصف العمليَّة بأنها «حرب عقول» مفتوحة. لكن من خلال بيري، الذي يُعتبر من أهمِّ ضباط الموساد الذين نجحوا في تجنيد عملاء عرب، فإن عمليَّة تجنيد العملاء، تقوم على الظروف الآتية(5):

المنتصر يخترق المهزوم

عند نشوب صراع بين كيانين، وفي حال حقَّق أحد طرفي النزاع إنتصارًا على الطرف الآخر، فإن مواطني الطرف المهزوم، يُبدون إستعدادًا للتعاون مع الطرف المنتصر، وإذا أسفر النزاع عن نجاح طرف في إحتلال أرض الطرف الآخر، فإن ذلك يهيّء "الظروف المثاليَّة" لتجنيد العملاء لصالح المحتلّ، هذا ما مكَّن إسرائيل من تجنيد عملاء لها َإبان احتلالها لجنوب لبنان.

ضعف الشعور بالإنتماء الوطني

يربط "شفطاي شفيت"، رئيس جهاز الموساد السابق، بين إستعداد قطاعات في العالم العربي للتعاون مع إسرائيل وبين وجود الأنظمة الشموليَّة القمعيَّة في العالم العربي، ويضيف في مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي في العام 2004 أن حكم الأنظمة الشموليَّة في العالم العربي هو عامل مهم في تقليص الشعور بالإنتماء الوطني بسبب سياسة القمع التي تنتهجها، الأمر الذي يجعل بعض مواطني الدول العربيَّة مستعدّين للتعاون مع إسرائيل إحتجاجًا على حكوماتهم وأنظمتهم.

ضعف أو قوة العامل الديني

إن العامل الديني لدى العرب والفلسطينيين يمثِّل درعًا واقيًا يقلِّص استعدادهم للتعامل مع الإستخبارات الإسرائيليَّة. وهذا العامل يعود في الأساس إلى المعتقد الديني والموقف من الصهيونية وقضيَّة القدس التي تختصر جوهر الصراع بين العرب وإسرائيل.

الحاجات الماديَّة والإقتصاديَّة والعاطفيَّة

تشكِّل الحاجات الماديَّة والإقتصاديَّة والعاطفيَّة نقاط ضعف تستطيع الأجهزة الاستخباراتيَّة إستغلالها لتجنيد العملاء.
لقد قامت القوى العظمى، على مرّ التاريخ، بتوظيف الأقليات الدينيَّة والإثنيَّة في خدمتها، والإسرائيليين لم يشكِّلوا إستثناءً للقاعدة. فقد أدَّى انتشار الجماعات اليهوديَّة في أرجاء العالم إلى قيام شبكة إتصالات إسرائيلية، لا تقوم بتسهيل عمليَّة تبادل البضائع والأموال فحسب، وإنما تقوم أيضًا بنقل المعلومات، وتستخدم إسرائيل كل الوسائل المتاحة لتحقيق أهدافها، ما يُعرِّض في كثير من الأحيان اليهود المنتشرين في العالم للأخطار بسبب إستغلال الموساد للإمتيازات والحقوق التي يتمتَّعون بها في دول الإنتشار، ومنها سرقة جوازات سفر عائدة إليهم أو تزويرها، مما أدَّى في كثيرٍ من الأحيان إلى نجاح مهماته من الناحية التكتيَّة، إلا أنها شكَّلت فشلاً إستراتيجيًا إنعكس سلبًا على إسرائيل وعلى يهود الشتات.
إضطلعت أجهزة الإستخبارات بدورٍ أساسيٍ في رسم إستراتيجيات إسرائيل وأساليب تطبيقها، وممَّا لا شكَّ فيه أن تلك الأجهزة كانت تعتمد بشكل أساسي على العنصر البشري بصرف النظر عن التقدّم التكنولوجي ومدى إستفادة أجهزة الإستخبارات من هذا التقدُمّ. وقد شكَّل الانسان العربي هدفًا أساسيًا ودائمًا لصيَّادي الجواسيس من ضباط الموساد وإن اختلف اهتمامهم بتجنيده باختلاف مكانته الإجتماعيَّة، فأفلت الكثير من الوقوع في شرك الجاسوسيَّة، إلا أن القليل أسقط نفسه ضحيَّة المال والجنس والمخدرات.

إشكاليَّة مكافحة الجاسوسيَّة في ظل التطوّر التكنولوجي وتقنيَّة تبادل المعلومات ونقلها

أكَّد تقريرٌ تحت عنوان "العدو الخفي"(6) أن الثورة المعلوماتيَّة التي جعلت من عالمنا الواسع قرية صغيرة رافقتها ثورات أخرى جعلتها محكومة من قبل قوة لامركزيَّة، وأضاف التقرير أن شبكة الإنترنت شكَّلت بعد انتشارها واحدة من أهمّ أذرع تلك القوة التي بدأت بتغيير العالم بعد أن خلقت متنفسًا للشباب للتعبير من خلاله عن معاناته  مشاكل العصر والتغييب والخضوع والتهميش، والتمدُّد أفقيًا وبصورة مذهلة في نشر تلك الأفكار والتفاعل معها.

ولعل أخطر جوانب التجسُّس، هو إنتفاء فكرة وجود التجسُّس الواقعي في أذهان الناس، لكن الحقيقة هي أن أي جاسوس قادر اليوم على مشاهدة ما يجري داخل جدران بيتك والإستماع إلى ما يقال داخل مكتبك، وتسجيل الإتفاقات السرَّية أو اللقاءات العاطفيَّة أينما وحيثما تمَّت، فكل واحدٌ منَا معرّضٌ لعين رقيبٍ أو خائنٍ، أو معرَّض ربما لخطر الموت، ذلك أن كلاً منا يُثير إهتمام الجاسوس ويشكّل هدفًا محتملاً له. ولهذا تستخدم الإستخبارات الإسرائيليَّة وسائل تكنولوجيَّة متطوِّرة للتنصُّت والمراقبة والحصول على المعلومات، ويعود التفوُّق الإسرائيلي في هذا المجال إلى إستقطاب الكفاءات العلميَّة لليهود المنتشرين في العالم.
منذ أن دخلت التكنولوجيا حياتنا ساد الإعتقاد بأنها بداية عصر سريَّة المعلومات، لكن وبعد سنوات قليلة جاءت أنظمة التجسُّس المتطوِّرة لتبدِّد تطَّلعات صانعي التكنولوجيا الهادفة لمزيد من الخصوصيَّة والسريَّة في عصر المعلومات والإنترنت، وأصبحت تفاصيل حياتنا وأسرارنا مباحة أمام من يمتلك هذه التقنيات، فتحوَّل الإنترنت والفضاء الافتراضي إلى ساحة حرب معلوماتيَّة هدفها المزيد من الهيمنة والسيطرة لتحقيق مصالح الدول.
وقد وصلت تكنولوجيا التجسُّس في العالم إلى مرحلة مرعبة مع التقدّم التكنولوجي الهائل الذي تشهده البشريَّة، وأصبح بمقدور الأجهزة الإستخباراتيَّة أن تصوِّر أي شخص أو تتنصَّت عليه أو تتعقَّبه على أقل تقدير بواسطة عدد من الأجهزة الإلكترونيَّة التي يقتنيها، ولا يقتصر الأمر على التنصّت على المكالمات بل إنه يتعدى ذلك بكثير، إذ يمكن تحويل جهاز الهاتف الخلوي إلى أداة للتجسُّس بتشغيل المايكروفون الداخلي أو الكاميرا بحيث يتسنَّى تسجيل كل تحرّكات الشخص المستهدف من دون علمه أو حتى من دون استعمال الهاتف.

لا يقتصر الأمر على أجهزة الهواتف الخلويَّة، فكل جهاز رقمي حديث تقريبًا يمكن تجهيزه ليستخدم في أعمال التجسُّس، بدءًا من أجهزة الكمبيوتر وليس انتهاءً بشاشات البلازما والـ(LCD) ومشغِّلات الموسيقى الرقميَّة (MP3) والأجهزة الرقميَّة الموجودة في السيارات، وقد سوَّقت شركات عالميَّة شاشات (LCD) وبلازما تحتوي على كاميرات مراقبة خفيَّة بهدف مراقبة الأطفال أو المنزل في غياب الأهل، لكن طرح هذه التكنولوجيا تجاريًا يرجِّح إمكان إستخدامها من قبل أجهزة الإستخبارات ذلك أن معظم التقنيات التي تسوَّق تجاريًا تكون قد استخدمت لأغراض عسكريَّة أو أمنيَّة كما هو الحال بالنسبة لنظام التخابر الخلوي ونظام تحديد الموقع (GPS).

على الرغم من الدور الكبير الذي تضطلع به التكنولوجيا في أعمال التجسُّس، إلا أن العنصر البشري يبقى المصدر الأهم في الحصول على المعلومات، ويتَّفق قادة الأجهزة الإستخباراتيَّة الإسرائيليَّة على أفضليَّة المعلومات التي يمكن الحصول عليها حول العالم العربي من مصادر بشريَّة، أي عن طريق تجنيد عملاء في الدول العربيَّة. وفي هذا المجال، يؤكّد وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي آفي ديختر، الذي شغل في الماضي منصب رئيس جهاز الشاباك، أن المعلومات التي  يتُمّ الحصول عليها من المصادر البشريَّة موثوقة أكثر من المعلومات التي يمكن الحصول عليها بالوسائل الإلكترونيَّة، مثل التنصُّت والأقمار الإصطناعيَّة، التي غالبًا ما يصعُب ترجمتها أو تفسيرها(7).
يجزُم ديختر أن بعض المعلومات الحيويَّة لا يمكن الحصول عليها إلا عبر المصادر البشريَّة، من هنا يرى قادة الأجهزة الإستخباراتيَّة الإسرائيليَّة، أن إسرائيل مطالبة بمضاعفة الإستثمار في مجال تجنيد المزيد من المصادر البشريَّة داخل الأراضي الفلسطينيَّة وفي الدول العربيَّة للحصول على المعلومات الحيويَّة، وينتقد آليَّة عمل وكالة الإستخبارات الأميركيَّة التي تعتمد بشكل أكبر على الوسائل الإلكترونيَّة في الحصول على المعلومات، ويعتبر أن هذا هو أحد الأسباب الذي جعل مهمة الولايات المتحدة الأميركية بالغة الصعوبة في كل من العراق وأفغانستان.


الموساد الإسرائيلي وتجنيد العملاء والجواسيس    
التفوُّق التقني لدى إسرائيل

تستخدم الإستخبارات الإسرائيليَّة وسائل تكنولوجيَّة متطوِّرة للتنصُّت والمراقبة والحصول على المعلومات، وتؤكِّد الإحصائيات أن إسرائيل تأتي في الدرجة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية على قائمة الدول المنتجة للتقنيات المعلوماتيَّة وبخاصة الأمنيَّة منها، ويعود التفوُّق الإسرائيلي في هذا المجال إلى استقطاب الكفاءات العلميَّة لليهود المنتشرين في العالم.
ساهم نزوح عدد كبير من اليهود إلى إسرائيل في ارتفاع نسبة العلماء والمهندسين فيها، كما أن إسرائيل عمدت إلى استقدام عدد كبير من العلماء من حول العالم وخصوصًا من الإتحاد السوفياتي السابق، وكان لهم دور بارز في تطوير الصناعة الإسرائيليَّة في جميع المجالات وبخاصة في  التكنولوجيا والمعلوماتيَّة، وتخصِّص الحكومة الإسرائيليَّة حوالى ثلاثة مليارات دولار من موازنتها السنويَّة للإنفاق على البحث العلمي.
إن الدعم الذي تحظى به إسرائيل من بعض الدول العظمى كالولايات المتحدة الأميركية بالإضافة إلى التعاون بين أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية وأجهزة إستخبارات هذه الدول، مكَّنها من الحصول على تقنيات تكنولوجيَّة متطوِّرة في المجال العسكري والأمني، كما تعمل على تطوير الأنظمة والتقنيات التي تحصل عليها، هذا وتسعى إسرائيل بشكل مستمر للحصول علـى المعلومـات التكنولوجيَّة السريَّة بواسطة العمليات السريَّة المشروعة وغير المشروعة.
هذا وتستخدم إسرائيل التكنولوجيا في مجالات عدَّة في عمليات التجسُّس، فمن التجسُّس الالكتروني الذي تستخدم فيه الأقمار الإصطناعيَّة وطائرات التجسُّس في اعتراض الإتصالات اللاسلكيَّة والإتصالات الخليويَّة والتشويش عليها، إلى الأجهزة الإلكترونيَّة صغيرة الحجم التي يستخدمها العملاء والجواسيس في المراقبة والتصوير وإرسال المعلومات وتلقيها والتي تصنع خصيصًا لهذا الغرض، وأصبحت إسرائيل توظِّف التقنيات المتاحة للإستعمال العام لصالحها مثل إستخدام شبكة الإنترنت كوسيلة للإتصال الآمن بعملائها وفي الوقت ذاته تستخدمها في تجنيد العملاء.

تمتلك إسرائيل منظومة من أقمار التجسُّس الإصطناعيَّة، تشتمل الآن على خمسة أقمار تجسُّس تختلف أعمارها في الفضاء وهي:"EROS-A1"و"EROS-B" وقد أُطلقا في الفضاء في كانون الأول/ديسمبر من العام 2000 وفي نيسان/أبريل من العام 2006 على التوالي، و"أفق 5" و"أفق 7" اللذان أُطلقا في أيار/مايو من العام 2002 وحزيران/يونيو من العام 2007 على التوالي، وآخرها"TecSAR" الذي أطلق في العام 2008 من الهند، وقد بُنيت هذه الأقمار كلها بواسطة شركة الصناعات الجويَّة والفضائيَّة الإسرائيليَّة (8). كما تعتمد إسرائيل في عمليات التجسُّس النظام الرقمي "ايشلون"(Echellon) هو إسم يطلق على نظام آلي عالمي لاعتراض أي إتصالات والتقاطها، مثل مكالمات الهاتف، الفاكس، رسائل البريد الإلكتروني، وأي إتصالات مبنيَّة على الإنترنت، وإشارات الأقمار الإصطناعيَّة بشكل روتيني يومي لأغراض عسكريَّة ومدنيَّة، بالإضافة إلى إستخدام الطائرات من دون طيار بالتعاون بين «وحدة 8200» وسلاح الجو الإسرائيلي، كما تستخدم هذه الطائرات في تنفيذ عمليات الإغتيال كونها مزوَّدة صواريخ خاصَّة تقوم بإطلاقها على الأشخاص بهدف قتلهم. وبهذا تصبح "وحدة 8200" إضافة إلى أنها ذراع إستخباراتي إلكتروني، وحدة تنفِّذ عمليات ومهمات ميدانيَّة.

يستخدم جهاز الموساد وسائل تكنولوجيَّة متطوَّرة للتنصُّت والمراقبة والحصول على المعلومات، إضافة إلى إستخدام أساليب التجسُّس من زرع أجهزة تنصُّت وكاميرات تصوير وأجهزة إلكترونيَّة دقيقة وحسَّاسة غير مرئيَّة وبأنواع مختلفة يصعب إكتشافها، ذلك أن التطوُّر التكنولوجي بلغ مراحل متطوِّرة من التحديث وقدرة التمويه والإخفاء لنقل المعلومات. وقد تطورَّت الأجهزة والتقنيات التي يستعملها الجواسيس في تنفيذ مهماتهم، وعلى الرغم من أن الكثير من هذه التقنيات أصبحت بمتناول الأشخاص العاديين مثل الكاميرات أو آلات التسجيل الدقيقة، ولم يعد إستعمالها حكرًا على الجواسيس، تبقى الميزة الأهمّ للأجهزة المعتمدة من قبل الموساد هي إختلاف حجمها الذي ساهم إلى حدٍّ كبير في تسهيل تمويهها ونقلها وإخفائها، كما ساعدت سعتها الكبيرة على إمكان تخزين كمٍّ كبيرٍ من المعلومات، والأهم من ذلك، إمكان تشفيرها بحيث لا يعود بالإمكان الإطلاع على مضمونها أو طريقة عملها إلا لمن يمتلك تقنيات متطوِّرة تخوِّله القيام بذلك.
وتبيَّن من التحقيقات التي أجرتها مديريَّة المخابرات في الجيش اللبناني، أن شبكات العملاء التي تمَّ اكتشافها، قد خضع أفرادها لدورات تدريبيَّة داخل إسرائيل وخارجها، وقد كُلفت من قبل الجهاز المذكور تنفيذ عمليات مختلفة، وزوِّدت لهذه الغاية أجهزة إتصال ومراقبة سريَّة ومتطوِّرة، كما زوِّدت خرائط دقيقة لأماكن عديدة في لبنان، ومستندات مزوَّرة وحقائب تحتوي مخابئ سريَّة، وشبكات مرمَّزة. كما ضبط بحوزة العملاء تقنيات إستقبال وإرسال متطوّرة جدًا ومموّهة، منها كاميرات تصوير خاصة، تُزرع في عدد من الأدوات للتمويه، وأجهزة كومبيوتر مع ذاكرة متنقلة ذات سعة كبيرة (FLASH-MEMORY) مزوَّدة نظام تشفير خاص بحيث لا يمكن فتحها أو قراءة ما في داخلها إلا بعد فك رموز التشفير، وتقنيات جديدة للإرسال والإستقبال المباشر، مثل أجهزة راديو صغيرة تحتوي على جهاز إرسال خاص مزوَّد ببطاقة هاتفيَّة مما يحوِّلها إلى جهاز يلتقط بث جهاز آخر بواسطة الأقمار الصناعيَّة(9). بعد تسلسل الكشف عن شبكات الموساد في لبنان يحاول جهاز الموساد تغيير تقنياته وأساليبه لمواءمتها مع تقدُّم أجهزة مكافحة التجسُّس اللبنانيَّة، وذلك للتأقلم مع واقع التقدّم التقني والمعلوماتي لدى الأجهزة الأمنيَّة اللبنانيَّة، فيبادر مع سقوط كل عميل إلى تغيير أساليب عمله في تجنيد عملائه وفي تحريكهم، وإلى تمويه الأجهزة التي يزوِّدهم إياها، بحيث يضع في تصرّفهم أدوات إلكترونيَّة معقَّدة ومتطوِّرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Ads Inside Post