السبت، 1 نوفمبر 2014

الضرب والإهانة وسوء التعامل أو التعذيب النفسي والجسدي داخل الأسرة

العنف سلوك اضطرابي دواعيه واثاره النفسية
مقدمة

العنف سلوك ذو اساس انفعالي يستند الى القوة والإكراه والترهيب لتحقيق غاية ما . وقد رافق العنف تطور حياة الإنسانية ، واستخدمه الإنسان في كافة مراحل تطور المجتمعات، ابتداء من الجماعات البدائية الى المجتمعات المتحضرة، ويحفظ التاريخ لنا صور بشعة ووحشية عن ممارسات العنف في صراعات البشر ومعاركهم وحروبهم وعن النزوات الشخصية لبعض المعتوهين والمضطربين، من امثال السفاح المعروف فلاد دراكولا، الذي كان حاكما لمقاطعة تسمى رومانيا حاليا في القرن الخامس عشر، فقد كان هذا المعتوه يتلذذ بتعذيب الناس حتى الموت، وكانت طريقته المفضلة في التعذيب والإعدام وضع ضحيته على خازوق طويل يمزق جسده واحشائه، متلذذا برؤية ضحياه يتعذبون لساعات او ايام قبل موتهم، وعرف عنه استخدامه لوسائل اخرى وحشية استخدمها السفاحون من بعده، مثل قلع العيون، وبتر الأطراف، وسلق الضحية في ماء مغلي وهو حي، ودق المسامير في الرؤوس، وقطع الأذان والإنوف والألسن، وسلخ الجلد، وتشويه الأعضاء التناسلية، وتعريض ضحاياه الى حيوانات مفترسة. ان انماط من هذا السلوك البدائي الوحشي دفعت الى اهتمام العلماء في دراسة السلوك العنيف من زوايا عديدة فلسفية واجتماعية واخلاقية ونفسية وقانونية واجرامية واخيرا من منظور الإرهاب الذي يتصدر الواجهة اكثر من اي منظور اخر . وما يهمنا هنا معرفة ماهية دوافع السلوك العنيف، مهما كانت درجته في العنف، وهل سببه اضطرابات في السلوك والشخصية؟ وما هي جذوره؟ هل دوافعه وراثية؟ وما هي الإنفعالات التي تثير السلوك العنيف؟ وهل سوء المعاملة وقساوتها منذ الطفولة وصعودا للمراحل العمرية الأخرى دور في اللجوء الى العنف؟ وهل العنف الأسري وخاصة العنف الموجه للمرأة دور في تعليم الأبناء على السلوك العنيف؟ وهل للقيم والعقائد والعادات والتقاليد دور في ممارسة السلوك العنيف؟ واخيرا ما هي اثاره النفسية على المعنف وعلى الضحية ؟
مفهوم العنف واسبابه
العنف سلوك عدواني متعمد موجه نحو الأخرين او نحو الذات، ويتضمن استخدام القوة والإكراه والإجبار والأذي الجسدي والنفسي مثل الضرب والمعاملة القاسية والإهانة والتحقير والإغتصاب والتعذيب بأشكاله، وافعال اخرى يترتب عليها الموت او اثار بدنية ونفسية عميقة ترافق حياة الضحية لمدى طويل.
العنف على ثلاثة انواع هي :
العنف الجسدي، ويتضمن افعالا تتراوح بين تلك الأفعال التي لا تسبب الموت، مثل الضرب والتعذيب الجسدي بجميع انواعه واشكاله والتشويه الذي لايؤدي الى الهلاك واحداث الجروح البدنية غير المميتة والإغتصاب والإختطاف وخلافها جميعا، والأفعال التي يترتب عليها الهلاك مثل الخنق والقتل والذبح وبتر الأعضاء والإعتداء بالأسلحة والتعذيب حتى الموت.
العنف الجنسي، ويتضمن افعالا مثل، الإغتصاب والتحرش الجنسي والتهديد والتخويف لإجبار الضحية على ممارسة الجنس، او تعذيب الضحية عند ممارسة الجنس.
العنف النفسي، ويتضمن افعالا وانماط من السلوك والمواقف التي تترك اثارا عميقة على شخصية الضحية وسلوكه وصحته النفسية ، والتي نتطرق اليها بصورة تفصيلة فيما بعد.
ترجع جذور السلوك العنيف الى خليط من العوامل الوراثية و الإنفعالية والإضطرابية والإجتماعية والتربوية، فتلعب العوامل الوراثية والغريزية المتمثلة بدوافع الإنسان في البقاء والتملك والسطوة، والإنفعالية المتمثلة بالخوف الدفين في اعماق المعنف والكبت والغضب والشعور بالخجل والدونية والإحباط والإحتقار والإهانة، والإضطرابية المتمثلة باضطرابات الشخصية والسلوكية والنفسية والعقلية، اما العوامل الإجتماعية فتتمثل بدور القيم والعقائد والمثل والعادات والتقاليد وطبيعة العلاقات الإجتماعية وخاصة الأسرية وكيفية حل المشكلات والأزمات الأسرية .
ان ما يهمنا من بين العوامل اعلاه الأسباب النفسية المؤدية الى السلوك العنيف، ويمكن تشخيص الأسباب الأتية:
1- غالبا مايكون السلوك العنيف تعبيرا لمشاعر دفينة في اعماق الشخص مثل مشاعر الخوف والشعور بالذنب والشعور بالدونية والخجل وعدم قدرة الشخص على السيطرة على دوافعه وانفعالاته والشعور بالإحباط وتفاهة الذات، ويفشل الشخص في القدرة على الإعتراف لنفسه بوجود تلك المشاعر ، ولذلك يعمد على اخفائها وإنكار وجودها ، وكرد فعل لفشله في دمج تلك المشاعر مع ذاته والإعتراف بوجودها عن وعي لذا يعمد الى توجيه جام غضبه الذي يقترن دائما بسلوك عنيف، من دون وعي منه، الى اي شخص ضعيف لايقدر على مقاومته، او الى اية فئة أقلية اوعرقية او دينية اوسياسية او مذهبية ضعيفة . فيكون السلوك العنيف تعبيرا لتلك المخاوف والإحباطات والخجل والكبت والشعور بالدونية والعجز وتنفيسا عنها .
2- يرى البعض ومنهم Alice Miller ان سبب لجوء الشخص للعنف في مرحلة المراهقة والرشد يرجع الى التعامل السيئ الذي تلاقاه في طفولته، وان اسلوب المعاملة القاسية للوالدين او احدهما ، واللجوء الى ضرب الطفل بقساوة، واذلاله واهانته وعدم احترامه وحرمانه، واعتماد سلطة صارمة في البيت، اعتقادا منهم بأن هذا الأسلوب في التعامل مع الطفل سيقوّم سلوكه ويبني شخصيته وينصاع لسلطة الأسرة، سيؤدي الى ان يلجأ من يتلقى هذا النوع من المعاملة الى نفس الإسلوب مع ابنائه، ويعيد حلقة استخدام العنف، ويصبح مؤمنا بضرورة اللجوء الى العنف كإسلوب ناجح في تقويم الشخصية وبنائها، ويكون الإسلوب الذي تلقاه في طفولته نموذجه الأمثل في تربية ابنائه، ويجعل نفسه مثالا لهذا النموذج المرغوب فيه من وجهة نظره . ان قساوة وخشونة المعاملة مع الطفل ستعزز عنده السلوك العنفي في الكبر وستوّلد عنده الكره والضغينة، وسوف يوجه عنفه بقساوة نحو الأخرين وخاصة الضعفاء منهم، وتستشهد Alice Miller بالمعاملة القاسية والوحشية التي كان هتلر يتلقاها من والده، حيث كان يضربه بقساوة ووحشية، وكيف ولّدت تلك المعاملة السيئة عنده كرها شديدا تجاه والده، وكان كرهه وضغينته تجاه الأقوام الأخرى نابع من كرهه لوالده .ويتفق مع هذا التعليل عدد كبير من الدارسين للعنف النفسي ويرى Brassarad ان انواع معينة من سوء التعامل مع الأطفال مثل قساوة وخشونة التعامل مع الصغار قد يكون لها تأثير تدميري اكبر مقارنة مع المراهقين ويؤدي الى ترك اثار عميقة في نفوسهم والى مدى طويل .
ويتفق James Gilligan مع Alice Miller ايضا في ان المعاملة السيئة التي يتلقاها الشخص يكون سببا للجوء الى العنف، وعندما يتعرض المراهق والراشد الى اذلال وتحقير من جانب الأخرين سوف يؤدي به الى ان يشعر بالخجل، ويكون هذا الإنفعال سببا للجوء الى العنف، وذلك لأن تحقير الشخص والحط من قيمته وقدره والضحك عليه وتجاهله سوف يؤدي الى تدمير مشاعر الفخر والكرامة عنده، وعندئذ يلجأ الشخص الى اختيار احد الطريقين، اما قبول التحقير والإذلال والدونية وما يرافق ذلك من جرح نفسي عميق في داخله، او مجابهة الأخرين بهجوم مقابل ضد المعاملة التي يتلقاها منهم، وان الإختيار الأخير سيولد عنده رغبة شديدة للإنتقام، وعندما يمارس العنف يكون مقتنعا بانه يحقق العدالة لنفسه ولا يشعر بأي ذنب .

3- يكون العنف نابعا في حالا كثيرة عن اضطرابات سلوكية ونفسية وعقلية، فمن الملاحظ ان السلوك العنيف هو عرض من اعراض اضطرابات مثل السايكوباتية، والسوشيوباتية، والسادية Sadism التي هي تلذذ المضطرب في تسبب الألم والإذلال لشخص اخر، والماسوشية Masochism التي هي تلذذ المضطرب في توجيه الألم والإذلال لنفسه اي للذات، ويكون المصابون باضطرابات الشيزوفرينيا Schizophrenia والكأبة Major depresion واضطراب Bipolar اكثر ميلا للإعتداء بمرتين الى ثلاث مرات مقارنة بالأشخاص العاديين، ويكون العنف ايضا عرضا لإضطرابات مثل اضطراب الشخصية النرجسية Narcissist personality disorder اذ يكون المضطرب ميالا للسلوك العدواني عندما لا يلقى اهتماما من الأخرين او عندما يشعر بعدم احترام واكتراث الأخرين به، واضطراب الشخصية الحدية Borderline personality disorder اذ يلجأ المضطرب غالبا الى استخدام العف ضد المرأة ويشعر دائما بوجود امر ما يهدد علاقاته الزوجية معها ويشعر بعدم الأمان والغضب الشديد، وكذلك تزداد احتمالية استخدام العنف من جانب المضطربين الذين يعانون من الهلوسة، وتزداد احتمالية استخدام العنف لدى المضطربين المدمنين عاى المخدرات والكحول الى اكثر من سبع مرات مقارنة بالأشخاص العاديين .
العنف النفسي
لايوجد اتفاق كبير بين المعنيين بدراسة العنف النفسي حول تحديد الأفعال المسببة للعنف النفسي، وعلى الرغم من عدم الإتفاق على جميع الأفعال والحالات والمواقف التي يتضمنها مفهوم العنف النفسي، إلا انه هناك قدر كاف من الأتفاق على بعض الأفعال والحالات والمواقف المسببة للعنف النفسي، والتي نأتي عليها بعد حين، فعلى سبيل المثال، يتفق الجميع على ان توجيه الفاظ نابية نحو الأخر يسبب الما نفسيا، وكذلك التلاعب العاطفي، والخيانة، والتجاهل المستمر، والمعاملة الخشنة غير الودية، او استخدام التهديد بالعنف الجسدي، او اية محاولة في احداث الرعب او الإكراه او السيطرة. تسبب هذه الأفعال اثاراً وجروحا نفسية عميقة تبقى حية في ذاكرة الضحية، وتسبب له ألاما نفسية لمدى طويل ، وكذا الحال للذين تعرضوا للعنف الجسدي والجنسي في مراحل سابقة فيترك اثاراً تدميرية على تقدير الضحية لذاته فيرافقه الشعور بالدونية وتفاهة قدره وقيمته لفترات طويلة ، ويكون اكثر حساسية وتحوطا حيال سلوك الأخرين مقارنة مع الذين لم يتعرضوا للإعتداء الجسدي او الجنسي، وحساسيته المفرطة تجعله اندفاعيا بشكل كبير ويلجأ الى ردود افعال شديدة وقوية لمجابهة انماط سلوكية لا تستحق تلك الشدة والقوة التي يظهرها الضحية .
ان انماط السلوك المندرج ضمن مفهوم العنف النفسي والمتفق عليها يمكن تحديدها بما يأتي : -
1- عزل الضحية ، مثل، التحكم باتصالاته وعلاقاته بمن يقدم العون والدعم له، او منعه من الإتصال بالأخرين، او اجباره على البقاء في مكان محدد مثل المسكن، او اجباره على عدم مغادرة المسكن دون ان يصاحبه احد، او ابعاده من أولئك الذين يقدمون العون له مثل العائلة والأصدقاء .
2- الإنهاك المتعمد للضحية، مثل، اجباره على عدم النوم طول الليل، او اجباره على المشي لفترات طويلة، او اجباره على الإعتداء الجنسي، او اجباره على القيام باعمال بغرض انهاكه، او اجباره على القيام باعمال الخدمة، او منعه من التكلم مع الأخرين .
3- الإستحواذ على مقدرات الضحية، مثل، التحكم باماكن وجود الشخص والأشخاص الذين يلتقي بهم ومعرفة سبب التواجد واللقاء، او اتهام الضحية بما لايليق به في حالة وجوده مع شخص اخر، او السيطرة على الأمور المالية للضحية وجعله تابعا له من الناحية المالية .
4- التهديد، مثل، التهديد بقتل الضحية، او التهديد بقتل الأخرين، او التهديد بقتل نفسه بغرض ابتزاز الضحية، او التهديد بإيقاع العقوبة في حالة عدم تلبية طلباته .
5- الإهانة والإحتقار، مثل، انكار قدرات الضحية، أو استخدام الفاظ نابية تحط من قيمته مثل الشتائم، او اتهامه بالتفاهة، او اطلاق اسماء والقاب مهينة وحقيرة عليه بغرض المساس بكرامته وتدمير احساسه بقيمته واشعاره بأنه لا شيئ ولا قوة له وعليه التنازل عن قيمه ووجهة نظره ومشاعره، او ممارسة السلطة والقوة لإجباره على الخنوع والطاعة .
6- الإكراه على تناول الكحول وتعاطي المخدرات، او اجباره على الإدمان بغرض ابتزاز الضحية و الإملاء عليه .
7- ايهام الضحية بالعجز في التفكير والإدراك والوعي، مثل، ايهام الضحية واقناعه بانه مجنون او مهلوس يسمع اصواتا او يرى اشباحا، او يقوم باشياء لا يعيها .
8- التساهل الوقتي لإيهام الضحية بأمل كاذب، مثل اظهار المودة بعد التعنيف، او استخدام عبارات الأسف عما حدث، او اعطاء الهدايا، او التسامح لفترة قصيرة قبل المعاودة الى استخدام العنف ثانية .
الآثار الجسدية

أظهرت دراسة حديثة بتاريخ 22 أبريل 2014 ان تعرض الأطفال للعنف في الصغر قد يؤدى إلى ظهور اعراض الشيخوخة عليهم في سن مبكر من العمر
على الرغم من أن الأطفال هم أعظم ثروات الأمة في حاضرها ومستقبلها ورغم أنهم يشكلون نسبة كبيرة من السكان إلا أن كثيراً منهم يعانون أنماطاً من العنف والقسوة التي تصل إلى حد الوحشية في التعامل معهم. فأب يضرب طفله الصغير حتى أغمي عليه وأدخل إلى العناية المركزة بأحد المستشفيات وأب يتعاطى المخدرات ويخطف ابنته الصغيرة من والدتها ويعتدي عليها ويحرق أجزاء من جسدها وأطفال يعانون من زوجة أبيهم وشتمها وإهانتها لهم وضربهم يومياً.. والعديد من العناوين التي تطالعنا بها الصحف.. وما خفي أعظم.
وإن كان مرتكبو العنف الأسري في العصر الجاهلي يذبحون أبناءهم خوفاً من الفقر أو يقدمونهم قرابين للأصنام والإلهة أو يئدون بناتهم خوفاً من العار فإن جرائم العنف حديثاً بأيدي الآباء والأمهات ضد أطفالهم لا تقل بشاعة عن ما مضى.

فقد جاءت نتائج دراسة ميدانية حديثة عن العنف ضد الأطفال لتؤكد أن الآباء يقفون خلف 30٪ من حوادث الضرب للأطفال وأن الأطفال من سن 6-10 سنوات هم الأكثر عرضة للاساءة وأن الأطفال الذين تعرضوا للإساءة الجنسية يعانون من عدد من الاضطرابات النفسية مثل انخفاض تقدير الذات واضطراب الشخصية واضطراب النوم والقلق والاكتئاب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Ads Inside Post