فرسان الثورة ......... الألتراس
هل نسيتم مسيرات «الألتراس» عندما أشعلت القاهرةوقاموا بحماية التحرير والثواربجمعة الغضب بثورة 25 يناير
هل نسيتم عندما رفعوا شعار «القصاص أو الفوضى».. وقوى سياسية دعت لمناصرتهم إبان محاكمة المتهمين بمجزرة بورسعيد
إن تنظيم الألتراس بكل فئاتة وتوجهاتة
قوة تنظيمية تنافس جماعة الإخوان فى «السمع والطاعة». روح فدائية تتشبه بالمقاتلين على خط النار. خلايا عنقودية تبدأ من العاصمة وتنتهى فى العزب والكفور. «الألتراس» هم الملك المتوج على عرش التشجيع الكروى، وكرة الحماس النارية التى لا يخبو لهيبها فى المدرجات.
اشتبك معهم الأمن فشقوا عصا الطاعة على الداخلية. اندلعت ثورة 25 يناير فكانوا أبطال موقعة الجمل. ذبح «اللهو الخفى» 75 من زملائهم فى الأهلى، فرفضوا تقبل العزاء قبل القصاص.فى هذا الملف، نخترق الأسوار حول جمهورية الألتراس، نفك شفراتهم السرية، نستمع إلى هتافاتهم الهادرة، نقلب فى أوراقهم الخاصة، نرنو معهم إلى المستقبل وعيوننا على الواقع السياسى الساخن.
أن مفهوم الألترا Ultra يشير إلى «الشىء الفائق والزائد عن الحد»، وكان تقليديا يستخدم لوصف مناصرى قضية معينة بشكل يفوق ولاء أصحاب القضية الأصليين لها، ثم انتقل المفهوم إلى مجال الرياضة، حيث استخدم لوصف مشجعى ناد معين، ونميز فى هذا الإطار بين الألترا والألتراس Ultra and Ultras حيث إن الألتراس كمفهوم يستخدم فى الأدبيات لوصف الجماعات من المشجعين المتشددين الذين تقترب أطرهم الفكرية والحركية من الحركات الفاشية التى ظهرت وسادت فى أوروبا فى القرن العشرين.
يختلف الدارسون فى تحديد تاريخ ظهور حركات الألترا أو الألتراس فى أوروبا، باعتبارها المعهد الأول لها. فبينما يرد البعض تاريخ الظاهرة إلى العقود الأولى من القرن العشرين فى المجر، يرى آخرون أنها ترتبط بالستينيات مع تبلور الحركة فى إيطاليا، التى يؤكد البعض محورية دورها فى تبلور حركة الألتراس وتصاعد الاهتمام بها.
ويمكن تحديد عدد من السمات الرئيسية التى تميز جماعات الألتراس عن غيرهم من المشجعين العاديين، منها ولاؤها غير المشروط للنادى، بغض النظر عن نتائج الفريق أو أدائه. وتتمثل السمة الثانية فى استقلاليتها الكاملة، التنظيمية والمالية، عن مجالس إدارات النوادى وروابط التشجيع التقليدية، التى كانت تخضع لعدد من التوازنات الاقتصادية والسياسية داخل النوادى لمصلحة لاعب أو عضو مجلس إدارة، كما تعتمد جماعات الألتراس على تبرعات الأعضاء لتغطية المصروفات المطلوبة.
وتتعلق السمة الثالثة بالتشكيل العمرى لهذه الجماعات، فمعظم أعمار أفراد الألتراس تقع فيما بين 16 و25 عاما، فى حين أن جمهور المشجعين التقليدى يتسع ليضم فئات عمرية تصل إلى الستين، كما أن مجموعات التشجيع النشيطة قد يصل متوسط أعمار أفرادها إلى الأربعين. وتنصرف السمة الرابعة إلى أن حركة الألتراس ارتبطت بشكل عام بموقع جغرافى محدد من الاستادات الرياضية، كأن تكون خلف المرمى، نتيجة انخفاض أسعار التذاكر فى هذا الموقع بالمقارنة بغيرها من المواقع فى الاستاد، كما ارتبطت بسلوكيات معينة ترتبط بالتشجيع الدائم والمستمر للفريق طوال مدة المباراة، دون الاهتمام بالمشاهدة الفعلية لأحداث المباراة.
السياق السياسى
وأشير إلى نقطة بالغة الأهمية وهى أنه لا يمكن فهم تطور حركة الألتراس دون فهم السياق السياسى المصاحب، فعلى سبيل المثال، لا يمكن فهم تطور هذه الحركة فى أوروبا دون فهم التطورات السياسية التى سادت فيها، بدءا من الستينيات، وارتبطت بما أطلق عليه البعض «موت السياسة»، أو التطورات السياسية التى ارتبطت بانهيار الاتحاد السوفيتى فى التسعينيات، وهو ما عرف بموت الأيديولوجيا. هذه التطورات خلفت قطاعات عريضة من الشباب خارج الأطر التقليدية للمشاركة، كالأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدنى، وذلك فى الوقت الذى شهد تصاعد السياسات الرأسمالية وأزمات المجتمعات الحداثية.
وبالرغم من أن جماعات الألتراس لا تتبنى أيديولوجية حزبية معينة، فإنها تعتبره العدو الأول لها، فخبرة التفاعل مع أفراد الأمن حملت دائما ذكريات عنيفة ومحاولات من جانب الأمن للسيطرة على تحركات الألتراس وتجمعاتهم، كما أن جماعات الألتراس تنظر إلى وسائل الإعلام على أنها الحليف التقليدى والطبيعى لرموز صناعة لعبة كرة القدم، وتغليب الأفكار الرأسمالية فى إدارتها، وهو ما يراه الألتراس من أهم المثالب التى ظهرت وأثرت فى اللعبة الشعبية الأولى فى العالم، كذلك تتعامل وسائل الإعلام مع أعضاء الألتراس على اعتبار أنهم فوضويون، وأنهم السبب فى كثير من حالات العنف فى الملاعب بين المشجعين، وفى الوقت نفسه ترى فى تغطية أخبارهم وتحركاتهم مادة صحفية وإعلامية دسمة.
ونلاحظ أن تشكل الألتراس فى مصر ارتبط بالسياق السياسى، فخلال العام 2011حاول الرئيس المخلوع تمرير حزمة من التعديلات الدستورية، كان ظاهرها إضفاء بعض السمات الديمقراطية على النظام دون جوهر حقيقى، وذلك فى الوقت الذى خلت فيه الساحة السياسية من أى قوى حقيقية تستطيع اجتذاب الأعداد المتزايدة من الشباب المتعلم الذى يبحث عن فرصة حقيقية للمشاركة، حيث لم يكن مقتنعا بأن من التيارات الموجودة على الساحة، كما لم تشكل الحركات الاجتماعية، مثل حركة كفاية التى نشأت منذ 2004، ملاذا لهم، وتلخصت مطالب كفاية فى رفض مشروع توريث الحكم إلى جمال مبارك، دون أن تستطيع بلورة بدائل سياسية وقيادية للجماهير، مما أثر فى نهاية الأمر فى قدرة الحركة على التجذر فى الشارع.
المواجهة مع الأمن
وأؤكد على تزايد دور الألتراس فى المواجهات مع قوات الأمن بعد ثورة 25 يناير، وهو الدور الذى قوبل بردود فعل متباينة. فمن ناحية الإعلام الرسمى، سواء الرياضى أو السياسى، نُظر لأعضاء الألتراس على أنهم دعاة فوضى، وأن التسامح مع سلوكياتهم فى مواجهة قوات الأمن يهدد هيبة الدولة، بل ويهدد استمرار الدولة نفسها.
أما من ناحية الشارع الثورى، فقد نُظر لأعضاء الألتراس على أنهم خط الدفاع الفاعل فى صراع الشارع مع قوات الأمن. وقد ظهر هذا الدور بداية من 28 يناير وما جرى فيه من مواجهات عنيفة فى شارع قصر النيل وداخل ميدان التحرير، وبعدها فيما عرف بموقعة الجمل، ثم ما تبع ذلك من اعتداء على أهالى الشهداء والمصابين أمام جلسات محاكمة مبارك فى أكاديمية الشرطة، ثم أحداث السفارة الإسرائيلية، ثم الجولة الأخيرة من المواجهات فى ميدان التحرير ومحيط وزارة الداخلية.
أن حركة الألتراس عندما وصلت مصر وأصبحت لها مجموعات شبابية منظمة لم تعمل الأجهزة الرسمية على استيعابها واستغلالها للأفضل.
وكان يجب على الأندية ومراكز الشباب وجميع المهتمين بالشباب الانتباه لهذه الظاهرة ومحاولة الاستفادة منها قدر الإمكان، وهذه المجموعات تضم جميع الشرائح الاجتماعية والتعليمية بصفة عامة، وبالتالى توجد بينها حالة من التوحد والاندماج حول هدف واحد يمكن توجيهه وتحديده ليكون فى مصلحة المجتمع، وقد نادى الكثيرون بضرورة وجود هدف قومى يلتف حوله الشباب لاستيعاب طاقاتهم المهدرة لأن هذه الطاقة إذا لم تستغل جيدا فإنها من الممكن أن توجه ضد المجتمع.
مستقبل الألتراس
وعن مستقبل الألتراس أشيرإلى أن الصراع دائما ينتج عن التفاوت بين الشرائح، وهو ما استطاعوا القضاء عليه من خلال توحيد الهدف وتوحيد خطوات تحقيقه، وجمع كل المفردات فى إطار يعمل على تحقيق الهدف بمعنى اللبس الموحد والكلام وحركات الأيادى والتشجيع والتصفيق والقيام والجلوس فى الوقت نفسه، وعمل الموجات فى الملعب، ولذلك فإن هذا التوحد وهذه الطاقات إذا لم يتم استغلالها الاستغلال الأمثل فى مشروع قومى ربما تحولت إلى بؤر وحركات انتقامية من المجتمع لشعورهم بالتهميش، كما أنهم سيوجدون لأنفسهم عالما آخر بعيدا عن المجتمع نظرا لاستبعادهم من الحركة المجتمعية، والدليل أنهم عندما وجدوا الثورة انخرطوا فيها، لأنهم اعتبروها هدفا قوميا أسهموا فيه بشكل إيجابى كبير بعد أن كانوا قبل الثورة مهملين من المجتمع ومطاردين من الأمن.
ومن وجهة نظر المسئول ؛ فإن هؤلاء الشباب لديهم طاقات وقدرات إبداعية كبرى، ولابد أن نبدأ فى عمل دراسات جميع روابط الألتراس فى الأندية لنعرف اهتماماتهم وأولوياتهم وأهدافهم، وبناء على هذه المعطيات تتم صياغة المشروعات والأهداف القومية التى يتم إدماجهم فيها، رافضا الفكر القديم الذى كان تفرض فيه موضوعات ومشروعات معينة على الشباب دون أن يشاركوا فى صياغتها والاقتناع بأهميتها.
وأشير إلى أن أى شاب لديه توزيع مختلف للمجهود، فهناك جزء للدراسة أو العمل بالنسبة للخريجين وجزء للانتماء السياسى وجزء آخر مخصص لنشاط الإبداع ونوع من النشاط البدنى وكذلك جزء للنشاط الترفيهى مثل دخول السينما أو المسرح وغيرهما، والآن لا يوجد لدينا مكان لممارسة الرياضة أو لقضاء وقت الفراغ وحتى الدراسة والعمل والبطالة زادت، ولذلك فإن كل الاحتياجات تجمعت فى كرة القدم لأنها جذبت انتماءاتهم وتساعد على تفريغ طاقاتهم، فمثلا الرحلات نشاط إبداعى، والجانب الإبداعى موجود بطبيعة المباريات، كما أن كرة القدم وفرت لهم الفسحة والسياحة عند السفر وراء الفريق فى المحافظات المختلفة أو خارج مصر فى البطولات الإفريقية، كذلك فإنهم استخدموا التكنولوجيا للتواصل بينهم ولتحديد مواعيد لقاءاتهم كمجموعات، بالإضافة إلى أنهم عملوا فيما بينهم وثيقة غير مكتوبة تحدد كيف يحترمون أنفسهم، وكيف يكون انتماؤهم لناديهم فقط، ويكفى أنهم رفضوا الحصول على أموال من شركات الاتصالات مقابل عمل دخلات تحمل شعاراتهم، ولكن المشكلة أننا سلطنا الضوء الإعلامى على بعض الأمور مثل تكسير الأتوبيسات والخلافات بين الجماهير دون معالجة أو عتاب، فى الوقت الذى يمكن للأندية فيه أن تستغل هذه الطاقات الإيجابية عن طريق عمل تصميمات ولمحات فنية للملاعب والملابس وغيرها من الأمور كنوع من استغلال حب هؤلاء لأنديتهم، كذلك كان لابد من عمل ندوات ولقاءات معهم لتثقيفهم وتوجيههم، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة ظهرت فى مصر بعد نجاح كأس الأمم 2006 لأن الناس شعروا بتأثير الجمهور وشكله وجماله، فهى ظاهرة نمت برغم أن البعض كان يؤكد أنها ستنتهى.
وأعتقد أن الدولة أخطأت فى السابق فى عدم الاستفادة من طاقاتهم، وأتمني أن نسعى إليه حاليا، وهو الاهتمام بكل شباب مصر، بمن فيهم الألتراس، والحل الوحيد للتعامل معهم أن يشاركوا هم فى صنع طريقة التعامل منهم وخريطة الطريق للاستفادة منمهم، فلابد من الجلوس معهم وقراءة أفكارهم، فمثلا الهولجانز فى انجلترا كانوا متعصبين جدا والآن وصلوا إلى مرحلة عدم وجود حواجز حديدية بينهم وبين الملعب، كذلك لابد أن يشعروا بأننا صادقون معهم وأن عهد الفساد وتمييع الأمور قد انتهى تماما، ووقتها سوف نراهم أكثر الناس إنتاجا وفائدة للوطن.
مجزرة بورسعيد
و إننا وقفنا مع ألتراس أهلاوى بعد مجزرة بورسعيد لأن ما حدث جريمة نكراء من الممكن أن تحدث مع أى مجموعة منا ونحن نقف ضد البلطجية والمأجورين وليس ضد أهل بورسعيد الشرفاء أصحاب المواقف الوطنية المعروفة عنهم ـ أحبابنا وإخواننا ـ وهم ليس لهم ذنب فيما حدث، ونحن كتحالف زملكاوى نحافظ على العلاقات التاريخية معهم، لكن المشكلة كلها مع البلطجية وبعض أعضاء الألتراس.
و أعتقد أن البعض يريد تقديم الألتراس ككبش فداء لتلك الأحداث، فنجد أن عليهم هجوما شديدا جدا وأى متعصب لديه طاقة عنف ونشاط وهم أكثر من يتعصب لشىء ويضحى بحياته فى سبيل ذلك، ولذلك لابد من استقطابهم وتوجيه طاقاتهم فيما يفيد المجتمع، بحيث يقوم كل ناد باستقطاب مشجعيه من هؤلاء ليبعدهم عن أفكارهم العنيفة، ويوضح لهم أنهم أصبحوا مثالا وقدوة يحتذى لها الشباب، ولذلك لابد أن يكونوا على درجة عالية فى الرقى والأخلاق الحميدة مع ملاحظة أن هؤلاء يشبهون ـ من وجهة نظرى ـ مجموعات الهيبز وغيرهم الذين ظهروا فجأة وانتهوا، لكن الاختلاف أن الألتراس بعد مشاركتهم فى الثورة وتبنيهم فكرة تحقيق أهدافها أصبحوا قوة منفتحة على المجتمع تدافع عنه وتعمل على رفعته وتقدمه، وقد شاهدت أخيرا مجموعة منهم فوجدتهم شباب ليس لديهم فى الأساس عنف أو حدة، لكن لأن التنافس الكروى، فى أحيان كثيرة، يكون غير شريف، فإنهم يتحولون إلى مجموعات ضد بعضها، وهو ما يجعلهم متعصبين.
و أخشى أن تؤدى كثرة الاتهامات للألتراس البورسعيدى بأنه هو السبب فى هذه المأساة، كما يردد البعض، إلى أن يتحول هذا الألتراس إلى وحوش يرغبون فى الانتقام، وقد يتحول باقى أفراد المجتمع البورسعيدى إلى خصم لهم يرغبون فى الانتقام منهم، وفى هذه الحالة سيتحول شباب الألتراس للدفاع عن أنفسهم بالعنف والانتقام من الذين يحاربونهم ويتهمونهم اتهامات باطلة أو يجدوا أنفسهم فى عزلة عن المجتمع، وهذا الوضع سيؤدى إلى مزيد من العنف من ألتراس بورسعيد، وتكون تلك البداية لتحويلهم إلى مجرمين.
و أن موضوع بورسعيد واضح أنه نتيجة لبلطجة مؤجرة يجب ألا يكون لها كبس فداء من ألتراس بورسعيد ثم يمتد الأمر إلى ألتراس باقى الأندية.
و أن هؤلاء الشباب استغلوا طاقاتهم وقدراتهم الكبيرة فى التصدى لبلطجية موقعة الجمل، مما يعنى أنهم قابلون للتحول، ولذا أتمنى أن نفكك فكرتهم المتعصبة من خلال أنديتهم، وكذلك وسائل الإعلام المختلفة، وألا يستقطبوهم بطاقة عدائية، فكثرة النقد لا تصلح الإنسان، ولذلك يجب أن تتعامل معهم وسائل برفق ليتحولوا إلى طاقة منتجة.
لذا أؤكد أن ظاهرة الألتراس خلقت نفسها، بصرف النظر عن وجود نظائر لها فى مجتمعات أخرى، فهى نبت طبيعى فرضته الظروف، فالفترة التى نشأت فيها لم يكن فيها أى انتماء فى المجتمع المصرى، ولذلك فإن طاقاتهم وإبداعاتهم وجهودهم للأندية التى يحبونها، وكان ذلك هو الانتماد الوحيد المسموح به، ودورهم الفاعل خلال أحداث الثورة نتج عن أنهم وجدوا موضوعا آخر يمكن أن يلتفوا حوله، وهو مرتبط بالقومية والهُوية، ولذلك برزت بسالتهم وفدائيتهم وشهامتهم فى إنقاذ المصابين والدفاع عن كل من فى الميدان.
و أن أجمل ما فى هذه الظاهرة هى عفويتها حتى لو كانت تعمل بشىء من التنظيم وميثاق شرف وتحديد التصرفات، والمطلوب الآن دراسة هذه الظاهرة بشكل عميق لكى نعرف كيف تحولت كيانات أخرى لتصل لهذا التنظيم وتقويه، موضحة أن ما يميز هذا التنظيم هو شبابيته وقدرته على الفعل والتنظيم وطموحه وأمله فى مستقبل أفضل، ولذلك فإننى أناشد مجلس الشباب والرياضة الاستفادة من هذه الطاقات فى إعلاء شأن مصر، ليس فى الرياضة فحسب، بل فى التنمية أيضا، لأن إهمالهم كارثة عواقبها وخيمة، كما حدث فى بعض الرياضات.
فمثلا فى محافظة الشرقية كان يوجد فريق عالمى للهوكى احتكر كل البطولات الإفريقية دون أى إمكانات، لكن التجربة أجهضت بفعل فاعل لأنه لم يكن مطلوب أن نتميز فى أى شىء إلا وينسب لملف التوريث، ولذلك لابد أن نستفيد من الشباب فى أنشطة غير رسمية أو بما يسمى القوى الناعمة، ولذلك أتمنى ألا يتم التدخل فى ظاهرة الألتراس بشكل رسمى، بل مطلوب قنوات للتواصل على مستوى الأندية وعلى مستوى المجلس القومى للشباب والمجلس القومى للرياضة، ليس أكثر، لأننا لو دخلنا فى عملهم بالرسميات فسيفشلوا.
وأرفض فكرة تحويلهم إلى جمعية أهلية أو كيان قانونى منظم، لأن ذلك سوف يكون بداية النهاية لهم، لأنهم سيتحولون إلى حب الرغبة فى الظهور، وهذا ما يخالف ميثاقهم الأصلى، وستلعب البيروقراطية دورا فى العراك على القيادة والرئاسة وغيرها من المناصب.
شهادة من ميدان التحرير
شباب الألتراس فى أثناء الثورة: إنهم كان لهم دور كبير منذ يوم 25 يناير، وكان وجودهم بفتهم أفراد وليس بالضرورة كمجموعات، لكنهم كانوا واضحين ببسالتهم وفدائيتهم، وقد علمونا كيف نكون منظمين وقت الهجمات، حيث كانوا يعطون إشارات معينة وقت الخطر مثل التخبيط على الأعمدة واستخدام أسلوب الكر والفر وتنظيم الوقت خلال الهجمات المتتالية، وجميعهم شباب صغير وأولاد ناس محترمين وغالبيتهم مثقفون وعلى درجة عالية من العلم والمعرفة وكثير منهم قبل الثورة كانوا يعملون فى العمل الخيرى العام مثل توزيع شنط رمضان على الفقراء فى مناطقهم من أموالهم الخاصة.
و أن ظهورهم الأكبر كان يوم «جمعة الغضب»، فقد شعرت بشكل حقيقى وغريب بأنهم عندهم استعداد رهيب للتضحية والفداء، وأن لديهم أمل فى بكره طول الوقت، وفى الوقت نفسه بسالتهم غير طبيعية، فهم يتنافسون فى تلقى الضربات قبل أن تصل إليك، ويضحون بأنفسهم علشانك، فهم رجال بمعنى الكلمة، ليسوا شبيحة أو بلطجية أو صيع عايشين على القهاوى، ولو بنتى كبيرة واتقدم لها واحد من شباب الألتراس لن أتردد فى إعطائها له، فأنا أرى أن هؤلاء الشباب مستقبلهم مشرف، فهم كانوا يدافعون عن الكرامة والحرمة وتجد أن حلمهم واحد وهدفهم واحد هو الوطن، ولذلك تجدهم ناشطين فى مكافحة الفساد الرياضى، فقد قاموا بوقفات كثيرة ضد ذلك، وهم ليست لديهم نفعية إطلاقا، فقد كانوا يعيشون وسط ضرب النار والقتل والموت والوجود فى ميدان التحرير، وهؤلاء التعامل معهم متعة لأنه يعطى أمل فى مستقبل زاهر ومبشر لمصر، وبالنسبة لهم أعتقد أنه سيكون لهم شأن كبير، وسيتقلدون أفضل المواقع والمناصب، وأتوقع أن يخرج منهم وزراء أحدهم سيتولى وزارة الشباب والرياضة، وثان يتولى البحث العلمى، وهكذا. لأنهم متميزون فى مثل هذه التخصصات وسيكون منهم قادة عظام، فبهم وبأمثالهم أصبح لدينا أمل وهدف واضح، فالناس لم يعودوا يعيشون تحت رحمة لقمة العيش، وأصبح هدفهم الرئيسى الحرية والكرامة وبعدين تفكر فى الماضى ولما العسكر يمشوا ويكون عندنا سلطة مدنية منتخبة سوف تتفجر إبداعات هؤلاء الشباب وطاقاتهم.
هل نسيتم مسيرات «الألتراس» عندما أشعلت القاهرةوقاموا بحماية التحرير والثواربجمعة الغضب بثورة 25 يناير
هل نسيتم عندما رفعوا شعار «القصاص أو الفوضى».. وقوى سياسية دعت لمناصرتهم إبان محاكمة المتهمين بمجزرة بورسعيد
إن تنظيم الألتراس بكل فئاتة وتوجهاتة
قوة تنظيمية تنافس جماعة الإخوان فى «السمع والطاعة». روح فدائية تتشبه بالمقاتلين على خط النار. خلايا عنقودية تبدأ من العاصمة وتنتهى فى العزب والكفور. «الألتراس» هم الملك المتوج على عرش التشجيع الكروى، وكرة الحماس النارية التى لا يخبو لهيبها فى المدرجات.
اشتبك معهم الأمن فشقوا عصا الطاعة على الداخلية. اندلعت ثورة 25 يناير فكانوا أبطال موقعة الجمل. ذبح «اللهو الخفى» 75 من زملائهم فى الأهلى، فرفضوا تقبل العزاء قبل القصاص.فى هذا الملف، نخترق الأسوار حول جمهورية الألتراس، نفك شفراتهم السرية، نستمع إلى هتافاتهم الهادرة، نقلب فى أوراقهم الخاصة، نرنو معهم إلى المستقبل وعيوننا على الواقع السياسى الساخن.
أن مفهوم الألترا Ultra يشير إلى «الشىء الفائق والزائد عن الحد»، وكان تقليديا يستخدم لوصف مناصرى قضية معينة بشكل يفوق ولاء أصحاب القضية الأصليين لها، ثم انتقل المفهوم إلى مجال الرياضة، حيث استخدم لوصف مشجعى ناد معين، ونميز فى هذا الإطار بين الألترا والألتراس Ultra and Ultras حيث إن الألتراس كمفهوم يستخدم فى الأدبيات لوصف الجماعات من المشجعين المتشددين الذين تقترب أطرهم الفكرية والحركية من الحركات الفاشية التى ظهرت وسادت فى أوروبا فى القرن العشرين.
يختلف الدارسون فى تحديد تاريخ ظهور حركات الألترا أو الألتراس فى أوروبا، باعتبارها المعهد الأول لها. فبينما يرد البعض تاريخ الظاهرة إلى العقود الأولى من القرن العشرين فى المجر، يرى آخرون أنها ترتبط بالستينيات مع تبلور الحركة فى إيطاليا، التى يؤكد البعض محورية دورها فى تبلور حركة الألتراس وتصاعد الاهتمام بها.
ويمكن تحديد عدد من السمات الرئيسية التى تميز جماعات الألتراس عن غيرهم من المشجعين العاديين، منها ولاؤها غير المشروط للنادى، بغض النظر عن نتائج الفريق أو أدائه. وتتمثل السمة الثانية فى استقلاليتها الكاملة، التنظيمية والمالية، عن مجالس إدارات النوادى وروابط التشجيع التقليدية، التى كانت تخضع لعدد من التوازنات الاقتصادية والسياسية داخل النوادى لمصلحة لاعب أو عضو مجلس إدارة، كما تعتمد جماعات الألتراس على تبرعات الأعضاء لتغطية المصروفات المطلوبة.
وتتعلق السمة الثالثة بالتشكيل العمرى لهذه الجماعات، فمعظم أعمار أفراد الألتراس تقع فيما بين 16 و25 عاما، فى حين أن جمهور المشجعين التقليدى يتسع ليضم فئات عمرية تصل إلى الستين، كما أن مجموعات التشجيع النشيطة قد يصل متوسط أعمار أفرادها إلى الأربعين. وتنصرف السمة الرابعة إلى أن حركة الألتراس ارتبطت بشكل عام بموقع جغرافى محدد من الاستادات الرياضية، كأن تكون خلف المرمى، نتيجة انخفاض أسعار التذاكر فى هذا الموقع بالمقارنة بغيرها من المواقع فى الاستاد، كما ارتبطت بسلوكيات معينة ترتبط بالتشجيع الدائم والمستمر للفريق طوال مدة المباراة، دون الاهتمام بالمشاهدة الفعلية لأحداث المباراة.
السياق السياسى
وأشير إلى نقطة بالغة الأهمية وهى أنه لا يمكن فهم تطور حركة الألتراس دون فهم السياق السياسى المصاحب، فعلى سبيل المثال، لا يمكن فهم تطور هذه الحركة فى أوروبا دون فهم التطورات السياسية التى سادت فيها، بدءا من الستينيات، وارتبطت بما أطلق عليه البعض «موت السياسة»، أو التطورات السياسية التى ارتبطت بانهيار الاتحاد السوفيتى فى التسعينيات، وهو ما عرف بموت الأيديولوجيا. هذه التطورات خلفت قطاعات عريضة من الشباب خارج الأطر التقليدية للمشاركة، كالأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدنى، وذلك فى الوقت الذى شهد تصاعد السياسات الرأسمالية وأزمات المجتمعات الحداثية.
وبالرغم من أن جماعات الألتراس لا تتبنى أيديولوجية حزبية معينة، فإنها تعتبره العدو الأول لها، فخبرة التفاعل مع أفراد الأمن حملت دائما ذكريات عنيفة ومحاولات من جانب الأمن للسيطرة على تحركات الألتراس وتجمعاتهم، كما أن جماعات الألتراس تنظر إلى وسائل الإعلام على أنها الحليف التقليدى والطبيعى لرموز صناعة لعبة كرة القدم، وتغليب الأفكار الرأسمالية فى إدارتها، وهو ما يراه الألتراس من أهم المثالب التى ظهرت وأثرت فى اللعبة الشعبية الأولى فى العالم، كذلك تتعامل وسائل الإعلام مع أعضاء الألتراس على اعتبار أنهم فوضويون، وأنهم السبب فى كثير من حالات العنف فى الملاعب بين المشجعين، وفى الوقت نفسه ترى فى تغطية أخبارهم وتحركاتهم مادة صحفية وإعلامية دسمة.
ونلاحظ أن تشكل الألتراس فى مصر ارتبط بالسياق السياسى، فخلال العام 2011حاول الرئيس المخلوع تمرير حزمة من التعديلات الدستورية، كان ظاهرها إضفاء بعض السمات الديمقراطية على النظام دون جوهر حقيقى، وذلك فى الوقت الذى خلت فيه الساحة السياسية من أى قوى حقيقية تستطيع اجتذاب الأعداد المتزايدة من الشباب المتعلم الذى يبحث عن فرصة حقيقية للمشاركة، حيث لم يكن مقتنعا بأن من التيارات الموجودة على الساحة، كما لم تشكل الحركات الاجتماعية، مثل حركة كفاية التى نشأت منذ 2004، ملاذا لهم، وتلخصت مطالب كفاية فى رفض مشروع توريث الحكم إلى جمال مبارك، دون أن تستطيع بلورة بدائل سياسية وقيادية للجماهير، مما أثر فى نهاية الأمر فى قدرة الحركة على التجذر فى الشارع.
المواجهة مع الأمن
وأؤكد على تزايد دور الألتراس فى المواجهات مع قوات الأمن بعد ثورة 25 يناير، وهو الدور الذى قوبل بردود فعل متباينة. فمن ناحية الإعلام الرسمى، سواء الرياضى أو السياسى، نُظر لأعضاء الألتراس على أنهم دعاة فوضى، وأن التسامح مع سلوكياتهم فى مواجهة قوات الأمن يهدد هيبة الدولة، بل ويهدد استمرار الدولة نفسها.
أما من ناحية الشارع الثورى، فقد نُظر لأعضاء الألتراس على أنهم خط الدفاع الفاعل فى صراع الشارع مع قوات الأمن. وقد ظهر هذا الدور بداية من 28 يناير وما جرى فيه من مواجهات عنيفة فى شارع قصر النيل وداخل ميدان التحرير، وبعدها فيما عرف بموقعة الجمل، ثم ما تبع ذلك من اعتداء على أهالى الشهداء والمصابين أمام جلسات محاكمة مبارك فى أكاديمية الشرطة، ثم أحداث السفارة الإسرائيلية، ثم الجولة الأخيرة من المواجهات فى ميدان التحرير ومحيط وزارة الداخلية.
أن حركة الألتراس عندما وصلت مصر وأصبحت لها مجموعات شبابية منظمة لم تعمل الأجهزة الرسمية على استيعابها واستغلالها للأفضل.
وكان يجب على الأندية ومراكز الشباب وجميع المهتمين بالشباب الانتباه لهذه الظاهرة ومحاولة الاستفادة منها قدر الإمكان، وهذه المجموعات تضم جميع الشرائح الاجتماعية والتعليمية بصفة عامة، وبالتالى توجد بينها حالة من التوحد والاندماج حول هدف واحد يمكن توجيهه وتحديده ليكون فى مصلحة المجتمع، وقد نادى الكثيرون بضرورة وجود هدف قومى يلتف حوله الشباب لاستيعاب طاقاتهم المهدرة لأن هذه الطاقة إذا لم تستغل جيدا فإنها من الممكن أن توجه ضد المجتمع.
مستقبل الألتراس
وعن مستقبل الألتراس أشيرإلى أن الصراع دائما ينتج عن التفاوت بين الشرائح، وهو ما استطاعوا القضاء عليه من خلال توحيد الهدف وتوحيد خطوات تحقيقه، وجمع كل المفردات فى إطار يعمل على تحقيق الهدف بمعنى اللبس الموحد والكلام وحركات الأيادى والتشجيع والتصفيق والقيام والجلوس فى الوقت نفسه، وعمل الموجات فى الملعب، ولذلك فإن هذا التوحد وهذه الطاقات إذا لم يتم استغلالها الاستغلال الأمثل فى مشروع قومى ربما تحولت إلى بؤر وحركات انتقامية من المجتمع لشعورهم بالتهميش، كما أنهم سيوجدون لأنفسهم عالما آخر بعيدا عن المجتمع نظرا لاستبعادهم من الحركة المجتمعية، والدليل أنهم عندما وجدوا الثورة انخرطوا فيها، لأنهم اعتبروها هدفا قوميا أسهموا فيه بشكل إيجابى كبير بعد أن كانوا قبل الثورة مهملين من المجتمع ومطاردين من الأمن.
ومن وجهة نظر المسئول ؛ فإن هؤلاء الشباب لديهم طاقات وقدرات إبداعية كبرى، ولابد أن نبدأ فى عمل دراسات جميع روابط الألتراس فى الأندية لنعرف اهتماماتهم وأولوياتهم وأهدافهم، وبناء على هذه المعطيات تتم صياغة المشروعات والأهداف القومية التى يتم إدماجهم فيها، رافضا الفكر القديم الذى كان تفرض فيه موضوعات ومشروعات معينة على الشباب دون أن يشاركوا فى صياغتها والاقتناع بأهميتها.
وأشير إلى أن أى شاب لديه توزيع مختلف للمجهود، فهناك جزء للدراسة أو العمل بالنسبة للخريجين وجزء للانتماء السياسى وجزء آخر مخصص لنشاط الإبداع ونوع من النشاط البدنى وكذلك جزء للنشاط الترفيهى مثل دخول السينما أو المسرح وغيرهما، والآن لا يوجد لدينا مكان لممارسة الرياضة أو لقضاء وقت الفراغ وحتى الدراسة والعمل والبطالة زادت، ولذلك فإن كل الاحتياجات تجمعت فى كرة القدم لأنها جذبت انتماءاتهم وتساعد على تفريغ طاقاتهم، فمثلا الرحلات نشاط إبداعى، والجانب الإبداعى موجود بطبيعة المباريات، كما أن كرة القدم وفرت لهم الفسحة والسياحة عند السفر وراء الفريق فى المحافظات المختلفة أو خارج مصر فى البطولات الإفريقية، كذلك فإنهم استخدموا التكنولوجيا للتواصل بينهم ولتحديد مواعيد لقاءاتهم كمجموعات، بالإضافة إلى أنهم عملوا فيما بينهم وثيقة غير مكتوبة تحدد كيف يحترمون أنفسهم، وكيف يكون انتماؤهم لناديهم فقط، ويكفى أنهم رفضوا الحصول على أموال من شركات الاتصالات مقابل عمل دخلات تحمل شعاراتهم، ولكن المشكلة أننا سلطنا الضوء الإعلامى على بعض الأمور مثل تكسير الأتوبيسات والخلافات بين الجماهير دون معالجة أو عتاب، فى الوقت الذى يمكن للأندية فيه أن تستغل هذه الطاقات الإيجابية عن طريق عمل تصميمات ولمحات فنية للملاعب والملابس وغيرها من الأمور كنوع من استغلال حب هؤلاء لأنديتهم، كذلك كان لابد من عمل ندوات ولقاءات معهم لتثقيفهم وتوجيههم، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة ظهرت فى مصر بعد نجاح كأس الأمم 2006 لأن الناس شعروا بتأثير الجمهور وشكله وجماله، فهى ظاهرة نمت برغم أن البعض كان يؤكد أنها ستنتهى.
وأعتقد أن الدولة أخطأت فى السابق فى عدم الاستفادة من طاقاتهم، وأتمني أن نسعى إليه حاليا، وهو الاهتمام بكل شباب مصر، بمن فيهم الألتراس، والحل الوحيد للتعامل معهم أن يشاركوا هم فى صنع طريقة التعامل منهم وخريطة الطريق للاستفادة منمهم، فلابد من الجلوس معهم وقراءة أفكارهم، فمثلا الهولجانز فى انجلترا كانوا متعصبين جدا والآن وصلوا إلى مرحلة عدم وجود حواجز حديدية بينهم وبين الملعب، كذلك لابد أن يشعروا بأننا صادقون معهم وأن عهد الفساد وتمييع الأمور قد انتهى تماما، ووقتها سوف نراهم أكثر الناس إنتاجا وفائدة للوطن.
مجزرة بورسعيد
و إننا وقفنا مع ألتراس أهلاوى بعد مجزرة بورسعيد لأن ما حدث جريمة نكراء من الممكن أن تحدث مع أى مجموعة منا ونحن نقف ضد البلطجية والمأجورين وليس ضد أهل بورسعيد الشرفاء أصحاب المواقف الوطنية المعروفة عنهم ـ أحبابنا وإخواننا ـ وهم ليس لهم ذنب فيما حدث، ونحن كتحالف زملكاوى نحافظ على العلاقات التاريخية معهم، لكن المشكلة كلها مع البلطجية وبعض أعضاء الألتراس.
و أعتقد أن البعض يريد تقديم الألتراس ككبش فداء لتلك الأحداث، فنجد أن عليهم هجوما شديدا جدا وأى متعصب لديه طاقة عنف ونشاط وهم أكثر من يتعصب لشىء ويضحى بحياته فى سبيل ذلك، ولذلك لابد من استقطابهم وتوجيه طاقاتهم فيما يفيد المجتمع، بحيث يقوم كل ناد باستقطاب مشجعيه من هؤلاء ليبعدهم عن أفكارهم العنيفة، ويوضح لهم أنهم أصبحوا مثالا وقدوة يحتذى لها الشباب، ولذلك لابد أن يكونوا على درجة عالية فى الرقى والأخلاق الحميدة مع ملاحظة أن هؤلاء يشبهون ـ من وجهة نظرى ـ مجموعات الهيبز وغيرهم الذين ظهروا فجأة وانتهوا، لكن الاختلاف أن الألتراس بعد مشاركتهم فى الثورة وتبنيهم فكرة تحقيق أهدافها أصبحوا قوة منفتحة على المجتمع تدافع عنه وتعمل على رفعته وتقدمه، وقد شاهدت أخيرا مجموعة منهم فوجدتهم شباب ليس لديهم فى الأساس عنف أو حدة، لكن لأن التنافس الكروى، فى أحيان كثيرة، يكون غير شريف، فإنهم يتحولون إلى مجموعات ضد بعضها، وهو ما يجعلهم متعصبين.
و أخشى أن تؤدى كثرة الاتهامات للألتراس البورسعيدى بأنه هو السبب فى هذه المأساة، كما يردد البعض، إلى أن يتحول هذا الألتراس إلى وحوش يرغبون فى الانتقام، وقد يتحول باقى أفراد المجتمع البورسعيدى إلى خصم لهم يرغبون فى الانتقام منهم، وفى هذه الحالة سيتحول شباب الألتراس للدفاع عن أنفسهم بالعنف والانتقام من الذين يحاربونهم ويتهمونهم اتهامات باطلة أو يجدوا أنفسهم فى عزلة عن المجتمع، وهذا الوضع سيؤدى إلى مزيد من العنف من ألتراس بورسعيد، وتكون تلك البداية لتحويلهم إلى مجرمين.
و أن موضوع بورسعيد واضح أنه نتيجة لبلطجة مؤجرة يجب ألا يكون لها كبس فداء من ألتراس بورسعيد ثم يمتد الأمر إلى ألتراس باقى الأندية.
و أن هؤلاء الشباب استغلوا طاقاتهم وقدراتهم الكبيرة فى التصدى لبلطجية موقعة الجمل، مما يعنى أنهم قابلون للتحول، ولذا أتمنى أن نفكك فكرتهم المتعصبة من خلال أنديتهم، وكذلك وسائل الإعلام المختلفة، وألا يستقطبوهم بطاقة عدائية، فكثرة النقد لا تصلح الإنسان، ولذلك يجب أن تتعامل معهم وسائل برفق ليتحولوا إلى طاقة منتجة.
لذا أؤكد أن ظاهرة الألتراس خلقت نفسها، بصرف النظر عن وجود نظائر لها فى مجتمعات أخرى، فهى نبت طبيعى فرضته الظروف، فالفترة التى نشأت فيها لم يكن فيها أى انتماء فى المجتمع المصرى، ولذلك فإن طاقاتهم وإبداعاتهم وجهودهم للأندية التى يحبونها، وكان ذلك هو الانتماد الوحيد المسموح به، ودورهم الفاعل خلال أحداث الثورة نتج عن أنهم وجدوا موضوعا آخر يمكن أن يلتفوا حوله، وهو مرتبط بالقومية والهُوية، ولذلك برزت بسالتهم وفدائيتهم وشهامتهم فى إنقاذ المصابين والدفاع عن كل من فى الميدان.
و أن أجمل ما فى هذه الظاهرة هى عفويتها حتى لو كانت تعمل بشىء من التنظيم وميثاق شرف وتحديد التصرفات، والمطلوب الآن دراسة هذه الظاهرة بشكل عميق لكى نعرف كيف تحولت كيانات أخرى لتصل لهذا التنظيم وتقويه، موضحة أن ما يميز هذا التنظيم هو شبابيته وقدرته على الفعل والتنظيم وطموحه وأمله فى مستقبل أفضل، ولذلك فإننى أناشد مجلس الشباب والرياضة الاستفادة من هذه الطاقات فى إعلاء شأن مصر، ليس فى الرياضة فحسب، بل فى التنمية أيضا، لأن إهمالهم كارثة عواقبها وخيمة، كما حدث فى بعض الرياضات.
فمثلا فى محافظة الشرقية كان يوجد فريق عالمى للهوكى احتكر كل البطولات الإفريقية دون أى إمكانات، لكن التجربة أجهضت بفعل فاعل لأنه لم يكن مطلوب أن نتميز فى أى شىء إلا وينسب لملف التوريث، ولذلك لابد أن نستفيد من الشباب فى أنشطة غير رسمية أو بما يسمى القوى الناعمة، ولذلك أتمنى ألا يتم التدخل فى ظاهرة الألتراس بشكل رسمى، بل مطلوب قنوات للتواصل على مستوى الأندية وعلى مستوى المجلس القومى للشباب والمجلس القومى للرياضة، ليس أكثر، لأننا لو دخلنا فى عملهم بالرسميات فسيفشلوا.
وأرفض فكرة تحويلهم إلى جمعية أهلية أو كيان قانونى منظم، لأن ذلك سوف يكون بداية النهاية لهم، لأنهم سيتحولون إلى حب الرغبة فى الظهور، وهذا ما يخالف ميثاقهم الأصلى، وستلعب البيروقراطية دورا فى العراك على القيادة والرئاسة وغيرها من المناصب.
شهادة من ميدان التحرير
شباب الألتراس فى أثناء الثورة: إنهم كان لهم دور كبير منذ يوم 25 يناير، وكان وجودهم بفتهم أفراد وليس بالضرورة كمجموعات، لكنهم كانوا واضحين ببسالتهم وفدائيتهم، وقد علمونا كيف نكون منظمين وقت الهجمات، حيث كانوا يعطون إشارات معينة وقت الخطر مثل التخبيط على الأعمدة واستخدام أسلوب الكر والفر وتنظيم الوقت خلال الهجمات المتتالية، وجميعهم شباب صغير وأولاد ناس محترمين وغالبيتهم مثقفون وعلى درجة عالية من العلم والمعرفة وكثير منهم قبل الثورة كانوا يعملون فى العمل الخيرى العام مثل توزيع شنط رمضان على الفقراء فى مناطقهم من أموالهم الخاصة.
و أن ظهورهم الأكبر كان يوم «جمعة الغضب»، فقد شعرت بشكل حقيقى وغريب بأنهم عندهم استعداد رهيب للتضحية والفداء، وأن لديهم أمل فى بكره طول الوقت، وفى الوقت نفسه بسالتهم غير طبيعية، فهم يتنافسون فى تلقى الضربات قبل أن تصل إليك، ويضحون بأنفسهم علشانك، فهم رجال بمعنى الكلمة، ليسوا شبيحة أو بلطجية أو صيع عايشين على القهاوى، ولو بنتى كبيرة واتقدم لها واحد من شباب الألتراس لن أتردد فى إعطائها له، فأنا أرى أن هؤلاء الشباب مستقبلهم مشرف، فهم كانوا يدافعون عن الكرامة والحرمة وتجد أن حلمهم واحد وهدفهم واحد هو الوطن، ولذلك تجدهم ناشطين فى مكافحة الفساد الرياضى، فقد قاموا بوقفات كثيرة ضد ذلك، وهم ليست لديهم نفعية إطلاقا، فقد كانوا يعيشون وسط ضرب النار والقتل والموت والوجود فى ميدان التحرير، وهؤلاء التعامل معهم متعة لأنه يعطى أمل فى مستقبل زاهر ومبشر لمصر، وبالنسبة لهم أعتقد أنه سيكون لهم شأن كبير، وسيتقلدون أفضل المواقع والمناصب، وأتوقع أن يخرج منهم وزراء أحدهم سيتولى وزارة الشباب والرياضة، وثان يتولى البحث العلمى، وهكذا. لأنهم متميزون فى مثل هذه التخصصات وسيكون منهم قادة عظام، فبهم وبأمثالهم أصبح لدينا أمل وهدف واضح، فالناس لم يعودوا يعيشون تحت رحمة لقمة العيش، وأصبح هدفهم الرئيسى الحرية والكرامة وبعدين تفكر فى الماضى ولما العسكر يمشوا ويكون عندنا سلطة مدنية منتخبة سوف تتفجر إبداعات هؤلاء الشباب وطاقاتهم.